|
| الثقافية
يطرح المفكر الإسلامي د, سعيد بن عبدالله بن حارب المهيري، أستاذ العلاقات الدولية ونائب رئيس جامعة الإمارات العربية المتحدة في ورقة عمله المعنونة بالمثقف العربي والتطورات الثقافية تساؤلات مهمة: هل مازال المثقف هو صاحب الدور الريادي ؟ بل هل مازال للمثقف دور يؤديه؟ مجيباً برأيين متناقضين، الأول يذهب بنحو احدهما إلى تراجع دور المثقف وتضاؤله في عالم اليوم فلم يعد هو صاحب الدور الريادي المحرك للمكنون الثقافي والاجتماعي والسياسي، وصاحب الرؤية الاستشرافية القائدة، إذ أصبح المثقف وفق هذه الرؤية حبيس البيئة التي يعيشها والزمن الذي يمر فيه، بل هو مصاب بالعجز, ورؤية أخرى ترى أن المثقف مازال أداة الحراك الاجتماعي والثقافي والسياسي، بل هو الدافع الأساسي لأي تغيير أو تطور أو تنمية فهو الذي يبدع ويلعب دوراً في ربط الثقافة بالواقع الفكري، وهو كذلك صاحبموقف من الحياة وصانع الفكر، ذو الرأي المستقل والعقل الشقي، يشقى بعقله ليوعي الآخرين، إنه المفكر المبدع، الناقد، جزماً أن القول بتراجع دور المثقف قول تنقصه الدقة ويجانبه الصواب والذهاب إلى أن المثقف مازال يعيش تلك الحقبة (الذهبية) قول يحتاج إلى دليل وبيان عليه مؤكداً أن الواقعية تدفعنا إلى الاقرار بدور مستمر للمثقف مع تراجع لهذا الدور يتطلب إلى طرح رؤية لدور جديد يتعامل فيه المثقف حالة المجتمع بل الحياة من حوله، إذ إن ابتعاد المثقف أو عزلته عن الحياة، هذه العزلة الاختيارية التي فرضها على نفسه مرجعها إلى يأس من التغيير أو استعلاء عن هموم الناس وقضاياهم، وكلا الأمرين يجعلان أي دور جديد للمثقف محكوما عليه بالفشل لأنه سيصبح دوراً معزولاً كصاحبه، إن بعض المثقفين يشعرون أنهم كمنيؤذنون في خراب !
وحول موضوع المثقف والعولمة يقول المهيري: إن العولمة هي السمة التي ستطغى على العصر المقبل، وهذا المصطلح الذي برز في السنوات الأخيرة، إلى جانب استخدام مصطلحات أخرى مثل (الكوكبة) أو (الكونية)، يعني أن المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية تتداخل فيما بينها حيث لا يصبح هناك حدث فاصل بين ما هو محلي أو إقليمي أو عالمي مشيراً إلى أن القيم الاجتماعية اليوم هي أكثر معالم الحياة التي تتأثر وتهتز بالعولمة في وقت أصبحت فيه صيحات التحذير والإنذار لا أثر لها,, إن ألف خطبة أو مقال لا تقف أمام برنامج تقدمه محطة (C.N.N) أو (B.B.C) ، أو حتى بعض محطاتنا العربية المهاجرة ,, أصبح تأثير التواصل الثقافي يطرق أبوابنا إلى غرف نومنا ويخاطبنا جميعاً، لا فرق بين كبير وصغير ولا بين أمي ومتعلم، فالكل ينصهر في العولمة!
بعد هذا يتساءل د, المهيري عن دور المثقف العربي في عصر العولمة ويجيب: من الواضح أن دور المثقف تجاه التحديات الحالية مازال مشوشاً وحائراً، وبالتالي لا نستطيع أن نقول إن المثقف العربي فاعل في التحولات أو منفعل بها، وذلك لأسباب عديدة, فهو نظرة جزئية وانتقائية تعمل في عالم يتجه صوب كونية شاملة تسقط كثيراً من الحدود والحواجز الفيزيقية وغير الفيزيقية أي الروحية والثقافية.
وحول علاقة المثقف العربي بالآخر؛ ذكر أيضاً عصر النهضة الإسلامية في الأندلس وخصائص ثقافهم الخارقة مقارنة بحال المثقف اليوم فإنه يختلف تماماً عن ذلك إذ لم يتعد تلك الحالة إلا موروث تاريخي أو ثقافي يهرب له المثقف بل الإنسان العربي كلما شده الحنين للبحث عن بطولات تعيد له ثقته بنفسه أيّاً كانت هذه البطولات عسكرية كانت أم ثقافية، ولقد كرست هذه الحالة روحاً منالماضوية لدى كثير من المثقفين العرب، سواء كانت هذه الماضوية تغرق في البعد لتستعيد امجاد دمشق وبغداد والقاهرة! مشيراً إلى التيار الثاني الذي ذهب مسرعاً يعب من الآخر عباً، ليصبح نسخة مكررة منه، بل كان نسخة مشوهة إذ لم يستطع أن يضيف جديداً إلى الثقافة الانسانية بما يقدمه من ثقافته العربية، ويجدد من روحها وعطائها، ولم يستطع كذلك أن يسبق الآخر في عطائه لأن هذا الآخر يملك ناصية أمره بنفسه وليس في حاجة لبدائل لا تحسن التعبير عن ثقافته، منشأ ما سماه الأديب الروائي يوسف القعيدوكلاء التوزيع حين قال:ليس عندنا مفكرون ولكن وكلاء لتوزيع الفكر الغربي !
مؤكداً أن مثقفاً عربياً يدرك ذاته ويقدم إضافته الثقافية ويستوعب الآخر ويتعامل معه إيجابياً غير رافض ومستسلم دون وجل وانهزامية أو تبعية ليضيف إبداعاً جديداً، يرسم ملامح الصورة الثقافية الإنسانية المتكاملة، تلك الصورة التي يريد لها الآخر أن تكون معبرة عنه وحده دون غيره، زاعماً بانتهاء الثقافات المتعددة؛ إذ ليس هناك إلا ثقافة واحدة هي ثقافة العولمة! إن مثقفاً عربياً يدرك ذلك هو القادر بحق على التعامل مع التطورات الثقافية سواء كانت في صورتها المتطرفة كما هي عندصموئيل هانتجتون أو فرنسيس فاكوياما كنموذج أو في صورتها المعتدلة كما هي عندنعوم تشومسكي وانجمار كارلسون أو غيرهم!.
|
|
|
|
|
