أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Tuesday 21st November,2000العدد:10281الطبعةالاولـيالثلاثاء 25 ,شعبان 1421

مقـالات

صندوق التنمية العقارية,, المشكلة والحل!
د, صالح بن عبدالعزيز العبداللطيف
ربما يكون صندوق التنمية العقارية من احسن الامثلة التي تضرب في عدم تأقلم بعض المؤسسات الحكومية مع التغيرات التي تمر بها البلاد، فمنذ انشائه عام 1395ه ومرور اكثر من ربع قرن على ذلك لم يتغير او يتبدل شيء من سياساته الاقراضية، كأن تلك السياسات بلغت حد الكمال,, وبطبيعة الحال فإن ما ينطبق على الصندوق في هذا الشأن ينطبق على بعض المؤسسات الحكومية,, وفي هذا مناسبة ودعوة للمسؤولين المعنيين في الدولة، لضرورة مراجعة جميع الانظمة واللوائح وبخاصة القديم منها، والتي لم تعد تتمشى مع الواقع والتطورات والتغيرات المستمرة التي تصب في مصلحة البلاد والعباد.
لقد انشئ الصندوق المذكور في سنوات الطفرة، وبوحي من تلك الطفرة اعدت سياساته واجراءاته إلا ان سنوات الطفرة مضت وبقيت تلك السياسات التي تفترض وجود الطفرة الى الابد، ولن تفي هذه الوقفة العجلى بمناقشة كافة الجوانب المتصلة بذلك الصندوق ولكن سيتم تناول بعض الجوانب الرئيسية منها وتقديم المقترحات حيالها، وما لا يدرك كله لا يترك جله.
مشكلة التأخر في الإقراض
كان المتقدم للحصول على قرض من الصندوق في بدايات إنشائه لا ينتظر اكثر من اسبوع واحد، ولكن اخذت المدة تطول تدريجيا حتى وصلت في وقتنا الحاضر إلى اكثر من 15 عاما وهو وقت طويل جدا، ومرشح للزيادة، ويعود السبب في ذلك الى عدة عوامل هي:
1 توقف الدولة عن دعمه مادياً بداية من عام 1408ه.
2 تآكل موجوداته نتيجة لحسم 20% من قيمة القروض في حالة الانتظام في التسديد، وترتفع الى 30% في حالة التسديد قبل حلول الاجل، اضافة الى ما يدفعه الصندوق للمحصلين الذين يستعين بهم من اجل سداد الاقساط الحالة على المتأخرين عن السداد من المقترضين وإن كانت محدودة الجدوى .
3 مماطلة الكثير من المقترضين وتوقفهم عن التسديد إما كلياً او جزئياً بسبب عدم وجود الضوابط الرادعة لهم.
وبطبيعة الحال، ليس في الإمكان القضاء نهائياً على مشكلة التأخر في الإقراض، ولكن يمكن تقليص فترة الانتظار الى سنوات معقولة في حال اتخاذ اجراءات جديدة حيال العاملين السابقين ورقم 2 ورقم 3، وهو ما تحاول هذه المقالة تقديم مرئيات ومقترحات إزاءهما، اما بالنسبة للعامل رقم 1 وهو توقف دعم الدولة للصندوق، فلا يبدو في المستقبل المنظور مؤشرات تدل على خلاف ذلك، إذ يبدو ان الدولة بعد ضخها 74 بليونا في هذا الصندوق، ومساهمتها من خلاله في إقامة بنية سكنية كبيرة في طول البلاد وعرضها، اصبحت تشعر ان لديها اولويات في مجالات التوظيف والتعليم والصحة والدفاع والامن تتقدم على دعم الصندوق وحتى لو دعمته فلن يكون بالزخم السابق.
مشكلة المماطلة في التسديد
يعود السبب الأول والأهم في وجود مشكلة التأخر في الاقراض الى مماطلة المقترضين في التسديد اما كلياً او جزئياً، لأن الصندوق اصبح تمويله ذاتياً، وبقدر ما يكون السداد يكون الإقراض، ومن المؤسف تزايد عدد المماطلين في التسديد سنة بعد سنة حيث وصلت نسبتهم عام 1419ه الى حوالي 40% منهم كما علم الكاتب من احد المسؤولين في الصندوق، والنسبة في تزايد مستمر، والسبب في المماطلة في المقام الأول هو عدم وجود جزاءات رادعة لهؤلاء المستهترين الذين اكثرهم قادرون مادياً على التسديد، ولكنها النفس البشرية الأمارة بالسوء، والانانية المفرطة على حساب الآخرين، فما دام انهم اقترضوا وسكنوا واستقروا فمالهم وللآخرين الذين من بعدهم! ولهذا فإن الوقت قد حان للدولة لوضع الاجراءات الرادعة لهم، لأن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، وجرعة من الحزم بهذا الشأن سيكون لها مفعول سريع وفعال، لأن الناس لو تركوا وشأنهم لبغى بعضهم على بعض وفسدت الأرض, وهذه بعض المقترحات بهذا الصدد:
تصنيف المماطلين في التسديد إلى فئتين
أ الفئة التي لها أعذار وجيهة في عدم التسديد مثل عدم وصول الخدمات الضرورية للمسكن، او عدم الانتفاع به لسبب أو لآخر، او وفاة المقترض إذا كان من ذوي الدخل المحدود، او من ذوي المعاشات التقاعدية الضئيلة، او الذي ليس له دخل ثابت اساساً,، او المعسر، او غيرهم، فهؤلاء يعد لهم إجراءات خاصة ترفق بحالهم، كتأجيل السداد، او تخفيض قيمة الاقساط، أو تأجير أحد أدوار المسكن لصالح الصندوق، او حتى الاعفاء الجزئي او الكلي لمن اختارهم الله إلى جواره بشروط خاصة، وكما ندعو الى الحزم مع المماطلين القادرين على التسديد، فاننا ندعو الى الرفق والرحمة بغير القادرين على ذلك، وعلى اية حال، فإن جميع الشرائح المذكورة في هذه الفئة لا تمثل إلا نسبة مئوية قليلة من النسبة المئوية لمجموع المماطلين.
ب الفئة القادرة على التسديد وليس لها عذر في ذلك، وأفراد هذه الفئة يمكن التعامل معهم عن طريق الحسم من رواتبهم، ودونما أخذ إذن منهم، ويكون الحسم في حدود معقولة لايتجاوز 15% منها، حتى لو تجاوزت سنوات التسديد 25 سنة لذوي الرواتب القليلة منهم، ولا يستطيع اي منصف ان يدعي ان نسبة 15% من الراتب مبلغ كبير لا يمكن التكيف او التعايش بدونه، وعلى اية حال فإن المبالغ المستوفاة منهم لن تأخذها الدولة، بل ستذهب إلى إخوانهم الآخرين الذين على قوائم الانتظار في الاقتراض.
أما أولئك المماطلون القادرون الذين لايمكن تطبيق طريقة الحسم من الرواتب عليهم من تلك الفئة لانهم لا يعملون لدى مؤسسات الدولة، فالحل يمكن في قطع الخدمات عن وحداتهم السكنية تدريجياً بداية من اقلها اهمية كالهاتف الى اكثرها اهمية كالماء والكهرباء بعد إعطائهم مهلة مسبقة وكافية للتسديد,, وستكون مفاجأة سارة للصندوق لأن كلهم تقريباً سيسارعون للتسديد إذا علموا ان الامر سيؤخذ بجدية وحزم، وإذا وصل الى اسماعهم أن هناك وحدات سكنية قد قطعت عنها بالفعل بعض الخدمات المشار اليها.
2 عالجت الفقرة 1 مسألة الأقساط التي ستحل مستقبلاً على المماطلين، اما بالنسبة للاقساط المتأخرة التي لم تسدد بعد من قبلهم، فربما كان الحل المناسب لها منح اولئك المماطلين فرصة سنة كاملة لا تكرر ولا تمدد للتسديد مع منحهم نسبة الحسم التي تعطى للمنتظمين وقدرها 20%، ويحسب الكاتب ان معظم المتأخرين سيبادرون لانتهاز هذه الفرصة والمسارعة في التسديد، وهذا معناه ضخ سيولة كبيرة في الصندوق لأن عدد الاقساط المتأخرة كبيرة جداً.
جمود سياسات الاقراض
وضرورة تحديثها
أعدت سياسات الاقراض كما ذكر سابقاً في عز الطفرة الاقتصادية، ولهذا يمكن القول انها فصلت عليها، ولكن من المؤسف ان لايتم تحديث لتلك السياسات حتى تناسب التغيرات الإقتصادية والإجتماعية التي مر بها الوطن والمواطنون خلال تلك السنوات الطويلة التي تلت تلك الطفرة، وفيما يلي بعض الجوانب التي ينبغي ان يشملها التحديث وبعض الاجتهادات حيالها:
1 سن المتقدم وحالته الاجتماعية
تنص شروط الإقراض على ان لا يقل عمر المتقدم عن 21 عاماً إذا كان عزباً، ولا يقل عن 18 عاماً إذا كان متزوجاً، وفي ظل الظروف الحالية، والضغط الشديد على الاقتراض من الصندوق، إضافة الى تزايد الكثافة السكانية بمعدلات كبيرة منذ تأسيس ذلك الصندوق، فإن من الضرورة تعديل هذا الشرط ورفع ذلك في حده الأدنى إلى 27 سنة بالنسبة للمتزوجين على أن يشترط مضي سنتين على الزواج حتى لايستغل ذلك في زيجات متسرعة لا هدف منها إلا الحصول على القرض ، اما بالنسبة للعزب فيكون الحد الأدنى 35عاماً، والهدف من هذا المقترح توخي اكبر قدر ممكن من الانصاف، وتقديم الشرائح ذات الاحتياج الماس والملح للسن على غيرها من الشرائح الاخرى التي يمكن ان تنتظر مدة اطول، لان الحاصل الآن وفي ظل الشروط القائمة هو مسارعة كثير من الآباء القادرين مادياً حالما يصل ابناؤهم 18 أو 21 عاماً الى استئجار او شراء اراضٍ لهم في اماكن نائية، ومن ثم تقديمها بأسمائهم للصندوق، وبهذا يحجزون ارقاماً فيه، ويحرمون شرائح اخرى هم اولى بها منهم سواء من الناحية العمرية او الحالة الاجتماعية والاسرية.
2 مقدار القرض
يختلف الحد الأعلى لمقدار القرض من المدن الى القرى، ومن حالة الى حالة، ولكن لو أخذ الحد الأعلى له في المدن وهي التي تستأثر بمعظم القروض وهو 300 ألف ريال لوجدناه الآن كبيراً لعدة اسباب، أولها ان المبلغ المذكور حدد في زمن الطفرة حيث كانت المواد غالية واليد العاملة مرتفعة والآن تغير الحال كثيراً فانخفضت كلتاهما، وثانيهما ان الصندوق اصبح تمويله كما ذكر سابقاً ذاتياً منذ عام 1408ه فلم تعد الدولة تضخ فيه شيئاً، وثالثهما تآكل موجوداته بسبب المماطلة في التسديد والحسومات التي تقدم للمنتظمين، ولهذا كله وتحرياً للعدل، ،حتى يستفيد من قروض البنك أكبر عدد من المواطنين وحتى تخف مدة الانتظار بعض الشيء، فإن من الافضل تخفيض مقدار القرض وتحديده ب 150 ألفاً في حده الأدنى و200 ألف في حده الأعلى، لأنها تعادل الآن تقريباً مبلغ ال 300 ألف ريال في وقت الطفرة.
3 حسومات التسديد
النظام الذي يسير عليه الصندوق الآن هو حسم 20% من قيمة كل قسط مستحق إذا كان التسديد منتظماً، ويرتفع الحسم الى 30% عند التسديد مرة واحدة او التسديد للاقساط البعيدة الحلول، وقد ادى هذا الى تآكل موجوداته على المدى الطويل، وسنة بعد أخرى وبخاصة بعد ان اصبح التمويل ذاتياً، وهذا أدى بطبيعة الحال، وتلقائياً الى تقليص عدد المسموح لهم بالاقتراض وزيادة فترة الانتظار، ولهذا فإن المقترح إزاء عملية التآكل هو الغاء الحسومات المذكورة بداية من العقود الجديدة وذلك من اجل زيادة عدد المقترضين وتقليص مدة الانتظار، ولاشك ان هذا المقترح غير مرغوب فيه البتة بالنسبة لمن لم يقترضوا بعد، وحجتهم: لماذا لانعامل مثل من سبقونا بالاقتراض؟ وهم معذورون في اعتراضهم، ولكن لابد ان يعيشوا في الواقع ويعوا المتغيرات لان نظام الحسومات اعد في زمن الطفرة حيث كل شيء متوفر، والدولة تدعمه بالبلايين والآن تغير كل هذا ولهذا فمن الخير لهم ولمن بعدهم على المدى الطويل إلغاء تلك الحسومات وإلا فسيأتي وقت يصبح فيه الحصول على قرض من اجل تشييد مسكن خاص امراً بعيد المنال ولا يتحقق الا لعدد ضئيل جداً في ظل كثافة سكانية عالية تزداد عاماً بعد عام.
4 آلية التسديد
التسديد للصندوق حسب النظام السائد اشبه ما يكون بالامر التطوعي، ولا يتضمن إجراءات صارمة للمماطلين عن التسديد، مما جعل مشكلة المماطلة تتزايد وتستفحل كل سنة، ولهذا، ومن أجل القضاء على هذه المشكلة جذرياً فإن الحل يكمن في ان تنص العقود الجديدة على ان يكون التسديد شهرياً من الراتب وبنسبة معقولة تتراوح بين 15 20 % منه بالنسبة للعاملين في مؤسسات الدولة او لهم معاشات تقاعدية، اما بالنسبة للعاملين في غير الدولة فلا يسمح لهم بالاقتراض الا في حالة وجود كفيل غارم يعمل في الدولة حتى يضمن سدادهم للصندوق، كما ان من الاهمية ان يصنف المقترضون الى فئتين: الفئة التي رواتبها 5000 آلاف شهريا فأقل، فهؤلاء يمنحون الحد الادنى من القرض، والفئة الثانية التي رواتبها أكثر من 5000 آلاف ريال فهؤلاء يمنحون الحد الاعلى من قيمة القرض، وذلك حتى لاتطول سنوات التسديد فتنعكس على اولئك الذين لم يقترضوا بعد وكل يمد رجليه على قد لحافه كما يقول المثل الشعبي.
نوعية الوحدات السكنية
في ظل انظمة الصندوق القائمة لا خيار للمواطن الذي يرغب في تملك مسكن خاص عن طريق الاقتراض من الصندوق إلا بتشييد فيللا مستقلة، او عدم التملك نهائيا، والمطلوب تغيير هذا الوضع وإتاحة خيارات اخرى للمواطن لبناء مسكنة عن طريق الصندوق بواسطة بناء وحدات سكنية صغيرة كما في نظام الدوبلكسات او الشقق الكبيرة اومايشابهها على ان تصدر الجهات المعنية البلديات العدل ضوابط وتنظيمات في بنائها وتملكها وتصريف الخدمات فيها وغير ذلك، كما ان من الخيارات الاخرى المطلوبة السماح للمقترضين بالتملك عن طريق شراء الفلل الجديدة او المستعملة بشرط ان لاتكون عليها اقساط للصندوق او الدوبلكسات او الشقق الواسعة بدلاً من معاناة البناء، وذلك بعد وضع الصندوق لمواصفات معينة لها، وعند توفر هذه المواصفات يمكن للقطاع الخاص ان يشيدها بنفسه ويعرضها على الراغبين في الاقتراض من الصندوق حتى يوفر على المواطنين الذين لا يرغبون في خوض معركة البناء أصلاً الكثير من الجهد والوقت والغبن ايضاً، كما يوفر سكناً جاهزاً لاولئك الذين ليس لهم قدرة مادية على شراء الأرض.
وبعد:فإن المقترحات السابقة التي اوردها الكاتب كان الهدف منها الاستفادة من موجودات الصندوق من قبل اكبر عدد من المواطنين على اختلاف شرائحهم، وتقليص مدد الانتظار، ومنع تآكل موجوداته، واستمراريته في اداء خدماته لاطول مدى ممكن، وهذا كله لا يتحقق إلا بممارسة شيء من الحزم قد يعجب البعض ولانه في النهاية لصالح الجميع، كما أن تلك المقترحات قد لا تروق لبعض الناس ايضاً ولكنها إجتهادات مواطن وضع في الحسبان التغيرات السريعة التي تمر بالبلد وانقضاء الطفرة التي لم يستطع البعض ان ينفطم منها بعد، والكثافة السكانية التي تعد من اعلى المعدلات في العالم والتي تربك بشدة خطط التنمية.
وكلمة أخيرة للمسؤولين، فعلى الرغم من ان الدولة قد ضخت في ذلك الصندوق عشرات البلايين لتأدية رسالته، وإحداث نقلة كبرى في قطاع الاسكان، وعلى الرغم من وجود أولويات لديها، وتغير اقتصادها من اقتصاد طفرة إلى اقتصاد ينشد التوازن والثبات في ظل تقلبات اسعار النفط التي لاتنتهي، إلا ان الأمل بها كالعادة كبير في مواصلة تمويل الصندوق بعد توقف طويل حتى لو لم يكن بالزخم المعهود.

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved