أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Tuesday 21st November,2000العدد:10281الطبعةالاولـيالثلاثاء 25 ,شعبان 1421

الثقافية

د, أومليل: المشهد العربي يعاني من انشطار ثقافي لم يسبق له مثيل!!
يتطرق المفكر المغربي د, علي أومليل في ورقة عمله إلى الحديث عن حدثين كبيرين شهدهما العقدان الأخيران من القرن العشرين جعلا المسألة الثقافية مثار نقاش واسع، وهما الثورة التقنية في مجال الاتصال، وسقوط الاتحاد السوقييتي مشيراً إلى أن مظاهر الثورة التقنية تمثلت في الثقافة التي أصبحت بضاعة معولمة الإنتاج والاستهلاك معتبراً انه إذا كانت الثقافة هي حصيلة ما يرسخ في عقول الناس ويطبع سلوكهم ويحدد مدى نجاحهم أو فشلهم في الحياة العامة، فإن نوعية التربية والتعليم أساسية في تحديد طبيعة الناتج الثقافي, وهكذا نجد أن ثورة الاتصال والمعرفة قد أنتجت تربية وتعليماً من مستويين وبسرعتين: تعليم يستوجب المعرفة الحديثة الطلوبة مهنياً في عالم اليوم، وهذا النوع من التعليم مايزال من حظ أقلية في بلدان الجنوب، وهو تعليم مكلف لا تقدر على تكلفته إلا العائلات المحظوظة وهذه العائلات بفضل شبكة علاقاتها المفيدة داخل المجتمع تيسر لأبنائها دخولاً أفضل في الحياة المهنية، فيحتل أبناؤها المتخرجون مواقع متميزة في الإدارة ودواليب الاقتصاد والمهن الحرة, وبالمقابل، هناك أغلبية من أبناء وبنات الشعب، تبقى أمية أو تتعلم تعليماً غير نافع في عالم اليوم، يؤدي إما إلى وظائف أو مهن متدنية مادياً واجتماعياً، أو إلى البطالة, وهكذا لم يعد التعليم إلا في حدود ضيقة وسيلة للترقية الاجتماعية وتجديد النخب داخل المجتمع.
ويوضح أومليل ان الفوارق في الثورة والمعرفة أصبحت هائلة بشكل لم يسبق له مثيل، لاسيما وأن الوعي بالحرمان وبالتهميش أصبح حاداً ومشاهداً يومياً بفعل وسائل الاتصال, فالذين يرفضون العولمة هم ليسوا ضدها كعولمة، بل لأنهم ضحاياها أو على الاقل لايشاركون فيها! من هنا فإن تقوقع الهويات الثقافية أو الإثنية أو الطائفية على ذاتها إنما هو تعبير عن واقع الهامشية والإقصاء؛ لأن أغلب الصراعات المسلحة اليوم هي صراعات دينية أو إثنية, فاقتتال الهويات الثقافية معناه فشل التعددية الثقافية في التعايش والتوافق على قيم جامعة وعلى الولاء لدولة وطنية متعاقد على مؤسساتها.
وحول علاقة انهيار الاتحاد السوفيتي بالمسألة الثقافية، يشير إلى أن الغرب الليبرالي نتيجة لذلك أعلن انتصاره وفسره بمصداقية قيمه الثقافية الليبرالية, وهكذا أصبح كتّاب ومعلقون غربيون يؤكدون أنه لاسبيل اليوم أمام الدول والأمم سوى تبنّي اقتصاد السوق والديمقراطية الليبرالية، وأن الغرب وحده أنجح التلازم بينهما، وذلك بفضل قيمه الثقافية التي تأسست عليها الرأسمالية وقام عليه النظام الديمقراطي, وعلى رأس هذه القيم حرية الفرد، فهي تعني في الاقتصاد حرية المبادرة, وأيضاً بالعقلانية في التدبير، والمحاسبة والشفافية، والتنافسية المشروعة، والابتكار الخلاق الحافز على التقدم التكنولوجي,,، وأن الديمقراطية الليبرالية أفضل نظام يضمن كرامة الإنسان ومشاركته الحقيقية في الشأن العام، وأن كليهما، اقتصاد السوق والديمقراطية، تأسسا على قيم الثقافة الغربية: الفردانية، العقلانية، سيادة القانون، حقوق الإنسان، واستدرك أومليل قائلاً: إنه بالرغم من ذلك فإن الغرب يخفي دفاعه عن نفسه؛ لأنه أصبح يعي نسبية حضارته، وأنه بدأ يخسر على مستويين: مستوى الاقتصاد، ومستوى الديمقراطية.
ويشدد أومليل على أن مسألة الهوية الثقافية اعتادت أن تطرحها الشعوب المهددة ثقافاتها من لدن الثقافة الغربية المهيمنة، أما الآن فقد أصبحت مسألة الهوية تطرح في المجتمعات الغربية نفسها: ما مصير قوانين ومؤسسات الدولة العلمانية أمام تعددية ثقافية ودينية أصبحت تطالب بالتجسيد القانوني والاجتماعي والسياسي لخصوصياتها؟
وقد قدم د, أومليل عدداً من النتائج والخلاصات التي انتهى اليها في ورقته.
ان الدول الغربية التي تبني الآن جدرانا لصد الهجرة، تنسى أن ملايينهم قد سبق لهم الاستيطان خارجها؛ حيث هاجر حوالي 55 مليوناً من الأوروبيين ليستقروا في الولايات المتحدة وكندا وجنوب أفريقيا واستراليا ونيوزلاندا!
ان القيم التي أصحبت تروجها الليبرالية الجديدة هي قيم ضد التضامن الإنساني الذي هو ضرورة لتوازن التنمية في العالم.
قيل إن الثقافة الإسلامية ألحت على قمية العدالة أكثر مما ألحت على قيمة الحرية التي هي ركيزة الثقافة الغربية، والليبرالية منها بالذات, وليس هنا مجال مناقشة مفصلة لهذا الحكم، وإنما نقول إن التفاوت الصارخ الذي يعرفه عالم اليوم والذي لم يسبق له نظير بين أغنيائه وفقرائه، بين الذين يمتلكون التقنية والمعرفة المتقدمة وبين الذين لايملكونها، جعل قضية العدالة قضية جوهرية في العالم اليوم!
من يلاحظ المشهد الثقافي العربي يرى أن هناك انشطاراً ثقافياً لم يسبق له مثيل، خاصة حول قضايا جوهرية ثلاث: أ قضية حقوق الإنسان؛ ب قضية المرأة؛ ج قضية علاقة الدين بالسياسة، معتبراً أن هذا الانشطار الثقافي الحاصل الآن في المجتمعات العربية بسبب صعود التيارات الأصولية هو ظاهرة جديدة, ذلك أن الإصلاحيين العرب والمسلمين، ومنذ القرن الماضي، ومهما صنفوا إلى حداثيين وسلفيين، فإن الجسور بينهم كانت ممدودة فعلال الفاسي مثلاً الذي اعتبر سلفياً ناصر فكرة الحرية، وحقوق الإنسان، والديمقراطية البرلمانية، وطه حسين الذي اعتبر ليبراليا كتب في الإسلاميات لكن الحركة الإسلامية قد تطرفت لترفض الديمقراطية وحقوق الإنسان، وهي تفرض تبعية السياسة للدين تبعية مطلقة.
ويؤكد د, أومليل بقوله: إن مثل هذا الانشطار يحول دون التوافق حول قيم ثقافية مشتركة، ومثل هذا التوافق شرط أساسي للتطور السلمي للمجتمع، ولإمكانية وجود تعددية سياسية وثقافية وتدبيرها ديمقراطياً لأن الديمقراطية هي الآلية الأوفق لتدبير التعدد الذي هو طبيعي في المجتمع, بل إن التوافق حول قيم ثقافية متقاسمة هو الذي يجعل السياسة نفسها ممكنة.
أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved