| وَرّاق الجزيرة
تحفل كتب التراجم وسير الاعلام برصد الكثير من المظاهر الثقافية التي جرت في تراثنا العريق والمظاهر والمشاهد الثقافية المسجلة في هذه الكتب ليست على حد سواء فمنها ماهو مشهد حضاري ورائع ومنها ما هو مشهد مؤسف يسجله المؤرخون للحذر من صاحب الممارسات المنحرفة ومن هو على شاكلته ليبقى تاريخا يدونه المتأخر عن المتقدم والخلف عن السلف وهذه وظيفة من اهم وظائف المؤرخ ان يسجل لنا التاريخ بكل مشاهده واشكاله وبكل دقة وامانة.
ومن هذه المشاهد الثقافية التي لا تسجل في الجانب المشرف والمشرق لتراثنا ما دونه المؤرخ والحافظ الكبير محمد بن علي السخاوي ت 902 ه في كتابه الشهير الضوء اللامع في ترجمة محمد بن محمد بن علي بن صلاح المجد ابو الفتح بن الشمس القاهري الحنفي حيث قال عنه:
وتعاني التجارة في الكتب وصار ذا براعة تامة في معرفتها وخبرة زائدة بخطوط العلماء والمصنفين بحيث انه يشتري الكتاب بالثمن اليسير ممن لا يعلمه ثم يكتب عليه بخطه انه خط فلان فيروج وقد يكون ذلك غلطا لمشابهته له بل وربما يتعمد لأنه لم يكن بعمدة حتى انه ربما يقع له الكتاب المخروم فيوالي بين أوراقه او كراريسه بكلام يزيده من عنده او بتكرير تلك الكلمة بحيث يتوهمه الواقف عليه قبل التأمل تاما وقد يكون الخرم من آخر الكتاب فيصلح ما يوهم به تمامه أ,ه.
قلت: وهذه الظاهرة التي تحدث عنها السخاوي ممن يعبث بالكتاب المخطوط ويزور فيه من اجل ان يلقى رواجا بين القراء حتى يظفر بالربح المادي السريع ظاهرة لم تنته ولم تتوقف حتى يومنا هذا فهي وان كانت في تلك الأزمنة ظاهرة محدودة لا تتجاوز افرادا يقومون بها سوى على مخطوطات معينة وسرعان ما تتكشف حركتهم من ادنى شخص في سوق الوراقين في العم الأغلب لكنها في زماننا هذا أخذت بعدا آخر ومنحى اكبر أوسع مع بقاء الأفراد الذين يقومون بها فهي على شكل أفراد وجماعات.
ففي الآونة الاخيرة يقدم على بلادنا كثير ممن يدعي التجارة في المخطوطات القديمة وهم في الحقيقة ليسوا سوى تجار في المخطوطات المزورة التي يجدون انها تجد رواجا في بلادنا سواء كانت موضوعاتها من الموضوعات التي نهتم بها او انها بأقلام مؤلفين لهم حضورهم الفاعل لدى المعنيين بالمخطوطات في المراكز البحثية التي تحرص على شراء هذه المخطوطات.
وكم من مركز بحثي وعلمي تلقى اكثر من صفعة حينما اكتشف ان المخطوط الذي يظنه نفيسا ومن ابرز ما لديه انه مزور وانه من الكتب التي نسخت منذ سنة او سنتين على ابعد الحدود لكن بطرق احترافية جعلته وكأنه من منسوخات بغداد في القرن السادس او السابع الهجري.
وعلى العموم كل ما اردته هنا الاشارة فقط من اجل ان ننتبه لهذه المسألة ومن اراد التوسع فعليه بالرجوع الى العديد من الكتب المؤلفة في تزوير المخطوطات فهناك سيجد ضالته المنشودة.
|
|
|
|
|