| الاقتصادية
لعل الفكرة القائلة بأن أحد أسباب سعي دول الاتحاد الأوروبي إلى تعميق التعاون الاقتصادي فيما بينها وجعله أكثر شمولاً هو خشية الدول الاوروبية الكبرى من عدم قدرتها على الوقوف في وجه المد الاقتصادي الأمريكي متفرقة قريبة جداً من الحقيقة, وتؤيد هذه الفكرة الأرقام والاحصاءات، فعلى سبيل المثال فإن الناتج القومي الإجمالي للولايات المتحدة الأمريكية وكذا قيمة صادراتها ووارداتها تتفوق على مثيلاتها لدول مجموعة اليورو الإحدى عشرة مجتمعة خلال السنوات الأخيرة.
ويمتد تفوق الاقتصاد الأمريكي إلى العلامات التجارية التي تحمل ما يقارب الثلث أكبرها الجنسية الأمريكية, وتتوزع نشاطاتها على تصنيع السيارات والبترول والأجهزة الإلكترونية والحاسبات والمواد الكيميائية, وقد بلغ حجم مبيعاتها 806 مليار دولار في عام 1995 وبنسبة 43% من حجم المبيعات السنوية لأكبر 30 علامة تجارية عالمية.
وفي جانب آخر من الجوانب الاقتصادية يمكن اعتبار الدولار العملة المحلية للعالم، فقد بلغت نسبة حجم قروض البنوك الخارجية المدفوعة بالدولار 78% من إجمالي حجم القروض في عام 1995, كما بلغت نسبة المبادلات التي تمت بالدولار في أسواق العملات إلى إجمالي المبادلات التي تمت في نفس العام السابق 41%, كما بلغت في نفس العام أيضا المعاملات التجارية المدفوعة بالدولار إلى إجمالي المعاملات التجارية 38%,وقد احتفظت الدول في عام 1995 بما نسبته 56% من احتياطياتها الأجنبية بالدولار.
وهذا التأثير الكبير للاقتصاد الأمريكي له إيجابياته التي تستفيد منها الولايات المتحدة الأمريكية وفي نفس الوقت يحمل في طياته الكثير من السلبيات لعل من أبرزها سهولة التأثير عليه من قبل الآخرين متى ما أرادوا ذلك, لا سيما وأن جزءا كبيراً من هذه الهيمنة الاقتصادية مردها إلى ثقة الأجانب المتزايدة في الاقتصاد الأمريكي وفي الدولار على وجه الخصوص، وقد أدى بناء هذه الثقة عبر الزمن إلى تكوين رافد مهم للهيمنة الاقتصادية الأمريكية إلى جانب البعد والإرث التاريخيين والاقتصاد الهائل والتقدم للولايات المتحدة الأمريكية, فعلى سبيل المثال أصبح الدولار الوسيط الذي تتم بواسطته معظم المبادلات التجارية العالمية حتى وإن لم تكن الولايات المتحدة الأمريكية طرفاً في هذه المبادلات وأصبح كثير من السلع الهامة تقوم بالدولار كل هذا ليس بسبب مجرد الهيمنة الأمريكية الاقتصادية بل يرجع جزء كبير منه إلى عامل الثقة في الدولار والذي ساهم في بنائها الأفراد والمجتمعات وإلا فإنه من الممكن التعامل بغير الدولار، وربما يكون في هذا الأمر صعوبة وكلفة مالية لكنه ليس بمستحيل.
ويدل على مدى أهمية عامل الثقة في إكساب الاقتصاد الأمريكي والدولار على وجه الخصوص السيطرة الموجودة لهما الآن أن 60% من الدولارات الأمريكية الموجودة خارج حدود الولايات المتحدة الأمريكية بلغت قيمتها أكثر من أربعة تريليونات في عام 1995.
* قسم الاقتصاد والعلوم الإدارية جامعة الإمام محمد بن سعود
|
|
|
|
|