أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Saturday 18th November,2000العدد:10278الطبعةالاولـيالسبت 22 ,شعبان 1421

مقـالات

قصيدتا أحمر الرأس الغزليتان
أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
من حسنات أبي علي الهجري رحمه الله أنه المصدر الوحيد لنوادر أدبية مثل قصيدتي أحمر الرأس اسمهُ كنيتُهُ بن قرة السُبيعي السُلمي,, ومن حسنات شيخنا حمد الجاسر رحمه الله أنه عُني بنوادر الهجري ونشرها.
وشيخنا حمد قدّم النص بكل أمانة، وحققه بالضبط والتخريج والتوثيق,, وبقيت الإفادة من نصوصه اللغوية، وظلاله الأدبية الجمالية مرهونة بالمنهج النقدي التفسيري التعاوني الذي أدعو إليه في كل دراساتي النقدية، لأن المتعة لا تحصل بتلك النصوص بغير هذا المنهج,, وبهذا المنهج أتناول قصيدتيه الغزليتين اللتين يفسر بعضهما بعضاً,.
يقول في إحداهما:


هنيأً لهذي النفسِ إذ ربما لهت
بلمياأَ الآفاق داج ظلامها
لُهوَّ التي لم تأت سوأً ولم تنل
حراماً ولم يُطلب إليها حرامها

هنّأ نفسه بلهوه بلمياأ في ظلام الليل، وبلا ريب فليس هو لهو ذكريات يبثها الشاعر وهو وَحده في دُجا الليل، وإنما هو لهو بوصلها محادثة؛ ولا سيما أن المحادثة مقترنة ببعض استعمال هذه المادة؛ ففي اللغة: لهت المرأة إلى حديث الرجل,, بمعنى أنست به,, إلا أنه لهو بَرِيأٌ، لأنه استثنى كل حرام، فلم يبق إلا المحادثة، ولا أدري عن بعض اللمم,, واستثناأُه ليس على حقيقته، لأنه لم يستثن الخلوة المحرمة وهي حاصلة بلا ريب، إذ لا محادثة في الظلام الداجي، ولا سر لها سيحتفظ به الشاعر كما سيأتي من قصيدته إلا بخلوة.
وهذان البيتان اعتذار قدّم به لمواجهة التهديد بقتله من قبل أهلها، ليزيل الريبة عنه وعنها، وأنهما لم يرتكبا ما يُحوج إلى التهديد,, وهذا البيت شاهد على جواز اللُّهُوِّ بضم الهاإ وتشديد الواو,, وقد جاأ في القاموس,, ورود لهو بضم اللام (1) ,, ولم يزد على ذلك، ولم يذكر تشديد الواو,, إلا أن الزبيدي فسر كلام الفيروزآبادي بما لا يحتمله، فذكر أنها على وزن عُلُوٍّ أي بتشديد الواو ، ثم جاأ بشاهد لا يدل عليه، فقال: نقله ابن سيده,, قال:
كبرتُ وألا يحسن اللهو أمثالي (2)
قال أبو عبدالرحمن: إذا صح ضبط البيت بضم لام اللهو نقلاً فليس فيه شاهد على تشديد الواو، لأن وزن البيت لا يحتمل ذلك.
وموجز القول: أن كلام الفيروزآبادي، والبيت الذي نقله ابن سيده شاهدٌ لضم اللام، وليس لتشديد الواو,, كما أن تشديد الواو صحيح لغة دال على الاسمية بمقتضى الصيغة، ومع هذا فبيت أحمر الرأس شاهد لذلك، وإنما اعتبرته شاهداً، لأن الشاعر من أبناإ القرن الثاني وأول الثالث، إذ الهجري من أبناإ القرن الثالث، وإسناده إلى أحمر الرأس يحتمل ثلاثة أجيال أو جيلين إذا كان شيخ شيخه وهو سُريرة بنت أحمر الرأس معاصراً له,, وأهل نجد إلى مشارف الحجاز عرب أقحاح فصحاأ لم تفسد لغتهم.
وقد مهد أحمر الرأس بالبيتين للاعتذار كما أسلفت ثم قال:


أَأُقتلُ أن لمياأَ كانت مليحةً
جميلاً كجاذيِّ الخَلوق التثامها
ظُلمتُ إذن والظلمُ قد يُغتَشَابِه
ومن شر أسباب المنايا ظِلامها
وإن تقتلوني يَبقَ من مِدحتي لها
بيوتٌ لفتيان الصِّبا لا تُسامها
أما والذي حج المصلون بيته
بمكة تلقا الله شُعثاً رِمامها
عكوفاً وقوفاً بالمحصَّب من مُنا
يُديرون شمساً أن يحين ظلامها:
لقد كنتُ مُنقادَ الحبالِ وكاتماً
لسرِّك ما لم يَلقَ نفساً حِمامها

قال أبو عبدالرحمن: خاطب أولاً أهل لمياأ بالتنصل من الريبة، ثم أقسم للمياأَ بأنه حافظ لسرها.
قال أبو عبدالرحمن: حذف تاأ التأنيث من جميل، لأن موصوفها مُأنث مذكور، والعرب تحذف تاأ ما كان على فعيل إذا أمنت اللبس بذكر المأنث الموصوف، ولم تكن فعيل متجردة للاسم وإن كانت بمعنى فاعل ,, تحذف ذلك جوازاً,, قال تعالى: (وما يدريك لعل الساعة قريب),, وقال الشاعر:


فديتك أعدائي كثير وشِقَّتي
بعيد وأشياعي لديك قليل

والجاذي اللاصق الثابت، والخلوق طيب النساإ يُتَّخذَ من الزعفران وغيرها، ولثام المرأة ما على فمها من النقاب الذي هو محل اللثم والتقبيل، وهو مَكرَع العُشاق.
والاغتشاأُ بالظلم كناية عن ألمه، وأن له غاشية كغاشية المرض والعذاب.
وحذف همزة تسامها وفتح السين ضرورة,, وكلمة منقاد الحبال في هذا الموضع كناية عن حسن التصرف، والتخلص بالروِيَّة والبداهة من كل إيراد يراد به استجراره بالكلام لعله يُفشي السر,, ووردت كاتماً بدون واو قبلها، وعلق شيخنا حمد رحمه الله بقوله: لعله: وكاتماً ,, قال أبو عبدالرحمن: هو بواو العطف بيقين، لأن الوزن لا يستقيم بغير ذلك، والواو محتملة الانطماس في الأصل أو الصورة، ويحتمل أن يسهو عنها قلم الناسخ,, ومنهج التحقيق ها هنا أن تثبت الواو في المتن، ويعلق بأنها ساقطة في الأصل.
وفي القصيدة الثانية ذكر أحمر الرأس تهديد أهلها بتفصيل أكثر، فقال:


رموني ولمياأَ المليحة بالفِرا
وبالزُّور رضَّ الله أفواههم رضَّا
وحلُّوا حُبا أحلامهم وتألبوا
وحضوا على قتلي غُواتهمُ حضا

ثم نَفا الريبة بقوله:


فإن تقتلوني تقتلوا صادقَ الهوا
بعيد القِلا للحكم في سولها مضَّا
وماذا على الواشين من كلفي بها
وما ملكوا في ذاك بسطاً ولا قبضا

معنى الشطر الثاني من البيت الثالث: أنه بعيد عن البغض، وأنه مُمضٍ لحكمها بقضاإ حاجتها ومطلبها,, وآخر شطر كناية عن إفلاس الواشين من وجود أي ريبة حول لمياأ والشاعر,, ثم توجَّد الشاعر توجداً لغوياً عادياً بقوله:


فياليت شعري هل أبيتنَّ ليلةَ
بجزع الركايا وهي طلٌّ بشامها
فهل أَرَدِن منها مياهاً عهدتها
تَعِزُّ على الوُرَّاد طامٍ جِمامها
مياهاً حماها الكاشحون ودونها
من الموت غَمُرات يُهاب اقتحامها
فَمُرَّ على الفسطاط واعلم بأنما
تحين المنايا حين يُقضا حِمامها

قال أبو عبدالرحمن: البَشام بفتح الباإ شجر عطر الرائحة، والجمام بكسر الجيم جمع جُمَّة بضمها، وهي مكان اجتماع الماإ,, ويريد بالبيت الثالث أن أهلها حَمَوها، وكان حِماها مراتعَ أنسه بلمياأ,, والفُسطاط المدينة يجتمع بها أهل القُرا حولها، والحِمام بكسر الحاإ قضاأُ الموت وقدره,, ثم أُطلق على الموت نفسه,, فهو متجه إلى حماها ماراً بالفسطاط غير خائف، لأن حلول منيته مرهون بحلول الأجل إن كان الله قدر موته,, أما التوجد الأدبي المليح فهو قوله في الضادية:


وما ثَغَبٌ باتت تُطرِّده الصِّبا
خلافَ السَّواري فهو لا يأتلي ركضا
خروجٌ ولوج تحت أفنان سدرة
كأن الصِّبا تُزجي على متنه رحضا
ولا المِجمرَ الهندي خالط ريحُه
لطيمة مسكٍ فُضَّ أصوارها فضا
بأطيب من ريا عُلالةِ ريحها
إذا ما الثريا سار أنجمها عرضا
وقد عاد حُرَّاس العِدا حول بيتها
لو انَّهمُ يُدعونَ ما استَجمعوا نهضا

قال أبو عبدالرحمن: الثغب أكثر ما بقي من الماإ في بطن الوادي، ثم تُوُسِّع به لكل بقية عذبة من المطر مما تلقَّاه منخفضٌ، وما حفره مجرا السيل فتجاوزه بعد أن ملأه,, وتُطِّرُده تمده من آفاقه على التشبيه بتطريد السيف، فهو لا يأتلي ركضاً من جرائها,, والسواري السحب، وإنما قيد طرد الصبا بالسحب، لأن العرب تفرح إذا استدبرت الصبا السحب,, قال الزبيدي: والصَّبا بالفتح والقصر ريح معروفة تُقابلُ الدَّبُورَ، سُميت بذلك لأنها تستقبل البيت وكأنها تحنُّ إليه,, قال ابن الأعرابي: مَهَبُّها من مطلع الثريّا إلى بنات نَعشِ تكون اسماً وصفة,, وفي الصّحاح: مَهَبُّها المستوي أن تهُبَّ من موضع مطلع الشمس إذا استوى الليل والنهار,, وتزعم العربُ أن الدَّبُور تُزعج السَّحاب، وتُشخِصُه في الهواإ ثم تسوقُه، فإذا علا كشفت عنه واستقبلته الصَّبا، فوزَّعَت بعضه على بعض حتى يصير كسفاً واحداً,, والجَنُوبُ تُلحِقُ روادِفَه به وتُمِدُّ من المدَدَ، والشَّمالُ تمزِّقُ السَّحاب (3) ,, والخروج والولوج صفة للثغب، والرحض الغسل، شبه إمعان الصبا في تطريد الثغب بالراحض الذي يوالي الغسل,, أي كأن الصبا تغسل متن الثغب,, والمجمَرُ تجوّز به العرب؛ فجعلوه بمعنى العود نفسه الذي يوضع في جمر المدخنة من الألوة واليلنجوج وكل ما يتبخر به من الطيب,, واللطيمة القطعة من المسك,, قال الزبيدي: واللَّطِيمُ المسكُ,, عن كُراعِ كاللَّطيمةَ، ويقال: أعطني لَطيمَةً من مِسكِ,, أي قطعَةً كما يقالُ: فأرة من مِسكِ,, قالهُ أبو عمرو,, وشاهدُ اللَّطيمة للمِسكِ قول الشاعر:


فقلتُ: أعَطَّاراً نرى في رِحالِنا؟
وما إن بموماةٍ تُباعُ اللَّطائمُ

وقال الفارسيُّ: قال ابن دُرَيدٍ: اللَّطيمُ كلُّ طيبِ يُحملُ على الصّدُغ من المَلطم الذي هو الخَدُّ,, وكان يستحسِنُها، وقال: ما قالها إلا بطالِعِ سعدِ (4) .
والأصوار جمع صوار بضم الصاد، وكسرها ، وهو وعاأ المسك,, وجمع القلة أصورة,, وريا ريح طيبة.
وخص الثريا بالذكر لأنها آخر نجوم الوسمي؛ فتكون الأرض تنفح بنبات الوسمي العَطِر.
وتوجُّد أحمر الرأس الذي سلف سياقه نوع من التوجد الأدبي، وهو التوجد الأكثر الأشهر في شعر الفصحاإ,, لا يعبرون فيه بلفظ التوجد، وإنما يوحون به إيحاإ، لأنه تشويق بأجمل وأعذب ما يعرفونه ويذكرونه من المشبه به,, وفيه معنى المبالغة، فهو أصل لنوع التوجد الثاني كقول القشيري:


فَوَجدي بِطيَّا وَجدُ أَشمطَ رَاعَهُ
بواحِدِهِ داعِيُ الَمَنايا ألمَّتِ
وَوَجدِيَ بَطيَّا وحدُ بِكرٍ غَرِيرةٍ
على والديها فارقاها فحنَّتِ
وَوَجدِي بِطيَّا وجدُ هَيماأ حُلِّيَتُ
عن الماإ كانت منذ خمسين ضَلَّتِ
إذا سافتِ الأعطان أوشمَّتِ الثَّرا
رمَاهَا وَلِيُّ الماإ عنه فولَّتِ
وإن أشرفت من اَكُمِ الماإ ميفِعاً
لَوَت رجلها اليُسراَ بالأُخرا فَحَنَّتِ
فَحَنَّت حَنيِناً يُطربُ الصَّبَّ ذا الهوا
وقد نَهِلَت منه بٍيَأَسٍ وعَلَّتِ
ولا وجدُ بِكرٍ حُرَّةٍ أَرحَبِيَّة
تَرُودُ حَوَاَلَي طِفلِها قد أَتمَّتِ
أُتِيحَ لها فيما تروحُ وتَغتَدِي
خُشارِمُ منه رُعبُهَا فاشمَعَلَّتِ
وجاأت مُفَجَّاةً ترى فَرّث طِفلِهَا
بِسرحاَنةٍ أظفارُهَا قد تَدَمَّتِ
تهُزُّ من الوَجدِ الخَصِيلَ وداعها
صُوَيتُ خَفِيُّ خلَفها فاقشَعرَّتِ
فما وَجَدَت من طِفلِها غير شِلوِهِ
شماطيطَ لم تقنع بها حِينَ شَمَّتِ
فظلَّت تُراعي شِلوها مُستَحِفَّة
إذا سَلِيت رَجعَ الحنين استهلَّت
ولا أُمّ أحوَا شادِنٍ عطفت لهُ
قُبيلَ طُلُوع الشَّمسِ أو حِينَ ذَرَّتِ
فلما سقتهُ الدَّرَّ أحجم قائماً
إليها قليلاً تم ولاّ وَوَلَّتِ
إلى مرتَعٍ قد عُوَّدتهُ وَمَهمَلٍ
سلَيلٍ فظلَّت يومها حِينَ ظَلَّتِ
فلما دنا الإظلامُ أدركَ سمعُها
صُوَيتاً خفيّاً رَاعَهَا فاحزأَلَّتِ
تمارت على حرسٍ فنصَّت بجِيدِها
وكانت على طُولِ الخَلاإ أدَلَّتِ
ودارت بأدنى عهده ثم راجعت
أماقِيَّ ثَكلا لم تجِد ما أضلَّتِ
ولا وجدُ أَعرَابيَّةٍ قذَفَت بها
صُرُوفُ النَّوى من حيثُ لم تكُ ظَنَّتِ
يَشُدُّ عليها البابَ أحمرُ لازِمٌ
عليها زُقَاقَي قريةٍ قد أبَنَّتِ
تَمَنَّت أخالِيبَ اللِّقَاحِ وخَيمَةً
بِنَجدٍ فلم يُقدر لها ما تَمَنَّتِ
إذا ذَكَرَت ماأ العِظَاه وطِيبَهُ
وبَردَ الحصا من أرض نجدٍ أرنَّتِ
بأكبر من وجدٍ بطيّاً وجدتُّهُ
غَدَاة ارتحلنا غُدوَةَ واطمَأَنَّتِ 5

وهذا النوع من التوجد هو الأكثر في شعر عوام نجد وما هو على نسق شعرهم من الشعر العامي في الأمصار .
الحواشي:
(1) تاج العروس 20/170.
(2) المصدر السابق.
(3) تاج العروس/19/591.
(4) تاج العروس 17/650 651.
(5) التعليقات والنوادر للهجري 2/852 853 دراسة واختيار وتحقيق الشيخ حمد الجاسر.

أعلـىالصفحةرجوع
















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved