أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 23rd November,2000العدد:10283الطبعةالاولـيالخميس 27 ,شعبان 1421

مقـالات

لغتنا العربية ,, تتآكل (1/2)
د,سليمان بن عبدالرحمن العنقري
إن لغتنا العربية هي كنهنا الخاص بنا,, ولا يشاركنا في هذا الكنه إلا من كانت الفصحى لغته ومناط فخره واعتزازه,, في التعليم والتأليف والنشر,, اما استعمال اللهجات المحلية في الحياة العامة اليومية لكل مجتمع فيما هو دون الخاصية الجامعة للأمة العربية - فهو شيء آخر، ولا مفر منه ولكن دون تشجيع أو استساغة أو تقبل,, المهم ان تحاصر العاميات المحلية في أضيق الحدود حدود اطر الحياة اليومية بحيث لا تطغى على اللغة الأم في جوانبها الهامة العلمية والثقافية والأدبية,, ولكن ما نشاهده الآن لا يبشر بخير ولا يسر محبا للفصحى ذلك ان العامية وبكل أسف طغت وهيمنت على كل شيء سواء فيما يتعلق بالمكاتبات الرسمية أو وسائل الإعلام المختلفة المسموعة والمقروءة والمشاهدة وبخاصة تلك الفضائيات التي تعرض برامجها بلهجات محلية موغلة مما أوجد لدى المشاهدين وأخص الناشئة صعوبة في فهم الكثير مما يعرض فيها فهناك اللهجة الخليجية واللهجة اللبنانية واللهجة المصرية واللهجة المغاربية, إلخ، فأي رابط بين تلك اللهجات وأي قاسم مشترك بينها,, كما نجد وعبر الصحف والمجلات ذلك الغثيان مما يسمى بالشعر العامي الذي لا طعم للكثير منه ولا رائحة ولا لون ولا قيمة من حيث الفكر والمضمون إذ يدور أغلبه على مراهقة متأخرة أو شحاذة مكشوفة مقنعة، ولقد غصت وسائل الإعلام الخليجية المقروءة والمسموعة والمشاهدة بكم هائل من هذا النتاج,, الذي لا سابقة له في أدبنا قديمه وحديثه كما أشار إلى ذلك الأستاذ عبدالله بن إدريس.
أما المؤسسات والشركات والفنادق والبنوك فهي بدورها استبعدت اللغة العربية استبعادا كاملاً فصيحها وعاميها وسيطرت اللغة الإنجليزية سيطرة شبه كاملة إن لم تكن كاملة في جميع مكاتباتها ومخاطباتها في حين ان الواجب يحتم ان تكون العربية هي الأصل ولا مانع من إرداف اللغة الأجنبية كما نصت على ذلك التوجيهات السامية ولكن هيهات.
إن كل دول العالم التي تعتز بلغتها وثقافتها,, لا تسمح بإحلال أي لغة أجنبية محل لغتها اعتزازا منها بلغتها الأصلية وأقرب مثال على ذلك فرنسا التي هالها قبل عدة سنوات زحف بعض الكلمات الأجنبية على اللغة الفرنسية أقول بعض الكلمات وليس إحلال لغة أخرى محل لغتهم الأصلية كما يحدث في عالمنا العربي بكل أسف,, فماذا كان رد فعلهم!!؟.
لعله من باب التذكير ان أشير إلى أني كتبت مقالة عن لغتنا العربية وطوفان الكلمات الأجنبية قبل ست سنوات في إحدى مجلاتنا الاسبوعية تحت عنوان خذوا العبرة من الفرنسيين ثم تناولت نفس الموضوع قبل ثلاث سنوات في صحيفة الجزيرة بالتعاون مع إذاعة الرياض وآمل ان لا أعود للموضوع بعد ثلاث سنوات قادمة إلا وقد تحقق كل ما يتطلع له كل غيور على هذه اللغة وقد استردت عزها ومجدها وبسطت رداءها على كل مظاهر الحياة ليس في بلادنا فحسب بل وفي عالمنا العربي أجمع.
لقد تحدثت في المقالتين السابقتين عن أهمية المحافظة على اللغة العربية، التي بدأت مفرداتها وبكل أسف تتوارى في حياتنا اليومية وبشكل خاص في القطاع الخاص وكان من ضمن ما أشرت إليه أن الجمعية الوطنية الفرنسية,, وبعد لوم وجهه لها مجمع اللغة الفرنسية، بشأن زحف بعض الكلمات الأجنبية على اللغة الفرنسية، صدقت على مشروع قانون لحماية اللغة الفرنسية يحظر فيه استخدام مفردات أي لغة أجنبية عدا مفردات اللغة الفرنسية، وزيادة في الحظر تضمن مشروع القانون فرض غرامة مالية قدرها عشرة آلاف فرنك فرنسي، أي ما يوازي سبعة آلاف ريال سعودي، على كل من يستخدم أي مرادف من أي لغة أجنبية أو مفرداتها بدل مفردات اللغة الفرنسية كما ان الجهات المختصة هناك بدأت في إعداد قاموس خاص لاستبدال الكلمات الأجنبية التي شاع استخدامها في الشارع الفرنسي والثقافة الفرنسية ولقد كان لتينك المقالتين تفاعل من القراء الكرام مؤيدين لما طرحته عبر خطابات شخصية أو عبر مقالات ضافية في صحفنا المحلية ومجلاتنا.
ولذلك أعود في هذا المقال وأقول إن طوفان الكلمات الأجنبية لا يزال مستمراً في هجمته على لغتنا العربية وثقافتنا وظهر بشكل لافت للنظر وأصبح ظاهرة تستحق الدراسة والاهتمام,,كيف لا وهذا الهجوم الشرس سيطر على كل مظاهر حياتنا اليومية بدءاً بالإعلام والإعلان والمحلات التجارية ومروراً بالكثير من الكتابات التي يستشهد فيها كتابها باللغة الإنجليزية أو أي لغة أخرى وكأن اللغة العربية عقيمة وهي الغنية بمفرداتها بما استشهد به وتطرق إليه هذا الكاتب أو ذاك حيث استعان بكلمة أو كلمات أو جمل من هذه اللغة أو تلك بوعي أو بدون وعي وادراك لأهمية استخدام لغتنا ومفرداتها الغنية.
كما تطل علينا هذه الظاهرة في المحلات التي تبيع الكتب والهدايا ولعب الأطفال ومحلات الحلوى وكذلك في أسماء الشركات وبعض المطاعم ولا سيما مطاعم الأكلات السريعة التي غزت بلادنا مؤخراً وبسرعة البرق,, هذا الطوفان لا شك انه نوع من التغريب يجعلنا وخلال حياتنا اليومية خارج بيوتنا وكأننا نعيش في شوارع دول أجنبية انه ولا شك غريب على طبيعة ثقافتنا وحياتنا ولذلك لا ينبغي أن يكون هذا الانتشار بهذا الشكل الطاغي.
إن المأساة تتضح في أننا قلما نأخذ بما أجازه مجمع اللغة العربية في ترديد الكلمات العربية المناظرة للكلمات الأجنبية مثل المذياع (الراديو) المصرف (البنك) الحافلة (اتوبيس) الهاتف (تلفون) فقد تجد شخصاً لا يعرف القراءة والكتابة ولكنه بقدرة قادر يتكلم لغة أخرى فيقول لك ذهبت إلى البنك بالباص لكي أصرف شيكا ثم تناولت ساندوتش همبرجر أو بيتزا وعدت إلى المنزل بالتاكسي ، أما في المجال الرياضي فحدث ولا حرج فمن الكورنر إلى الأوت سايد إلى الكول هل رأيت أيها القارئ الكريم مدى تخبطنا وغربة ألفاظنا؟
إنني لست مع الذين يقولون بتبسيط الأمور وتمريرها بسهولة وإذا ما استمر الحال على ما هي عليه فإننا سنجد أن جل الكلمات غريبة وأجنبية ليست عربية لأننا تهاونا كثيراً وقلنا إن لغتنا العربية تستوعب كل شيء ثم اصبح هذا الشيء هو الأغلبية وندمنا يوم لا ينفع الندم, وهنا أعود واقول ما قلته في المقالتين السابقتين لننظر إلى فرنسا فهي من أشد الدول تمسكا بلغتها وكلماتها ومفرداتها وثقافتها كل ذلك من أجل المحافظة على هويتها, ولذلك لا نعجب بما اتخذته فرنسا حيث انها أوجدت قانوناً صارماً يحاسب كل من لا يتكلم الفرنسية الصحيحة فقد يخطئ معلم الرياضيات في مسألة حسابية فيغفر له ولكن لا يغفر له ان يخطئ في اللغة الفرنسية هكذا بنص قانونهم,, فلماذا لا يكون لدينا قانون مماثل لقانونهم؟ إنني لا أدعو إلى الانغلاق وعدم تعلم اللغات الأخرى بل إني ادعو إلى تعلم اللغة الإنجليزية مثلاً وغيرها من اللغات ولكن لا يكون ذلك على حساب اللغة الأم والثقافة الأم ولا يكون ذلك أيضا على حساب تخلينا عن موقف واضح للدفاع عن اللغة والثقافة.
إن الخلل يكمن في نفسية التبعية التي انتشرت واستشرت عبر مناخ عام يعظم ويثمن قيمة اللغة الأجنبية على حساب اللغة العربية ويمكن لنا نحن العرب ان نتابع ما يحدث من تطورات عالمية في مختلف فنون المعرفة عبر جهاز فعال للترجمة إلى العربية كما يحدث في بلدان كثيرة مثل اليابان ، وإسرائيل التي تترجم سنوياً من 80 إلى 90 ألف عنوان، فكم ترجم العرب إلى العربية؟!!
إن الاعتزاز بلغتنا وثقافتنا هو مدخلنا للعزة والنهضة بل هو مدخلنا للاحترام الدولي, وإذا كان الصراع الذي يعيشه العالم وتعيشه منطقتنا بصفة خاصة هو صراع حضاري حول الثقافة والمصطلحات واللغة والمعرفة فإنه لا يمكننا ان ننتصر إلا اذا حصنا أنفسنا على المستوى الثقافي والحضاري ، ولن يكون ذلك ممكنا إلا بعودة اللغة العربية إلى عرشها ومكانتها ولا سيما ونحن على أعتاب نظام عالمي جديد من أهم مقوماته العولمة وهي ان تصبح كل أمة فيه عالمية حضاريا وثقافيا ويخشى مع هذا النظام ان تفقد الأمم خصوصيتها وهويتها,, ومن هذا المنبر ادعو العرب بل والمسلمين كافة أن لا يقبلوا هذا النظام إلا إذا اعتدل ميزانه ولم يتعارض مع ثوابتهم وشخصيتهم الحضارية والثقافية بل ويصروا اصراراً لا يماثله اصرار على التمسك بهويتهم ولغتهم العربية وتراثهم الحضاري والثقافي الخالد الذي أتاح لهم حياة طويلة ووجودا عالمياً عظيماً.
إن عدم الاهتمام باللغة العربية وضعفها ووهنها لأمر مؤرق ليس لدى المختصين بها والحريصين عليها وهم كثر فحسب بل ولدى كل من لديه ذرة من غيرة على لغة الضاد على امتداد رقعة العالم العربي والإسلامي، ولا يقف الاحساس بها عند فئة أو قلة بل هو إحساس عام,, من هنا جاء الاحتفاء الكبير بمشروع الأمير خالد الفيصل الرائد وهو الالتزام باللغة العربية في مدارس منطقة عسير حيث بدأ فعلاً تطبيق هذه التجربة الفذة في مدرسة واحدة في كل إدارة تعليم في منطقة عسير ومن ثم يتم تطبيقه على كل مدارس المنطقة كذلك الأمر بالنسبة لجامعة الملك خالد التي تم تطبيقه على كلياتها مما يؤكد شمول خطوات المشروع ولم يقتصر الأمر على ذلك بل إن هناك برنامجاً مماثلاً سوف يتم تطبيقه على القطاعات الحكومية في المنطقة للارتفاع بمستوى اللغة العربية كتابة وقراءة ونطقاً,, مما يؤكد أهمية هذا المشروع، وابعاده المثمرة في الحفاظ على لغة الضاد لغة القرآن الكريم لتكون حصينة في معاقلها عالياً شأنها بين أبنائها.
إن كل محب لهذه اللغة ليأمل في نجاح هذه التجربة الرائدة لتكون نبراساً لبقية مناطق المملكة وبخاصة في مجال التعليم العام والعالي والذي لا شك ان القائمين عليه يهمهم مثل ذلك ويشجعونه,, ومما يسر ويثلج صدر كل غيور على الفصحى ما أعلن مؤخراً من أن مجلس الشورى في المملكة يدرس مشروعا لمجمع وطني للغة العربية,, ولا شك أن مثل هذا المجمع لن يكون مظهراً ترفيهياً أو مبادرة لمحاكاة الغير,, إنه سوف يكون إن شاء الله نقلة حضارية طالما تمناه أبناء هذا البلد وخطوة لتصحيح المسار وترسيخاً لمفاهيم الأصالة وإبرازاً لشخصية الأمة التي نحن بأمس الحاجة إليها,, إن مسؤولية المجمع الوليد سوف تكون عظيمة وكبيرة وأدعو المولى سبحانه أن يكون عوناً وسنداً للقائمين عليه فحفاظهم للغة العربية هو بالتالي حفاظ للقرآن الكريم الذي تعهد الباري سبحانه بحفظه إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون
للتواصل ص ب 56165 الرياض11554

أعلـىالصفحةرجوع
















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved