| مقـالات
تتضح ضرورة الحديث عن هذا الخطاب من كونه الرحم الذي تتولد منه كافة أنواع الأمن الاجتماعي، فثمة علاقة سببية طردية بين طهارة هذا الرحم وتعافي الأمن الاجتماعي بكل جوانبه؛ لكن هل هذا الخطاب الثقافي العربي هو فعلاً لسان حال الثقافة التي يدعي تمثيلها، أم أنه وصمة عار لحقت أو أُلحقت بهذه الثقافة؟,.
هل عثر هذا الخطاب على كلمة السرّ، وتحرر من كل ما يكبله؟ أم أنه مازال يتعثر ويتخبط؟,, أم أنه اُعتقل قبل ان يعقل هويته وينجز مهمته الحقيقية وليس ما أوكله له الآخرون؟,, أم أنه يعاني من انفصام ما بين ظاهر بريء جريء وباطن يغلي ويفور بما هو عليه كمأمور ومأجور ومخترق ومستلب ومغترب؟,.
أية حناجر تزأر بهذا الخطاب وكأنها مكبرات صوت وأبواق دعاية قادمة إلينا من كل مكان إلا هذا المكان!,, أية أقلام تدوِّن هذا الخطاب؟,, وكأني بها سرقت حبرها من الأساطير والأحلام المكسورة؟,, أفلا يمكن أن تكون اقلاماً مضادة؟,, أو في أحسن الحالات أقلاماً انفعالية مبتورة الرأس؟,.
هل هذا الخطاب يرتدي القناع كبديل عن خطاب ضيعته أطراف نخبوية داخلية تواطأت لا شعورياً مع أطراف خارجية واعية كل الوعي لعولمتها,؟,, ثم لماذا لا تتفتق عضلات هذا الخطاب الخلبية بمناسبة وبدون مناسبة، بشكل مطلبي وبلا ضرورة، إلا في حديث ممجوج عن العولمة وبشكل ضبابي وطوباوي وتسويفي واجتراري واستهتاري بمن يوجه إليهم؟,.
لماذا يتجاهل هذا الخطاب الثقافي العربي سموماً أكثر خطورة من كل ما يتداوله ويجتره ويعلكه هذا الخطاب، لا بل ان هذه السموم التي يتجاهلها (عن قصد وعن غير قصد) الخطاب الثقافي، هي التي تخدم العولمة، هذه السموم تقاسمنا وسادتنا وأحلامنا، وتلوِّن ما تشاء من سلوكياتنا، وفي كلمة واحدة يمكن القول بأن العولمة في حقيقتها الموجهة إلينا تلبس لبوس هذه السموم.
لن أشهر بكل ما لدينا من هذه السموم وما أكثرها وتسارع تكاثرها كيلا اُتهم بالتعصب والتشنج والرجعية والانغلاق وسائر المصطلحات التي اعتادت اسماعنا عليها وهي تنضح كالسموم من قاموس المافيا الثقافية, من هذه السموم وأكثرها انتشاراً: الهوس الاستهلاكي الذي صار رمزاً يدل على القيمة والمكانة الاجتماعية، يدل على التميز والتفوق الاجتماعي الأخرق، والتشدق بامتلاك آخر الصرعات وأفخم البيوت والسيارات وأكبر عدد ممكن من السائقين والخادمات، وقضاء الإجازات وبشكل غريزي وليس أبداً لغايات ثقافية، وحضور الحفلات والأمسيات الراقصة، وإقامة المآدب في السهرات، والاحتفالية المبالغ فيها وخارج الضرورة الدينية في الجنازات,.
إلى ماذا ,, وإلى أين يقودنا هذا السلوك الهستيري في الاستهلاك؟,, أفلا يشغلنا عن الاهتمامات الأجدر بالالتفات إليها وتكريس كل الامكانيات أو بعضاً منها على الأقل والأوقات لها بدلاً من الارتماء في ممارسات استهلاكية شبقة تكرِّس إعاقة حضارية تصل إلى جيناتنا الوراثية فتحيلنا إن عاجلاً أو آجلاً إلى كائنات كانت، ولم يعد بمقدورها الاستمرار في كينونتها، لأنها فشلت في اختبار وجودها.
أفلا تدل هذه الهستريا الاستهلاكية عند المدمنين عليها بأنهم أشد خطورة على الأمن الاجتماعي من المدمنين على المخدرات؟ هؤلاء، هم بالذات، يقرون لاشعورياً وبشكل فعلي، بأنهم كائنات طفيلية قادرة على الاستهلاك وعاجزة بالمقابل عن الانتاج، وكأنهم خلقوا ليدوروا في مدار غريزي بدون أدنى جاذبية للمسؤولية مكرسين في هذه الصيرورة من المتاهة,ماذا تعني المواطنية لهذه الشريحة التي تنطلق من مقولة: أنا أستهلك، إذن أنا موجود ؟!,.
ماذا تعني المواطنية لهؤلاء الأشباح الهائمة على بطونها بحثاً عن النفايات الحضارية من أحدث وآخر ابتكارات مصممي العطور والأزياء والمجوهرات والسيارات؟,.
هل تعني لهم بأن المواطنية فرض كفاية؟,.
لا خير في مواطن، ولا مستقبل لوطن يقوم على هذه الذهنية المواطنية، لا تكون، ولن تكون مجدية، إلا عندما تصبح فرض عين على كل مواطن، لا يكون مواطناً ألا بمقدار ما يشعر بالمسؤولية وأولوية الولاء للوطن، والاخلاص بلا حدود، وعشق للعمل الذي يناسب قدراته وميوله.
الوطن، لن يكون سياجه قوياً الا عندما يكون فيه كل مواطن شوكة تقوي هذا السياج المنيع لتنغرس في عيون أعدائه الذين يستهدفون أمنه ومستقبله وتقدمه,ان الحصول على الاستقلال والاعتراف الدولي به، لهو أسهل بكثير من قضية الحفاظ على هذا الاستقلال وتدعيمه وتفعيله والانتقال به من السكونية إلى استنفار كل الطاقات الوطنية والجهود النوعية للوصول به إلى أن يكون فاعلاً وقائداً في العولمة عوضاً عن الانفعال بها أو مجرد ضابط ايقاع أو نافخ بوق في جوقتها.
|
|
|
|
|