أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Tuesday 21st November,2000العدد:10281الطبعةالاولـيالثلاثاء 25 ,شعبان 1421

مقـالات

من وحي الأيام
منى عبدالله الذكير
الصداقة كم هي جميلة تنتشل روحك من جمود المادة، وهرولة الوقت، وأعاصير المشاكل إلى واحة الهدوء والبوح، فقط مع الصديق تشرع أجنحة الكلمات وتحلق في سحابات شفافة,, تبتعد عن آلامك,, ومعاناتك تصبح نقطة بعيدة,, تستمع لصديقك تتسرب قطرات وجدانه المترعة بالحزن أو الدمع أو البسمة إلى ذاتك تسكنك وتقلقل إنسانيتك التي ربما تكون في اغفاءة الجري وراء ما تريد,, وما أكثر ما نريد من الحياة وحتى إلى ما وراء الحياة,, الخلود الذكرى أن تظل أنت المادة والظل وكل شيء,, هكذا غمرتني موجات الدفء عندما طالعتني صورتها عندما نظرت كتابها,, سكينة محمد القحطاني رحمها الله عزيزتي كم أحببتها وطُبعت ذكراها في عمق ذاكرتي رغم أن معرفتي بها بدأت متأخرة ربما عقوداً طويلة عندما سمعت عنها,, كأول صحفية في البحرين والسعودية ومؤلفة كتاب من وحي الأيام تحدثت به عن تجربة التعليم بالنسبة للفتيات في البحرين عام 1928م افتتحت أول مدرسة للبنات في المحرق وصارت سكينة من أوائل المدرسات وهي في السادسة عشرة من عمرها ولمدة خمسين عاماً متواصلة وأحبت التدريس من كل قلبها, أيام شيخ البحرين حمد بن عيسى عام 1947م أُفتتحت مدرسة خديجة الكبرى وكانت سكينة في سلك المدرسات بها.
قصة سكينة رائعة قبل وفاتها بأشهر جلستُ أسألها عن مسيرة عمرها وهل حبها للتدريس أنساها حياتها الشخصية,, وبالطبع هذه سمة كل الرواد ومن يعشقون مهنتهم أكثر من حياتهم الخاصة بل تصبح المهنة هي محور الحياة وطيف الأمل والنشوة الكبرى في النجاح والعطاء,, تزوجت سكينة وبعد ثلاث سنوات انتهى الزواج وتركت الزوج وابنتها الوحيدة في لنجة ميناء على الساحل الفارسي فتحه العرب قديماً وأصبح مقراً للكثيرين من ابناء الخليج,, لم تستطع الشاعرة الأديبة الصحفية الرائدة في التعليم أن تهجر لسان آبائها وتنسى عروبتها تريد أن تسمع كل حين لغة العروبة وتنشق أريج الصحراء وتنتشي برائحة البحر,, أن تعانق النخيل وتلتحف بذرات الرمال أيام الربيع, بعد اثنين وعشرين عاماً من الكفاح والنجاح,, وكانت تنشر موضوعاتها الصحفية ذات النهج التربوي والاجتماعي في الصحف السعودية والبحرينية ونالت الشهرة وبالأخص بين النساء لما تقدمه لهن من نصائح جميلة,, بعد ذلك العمر التقت أو بالأصح خطبها عن طريق الأهل زوجها الثاني وكان شخصا حنوناً ذا مركز مرموق وعاشت معه ثماني سنين من التفاهم والود وكان يشجع كتاباتها، ويسعد بما تنشره ويحترم عملها في التدريس,, قالت: ولكن ارادة الله فوق كل شيء، ففي العام الثامن لزواجنا أصيب بمرض عضال وبعد معاناة قصيرة انتقل إلى جوار ربه وتركني وحيدة، وبعده نزعت فكرة الزواج إلى الأبد رغم انني كنت في شرخ الشباب واغرقت نفسي في عملي وكان الجميع يطلقون عليّ أم صلاح فقد كانت أمنيتي أن أنجب منه ولداً وأسميه صلاح .
بعد التقاعد وبعد خمسين عاماً متواصلة من العطاء,, عملت مشرفة في معهد للمكفوفين وبعد ثمانية أعوام تقاعدت وجلست في بيتها في قلب المنامة مع الذكريات,, سعيدة بكل ما قدمته والفت كتابها البسيط من وحي الأيام وتنشر بعض المقالات وترفض أن تعيش مثل كبيرات السن والمتقاعدات يلفهن الكسل والضجر,, بل تعمل بشكل دائم وتستقبل صديقات زمان، وتقرأ آخر الاصدارات الفكرية وترحب بضيفاتها من الشابات تسرد عليهن مسيرة عمرها لأنها مسيرة عمر منطقة بأسرها,, كانت أختها تعيش بجوارها المنزلان متلاصقان وقد أزالتا أحد الجدران فأصبحا وكأنهما منزل واحد,, تحنو على ولدي أختها,, ولم تر ابنتها التي تزوجت وانجبت سوى مرات قلائل,, وكل من عرف سكينة القحطاني أعجب بها,, لقد عاشت تحمل الحنين للذكرى والصمت في العمل والتفاني في العطاء وفوق الثمانين ظلت تكتب خواطر ناعمة رقيقة تماماً كما كانت,, شابة حالمة,رحم الله صديقتي سكينة لقد توفيت بصمت,, وكنت بعيدة مسافرة,, دون وداع.

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved