أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 23rd November,2000العدد:10283الطبعةالاولـيالخميس 27 ,شعبان 1421

الثقافية

الأمثال الشعبية لدى الجهيمان
عبدالرحمن بن زيد السويداء
الأمثال عصارة تجارب الشعوب ومنها الشعب العربي في الجزيرة العربية منذ آلاف السنين ومن يطلع على كتاب الميداني وغيره يجد أن جل امثاله ان لم تكن كلها مصدرها من العرب الذين عاشوا على تراب هذه الجزيرة الحبيبة نتيجة تجاربهم وافرازاً للظروف والمواقف التي حدثت لهم، ويكمن صدق المثل في انه ناتج عن مماحكة أو مماعكة حقيقية، فانطلق من هذه الحقيقة صادقاً كل الصدق مؤثراً على السامع بقوة خارقة راسخة, فقد خرج من القلب واستقر في القلب، هذه الأمثال كما اسلفت تنطلق من موقف أو قصة أو حدث ولم تنبع من فراغ، فوراء كل مثل من الأمثال أحد هذه المؤثرات، إذا كان هذا حال الأمثال العربية الفصيحة فالعود من هذه الشجرة ، فالأمثال الشعبية هي امتداد للأمثال العربية مع اختلاف في اللغة، أما المصدر والمنبع فهو نفسه من هذا الانسان العربي الذي عاش ويعيش على اديم سرة هذه الجزيرة العربية، صدرت عنه تلك الأمثال عندما كان لسانه فصيحاً ذلقاً، وصدرت عن أحفاده من الأجيال اللاحقة عندما دخلت على لسانهم لوثة اللحن، ولذلك نرى كثيراً من الأمثال الشعبية هي نفس الأمثال العربية القديمة باستثناء بعض ما داخلها من لحن وما استجد عليها من ظروف، وتتعرض الأمثال لكل شأن من شؤون الحياة، فلا تترك شأنا إلا دخلت فيه لدرجة ان هناك أموراً غاية في الدقة والشفافية تجد الأمثال قد تطرقت لها وقد يضرب المثل لأكثر من غرض، وقد يأتي المثل صريحاً بلفظ صريح إذا لم يكن هناك محذور من صراحته أو جرح لأحد وقد يأتي كناية أو رمزاً يفهمه اللبيب وربما جاء المثل في حالة كونه جارحاً أو منافياً للذوق، ذلك ان الناس كانوا يقولون مثل هذا المثل على الفطرة ببساطة وعفوية دون تحفظ من منطلق كلامهم العفوي يقبله من يقبله ويأنف عنه من يأنف وجمع الأمثال ليس بالمهمة السهلة ولاسيما أن لكل مثل حدثاً كما اسلفنا وبدون معرفة الحدث الذي أفرز المثل يصعب على الجامع تدوينه وقد يكون الحدث اجتماعياً أو حربياً أو سياسياً أو دينياً أو معيشياً أو أخلاقياً وغير ذلك من جوانب شؤون الحياة، وقد يكون فيها ما يمكن التحدث به علناً وايراد حدثه دون جرح وقد يكون محظوراً في وقت من الأوقات فيضطر الجامع إلى أن يكني له أو ينسبه إلى المجهول بالاضافة إلى كون المثل يحتاج إلى شرح موجز لمعناه وما ينطبق عليه من الأوضاع الأخرى المماثلة وقد يحتاج إلى الاستشهاد والاستدلال عليه ببيت أو أبيات من الشعر خاصة اذا كان المثل قد أدخله الشاعر في بيت من أبياته كما ان الجامع يتطلب منه عند التدوين مراعاة أذواق الناس وأمزجتهم، فيحاول أن يوفق بين أساس لفظ المثل وبين ما يمكن قبوله من السامع والقارئ بقدر ومقدار بحيث لا يفقد المثل نصه الصريح وما يمكن أن يظهر به سواء باستعمال الكناية أو الرمز أو طلاوة الأسلوب الذي يجعل المثل يصل إلى القارئ والسامع، دون أن يفقد من معناه شيئاً، خاصة فيما يتعلق بالأمور الأخلاقية وغيرها، لأن الناس في هذا الوقت أصبحت لديهم حساسية شديدة ازاء مثل هذه الأمور, هذا الطريق الصعب بمتاعبه وشقائه وحساسياته هو الذي امتطاه شيخنا الجليل عبدالكريم بن عبدالعزيز الجهيمان منحه الله موفور الصحة وطول العمر، وهو المكرم في مركز صالح بن صالح الثقافي بمدينة عنيزة الفيحاء، فقد أفنى الشيخ عبدالكريم شطراً من عمره في جمع هذه الأمثال بداية ثم تدوينها وشرحها ومعالجتها وادخال أدلتها من الشعر الشعبي الذي يتضمن بعضها ثم أخرجها في نحو عشرة آلاف مثل تضمها عشرة مجلدات، هذا العمل الذي يعتبر رصداً لمادة لم ترصد من قبل، ومن هنا تبرز قيمة هذا العمل، وان سبقه إليه سابق في هذا المضمار لكنه أربى وزاد على من سبقه فعشرة آلاف مثل تعني عشرة آلاف حدث أو موقف وهذا أمر ليس بالسهل، لا يقوم به سوى أولو العزم من حملة القلم وخاصة اذا علمنا أن هذا الكتاب واحد من كتب شيخنا الجليل القيمة التي تحدث عن بعضها الاخوان بالاضافة إلى الجوانب الأخرى من الأنشطة, هذه الأمثال قد استفاد منها الباحثون عن كثير من جوانب الحياة في الجزيرة العربية لما تتضمنه من المواضيع التاريخية والأخلاقية والعادات والتقاليد وغيرها من جوانب الحياة كما علمت ان أكثر من باحث قد حصل على إحدى الدرجات العلمية العالية ماجستير دكتوراه من مادة الأمثال الشعبية التي جمعها الشيخ الجهيمان وغيره، لما فيها من غزارة المادة وعمق المعنى والتفاعلات النفسية والمعاناة الذاتية والهموم المتراكمة والآلام المدفونة، والتناقضات المتباينة والقيم الأخلاقية السامية والأنفة والشموخ والترفع عن سفاسف الأمور، وتجنب المحذورات الدينية والأخلاقية وغير ذلك مما يصعب الأحاطة به في مثل هذه العجالة المختصرة, هذه الأمثال يوجد بها كنز ثقافي ثمين من تفاعلات المجتمع وعصارة تجاربه وتلاقح أفكاره وثمرة غراسه وكمثال لبعض ما أقول لو نظرنا إلى شيء من هذه الأمثال لأمكننا ان نستشف ما نعنيه وذلك مما جمع شيخنا الجليل ورتبه على حروف المعجم مثل قوله: آخر طب الكي، ابرة في تبن، ابن الوز عوام، ابن لك بكل وادٍ حصن، أبو قرص مات ماكله، أجر وعافية، أجمع من نملة، الأحدب يعرف كيف ينام، أحر ما عندك أبرد ما عنده، إحزم يدك واعرضها على الطببا، احفظ للقوم ولا تصلح، أحل من الفقع، أخاف يصير الدرب فوقاني، اختلط الحابل بالنابل، ادهن السير يسير، اذا تصادق الرعيان ضاعت الغنم، اذا صافحك فلان فعد اصابعك، اذا غاب البس فالعب يا فار، أقول جمل يقول احلبه، أكل التمر خص والعيش قص، شارك القوم في حلالك، شافت الهدبا هديب، شاوروهن واعصوهن، شبّها بالشيح ولقاها الريح، صبح القوم ولا تمسّيهم، صل القوم على القوم فقايد، القوم على هله، ضرب عصفورين بحجر، الطعمة ما تجي إلا من صديق، غبر يا ثور وعلى قرنك، فرق الثريا عن الثرى، فقر وغلدمة، الفلوس تقلب الروس، قال انفخ يا شريم قال ما من برطم، قال صفوا صفين قال حنا اثنين، قدر الشراكة ما يفوح، قديمك نديمك، القراد يثور الجمل.
هذه نماذج عفوية من الأمثال الواردة أردت الاستدلال بها ولو قرأت هذه الأمثال بتمعن أكثر لتبين من الكنوز ما هو أفضل مما أوردت، وشيخنا بعمله هذا وضع لبنة رصينة في فراغ هذا الباب، وربما جاء اليوم الذي تترجم فيه هذه الأمثال إلى اللغات الحية ليعرف الآخرون ان لنا من الأمثال ما يفوق كثيراً من الأمم الأخرى، ويلاحظ المرء انه عندما يكتب الكتاب من إخواننا العرب وربما من أبنائنا ويريدون الاستشهاد بالأمثال نجدهم يلجأون إلى الأمثال الفرنسية والانجليزية وغيرها التي قد لا تنطبق على واقع الحال كما تنطبق أمثالنا التي جمعها الجهيمان والعبودي وغيرهما وهذا مما يعتبر نقيصة في حق تراثنا جاءت من اخواننا وابنائنا وان كانت رقعة الوطن العربي كبيرة ولكل قطر من أقطاره أمثال تصطبغ بلهجة خاصة مع ان عمودها الفقري يكاد يكون واحداً لكنها اختلفت باختلاف اللهجات وقليل هم الذين أولو اهتماماً بالأمثال الشعبية في أقطار الوطن العربي الذي تحتاج أمثلته الشعبية إلى جمع وتنسيق في بوتقة واحدة وكتاب واحد يجمع شتات كل هذه الأمثال ليقدمها أمام القارئ متكاملة موحدة، واذا عُدَّ من جمعوا الأمثال الشعبية في الأقطار العربية فإن الشيخ عبدالكريم بن عبدالعزيز الجهيمان يعد من أوائل من جمع هذه الأمثال، فجزاه الله عن أمته ووطنه خير الجزاء ومتعه بثوب الصحة الفضفاض.

أعلـىالصفحةرجوع
















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved