| الاخيــرة
يطوف بنا كل يوم (حول العالم) الكاتب الموسوعي المتمكن الأستاذ فهد عامر الأحمدي، عبر زاويته في صحيفة (الرياض)، بمعلومات ومقارنات واستنتاجات قيّمة، ويقدم كل يوم (وجبة) غنية ب(سعرات) الثقافة والمعرفة.
***
وقد أمتعنا الأستاذ الأحمدي في زاويته (حول العالم) المنشورة في 19/7/1421ه بحديث عن سطو اليهود على تراث الامم، والحيل المكوكية التي يطرحونها وصولاً الى غايتهم، فهم يبدأون أولاً ، يقول الأحمدي، بنشر الشائعات حول وجود أصل لهم في المنطقة وبكثرة التكرار والتركيز الاعلامي، تتحول الشائعات الى شبه حقيقة في اذهان العالم، وحين يتشبّع المجتمع الدولي بالموقف اليهودي، يبدأون بأخذ الحق المزعوم بالقوة (انتهى).
***
وهناك نموذج صارخ من التاريخ والجغرافيا لمكر اليهود في فلسطين، فقد بدأوا احتلالها بادّعاء الانتماء اليها، ثم قادوا حملة عالمية شرسة ومركزة، احرزوا من خلالها وعدَ بلفور الاستعماري الشهير، وأتبعوا ذلك بقوارب وسفن (الاكسدس) التي ابحرت من معظم انحاء اوروبا، تحت غطاء الاضطهاد النازي لليهود، وقد مكنهم من تثبيت اقدامهم الاستيطانية أمران: احدهما الدعم غير المحدود من لدن الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا، وفرنسا وعدد من دول القارة الاوروبية، أما الثاني: فهو ضعف الجبهة العربية المضادة داخل فلسطين وخارجها، وتخاذلها في وقف زحف الاستيطان الصهيوني!.
***
ويتحدث مقال الاستاذ الأحمدي عن (أكذوبة) جديدة يروّج لها الصهاينة الجدد على اكثر من مستوى، وهي الادّعاء بأن مزامير داوود مدفونة تحت أهرامات مصر، لتصبح بمثابة (مسمار جحا) جديد يوظفه اليهود لبسط نفوذهم، وقد كثّفوا الحملة لذلك الادّعاء ببثّه مؤخراً عبر شبكة (الانترنت) مطالبين بملكية الاهرامات وماتحتها، ومن يدري,, فقد يتطور الادعاء يوما ليشمل ارض الكنانة بأسرها، بدءاً بالاهرامات,, وانتهاء بالصعيد!.
***
وبعد: فإن سطو اليهود على الموروث العربي لم يعد سراً، فقد اعتدوا وما زالوا يعتدون على الموسيقى العربية، والقديم منها خاصة، وانتحال بعض ايقاعاتها لمصلحتهم، ويقال مثل ذلك بالنسبة لظواهر اخرى كبعض الرقصات الفلكورية والأكلات الشعبية، ونحو ذلك!.
ولمَ لا! فالمحتلون اليهود قدموا الى فلسطين اشتاتاً من هويات وقوميات تنتمي الى اكثر من بلد في اكثر من قارة، لا يجمعهم شيء سوى الدين، ولذا حرصوا على (انتحال) هوية ثقافية وفلكورية خاصة بهم، وذلك بالسطو على تراث جيرانهم العرب,, وإذا كان اليهود قد أفلحوا قديماً في تمرير خدعتهم الكبرى بادعاء فلسطين أرضَ ميعادٍ لهم، وبسط النفوذ عليها بقوة السلاح، أفلا يفلحون في تمرير الدجل من جديد، وتشكيل (هوية ثقافية) لا تنتمي مفرداتها اليهم أصلاً؟!
***
ويستعيد ذهني لحظة كتابة هذه السطور واقعة شهدتُها يوم ان كنت طالباً في جامعة جنوب كاليفورنيا بمدينة لوس انجلوس الامريكية، فقد كان لدى تلك الجامعة تقليد سنوي اسمه (مهرجان الأمم) تقيمه كل عام هدفه توطيد عرى التعارف بين الطلاب الامريكيين ونظرائهم الاجانب، وكان الطلاب العرب يشاركون في ذلك المهرجان بعروض فنية وثقافية وفلكورية بما في ذلك تقديم نماذج من الأطباق المعروفة في بعض المجتمعات العربية، واذكر ان عدداً من السيدات العربيات كنّ يشرفن على بيع عيّنات من الأكلات الشعبية في الوطن العربي، حيث صاحت احداهن فجأة متهمة مجهولاً بسرقة حلل اضافية مملوءة بالطعام، وقد هرعتُ مع آخرين من زملاء الدراسة بحثاً عن تلك الحلل.
ثم تعقد الدهشة لساني وانا اشاهدها مصفوفة فوق طاولة تابعة للجناح الاسرائيلي، وقد باشر عدد من الطلاب اليهود مهمة بيع محتوياتها! كاد هذا الموقف يتفجر عنفاً بين الطلاب العرب والاسرائيليين، لولا تدخّل مسؤول من الجامعة افلح في حقن الخلاف، واعادة حلل الطعام إلى أصحابها.
***
والآن,, وبعد مرور سنين على هذا الموقف اتساءل في عجب: إذا كانت إسرائيل قد سطت على جغرافية العرب,, ومقدساتهم، ألا تسطو على تاريخهم وموروثهم الشعبي والثقافي، وأخشى أن يحل يوم تدعي فيه اسرائيل ملكية مكان ما هنا أو هناك من الوطن العربي بحجة ان واحداً من أسلافها أناخ فيه ناقة أو نحَر بعيراً!!.
عبدالرحمن بن محمد السدحان
|
|
|
|
|