أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 23rd November,2000العدد:10283الطبعةالاولـيالخميس 27 ,شعبان 1421

مقـالات

الدولة وتأسيس الخطاب
صالح بن سعد اللحيدان
حينما يرعوي المرء إلى مطمئن الأرض ينشد الصواب وينصت لوخز باطن أغوار النفس، وينشد له صادق أمر ما يريده فإنه قد يتعذر عليه ذلك ما لم يتخل أصلاً عن دفائن نفسه وما يدفعه إليه هواه، وما كان قد ظنه أو اعتقده قبل ذلك، ذلك لأن تشبع النفس، وما امتلأ به اللاشعور يُسيِّران المرء دون شعور منه إلى ما يظنه الحق ويظنه الصواب وان رأى غيره خلاف ما يراه.
ولقد كان الشعراء الذين يظنون أنهم مجددون يظنون أن شعرهم إذا لم يبنَ على أساسيات من اللفظ وجرأة المعنى حتى على الثوابت فإنهم لا يرون الشعر بذاك الذائع الصيت، ولا بذاك المتخطي للحدود، الخالد أبد الدهر.
وقد كان الشعراء خلال المئة عام التي سبقت البعثة المباركة: يرون سابقات الخلود ونواهض التجديد في: غزارة المعنى، وحسن سبك اللفظ بلازم الحكمة، وصدق التجربة وطول النفس وتلمس علل الخلل عند هذا وذاك وما برح الشعر وايم الحق حتى هذا الحين يئن تحت وطأة التعالم والظهور بمظهر التجديد الذي لم يكن من قبل.
ولقد كنت قبل الآن ناقشت شعراء كثيرين في: مصر وسوريا والأردن - وأشارت الجزيرة الغراء إلى ما كان بيني وبين عبدالوهاب البياتي-، ناقشتهم فبجانب أنهم يرون فعلاً أنهم يحاولون هكذا التجديد إلا أن واحداً منهم لم يقطع القطع كله بأنه الأوحد اللهم إلا ما يدفعه إليه جنون العظمة وسفه مريب قد يكون بوقاً لغيره.
وأنت اذا رحت تقارن بين مفردات أحمد محرم أو علي الجارم أو وليد الأعظمي أو محمود طه تقارن واحداً من هؤلاء بعشرة من مثل البياتي مثلاً فإنك اما أن تصدق أو تكذب أو تتغافل أو تغالط أو تثور على أن البياتي أفضل، ذلك ان حقيقة الانصات لذات غور العقل والفطرة قد سُترا بستار من غشاوة لا تريم وان هي تقشعت بين حين وحين فإنما تقشع عن كربات نفسية وتضايق من أن البياتي أو صلاح عبدالصبور أو أنسي الحاج في نقده أقل من واحد من مثل: الأعظمي، ناهيك,, وفلاك ذم,.
عما يكنه البعض من أمل يكذبه ولا يصدقه يخفضه ولا يرفعه يهوي به ولا يرفعه فإذا السراب أمامه كأمنيات عجائز الصوفية.
وقل عن النقد مثل قولك عن: الشعر وقل عن أساسيات الفلسفة، والبحث التاريخي مثل هذا حذو القذة بالقذة، لكن خذ مثلاً وتجرد ابن قتيبة أو ابن سلام وطالع ما شئت أن تطالع من تعقيد المتأخرين وسفسطة انشائيات الفارغين حتى ولو عبر عنهم بأعمدة من الأعمدة فإنك واجد تلمس الطريق الذي يسيرون فيه يدفعهم أمل وأمل وثالث فإذا هم يندبون الحظ وجهل المتلقي للريادة والعظمة، والتجديد، وما درى صنف من هؤلاء ان الناس اليوم يُفرقون ويميزون ويُفرقون بين الجيد والرديء بين ما هو حقيقة وما هو تقمص.
لقد قلت قبل قليل حينما يرعوي المرء إلى مطمئن الأرض ينشد الصواب وينصت لوخز باطن أغوار النفس، وينشد له صادق أمر ما يريده فإنه قد يتعذر عليه ذلك ما لم يتخل أصلاً عن دفائن نفسه وما يدفعه إليه هواه، وما كان قد ظنه , الخ.
فالحقيقة ان الحال صعبة اذا لم يؤسس المرء من نفسه صدق وحب العلم أو الشعر أو النقد أو ما شاء له ان يميل إليه، ذلك أن الحياة تحتاج إلى الموهبة بجانب صقل التجربة للموهبة، وكل هذا ولا جرم يحتاج إلى أصول عالية القدر من: التجديد الاضافي الذي لم يكن من قبل وهذا لا يكون في مثل حال هذا الحين الذي قد اختلط فيه الزيت بالماء والذهب بخبث الحديد، لأن النخبة العاقلة الحكيمة وعامة أهل العلم والأدب ينشدون التجديد المؤطر بسوابق العقل الخير وجازمات الفطر التي تسعد ولا تشقي تبين ولا تبهم تجد ولا تهزل تؤصل ولا تنقل تتجرد ولا تميل تحب ولا تكره.
هكذا إذاً تكون الحال، وغالب الظن أن من تلذذ او هو يتلذذ بحب: الانتشار، وذيوع الصيت لا يهون عليه إلا التشبث بحبال الهزل ومسالك الاعوجاج، وهذا وحده يساهم في تعطيل أو بلبلة نشدان الصواب في الخطاب الثقافي والبحث المضيف في العلوم والآداب مما يولد حسرة ما مثلها تكمن في صدر الموهوب الأصلي الذي يضيره الباطل وان كان هو على غراره.
ان الدول تتلمس المخرج من كل ما من شأنه القضاء على كل ما يسيء إلى أمنها ووحدتها وفطرتها، والعبث بعقل مواطنيها بلسان الحال ولسان المقال، وكلما فطنت الدولة وأخذت حذرها وتشبثت حتى في حال الشك ممن يُشك في حاله يدفع إلى بنيان الحذر على قواعد نابهة عالية القيم، ان سلامة: العقل والدين والعرض والنفس والمال قواعد ذات بعد مهيب يسرع إليه كل عاقل حصيف الرأي سديد النظر حتى يحافظ على هذه الضروريات الخمس التي ينشدها العقل وتتمسك بها الفطرة على كل حال.
ولا مراء في أن اقامة الحق بضوابطه في مجالات الحياة أمر يطمئن إليه المرء أياً كان.
وكم يطيب للمرء أن تسير الدول على منهاج واضح مرسوم للقضاء على كل ما يسيء إلى هذه الأمور الخمسة التي ما حافظ عليها أحد إلا أفلح.
وإذا كانت الدولة مبنية على صدق الولاء/ والنزاهة/ والأمانة فان ما يجعل هذا قائماً هو صدق المواطن حساً ومعنى ولو قيل عنه ما قيل، إن الإثم يترتب دون ريب على اثارة الفتن وزعزعة الأمن ولو كان بانحراف فكر أو شعر أو قصة.
ان المواطن الخير المواطن الذي يخاف الله ويرجوه يكون بصدق ولائه لدينه ثم لولي أمره الذي جعله الله حاكماً له أو عليه حاكماً له بحق يعيده إليه وحاكماً عليه برده إلى الصواب.
ولا شك ان العاقل هو من يؤسس نفسه بعد التقوى على مد يده لتكون يداً واحدة مع غيره لنبذ السوء والفتن ظاهرها وباطنها.
وان وضع اليد مع ولي الأمر يكفل هذا دعائم نبذ أقل خطر بأن تدوم نعمة الأمن، فدوام الأمن بدوام صدق الولاء والدعاء الدائم بظهر الغيب لتدوم هذه النعمة التي لا يدرك قيمتها إلا من فقدها أو قارن بين دولة آمنة مطمئنة وبين دولة عبث بأمنها وخيراتها بسبب جهل أو تآمر سيئ وسوء ظن.
ومن المعلوم ان سيادة الطمأنينة وسيادة الخيرات لا تكون إلا في ظل الله سبحانه وتعالى ثم في ظل أمن قائم ولا يكون هذا ما لم يكن هناك وعي دقيق لحقيقة هذا الأمن وصفاته وأسسه وقواعده من قبل المسلم العاقل الحكيم الذي هو نفسه يقوم بنفسه لصنع هذا الأمن الذي هو: مطلب كل أحد ولا يصير هذا مالم يعِ المسلم أمر حقيقة وجوده ومدى ولائه لدينه ثم لولي الأمر بصدق ولاء ونزاهة وأمانة ودوام دعاء له، وحرصاً منه على دوام النعم بتجنب كل سبيل سيئ يسيء إلى دينه أو بلده بحال ما, مع تجنب تام واع لكل معصية ظاهرة أو باطنة ذلك ان إتيان المعاصي سبب كبير لزوال النعم قال سبحانه لقد كان لسبإ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور, فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل وقد بين الطبري وابن العربي وابن كثير حقيقة هذه الآية والمراد مما وقع لها بشيء فيه طول يمكن للقارئ العزيز أن يعود إليه هناك عندهم كما هو مبين في بيان وتفسير سورة سبأ .
وكم يطيب للمرء أن يقرأ ويكرر كلمات قالها الملك عبدالعزيز رحمه الله إذ يقول: الأمن نعمة نتعاون جميعاً لإرسائه .
أو قوله: الدين هو الأصل عندنا ومن يسيء إليه فقصده الإساءة إلينا .
فمثل هذه الكلمات: الحرة الموزونة الحكيمة لها من المعاني الجليلة الباقية الشيء العظيم في الحال والمقال، وفي الواقع والمستقبل خصوصا وقد صدرت من مؤسس حلب الدهر شطريه فأسس العلم وأسس الأمن ونهض بجديد جعله من: الرجال المؤسسين لدولة لها ثقلها تسير على التوحيد منه تبدأ واليه تعود.

أعلـىالصفحةرجوع
















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved