أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Saturday 18th November,2000العدد:10278الطبعةالاولـيالسبت 22 ,شعبان 1421

مقـالات

آفاق وأنفاق
ضروب من التشاؤم
د, محمد العيد الخطراوي
يقول الشاعر العربي المتفائل، إيليّا أبوماضي:


إن شرَّ الجناة في الأرض نفس
تتوقَّى قبل الرحيل: الرحيلا
وترى الشوك في الزهور، وتَعمى
أن ترى فوقها الندى إكليلا

وهذا يعني في مذهبه أن الإنسان هو الذي يصنع مشاعره وإحساسه بالحياة (كن جميلاً تر الوجود جميلا), ومما يرد في هذا الشأن أن من تمام تشاؤم الشاعر ابن الرومي أنه رأى وهو يخرج من بيته عودين متقاطعين فوقهما تمرة، فرجع إلى بيته مذعوراً، ولم يمض في طريقه، لأنه قرأ العودين حرف (لا) ولفظ تَمر: (تمرُّ)، فأصبحت الجملة في إطار تشاؤمه هكذا: (لا تمرّ), وممن تشاءم منهم الناس صالح بن عطية الأفقم، وكان لايصحب رجلا إلا مات أو قُتل، أو سقطت منزلته، قال فيه دعبل بن علي بن رزين الخزاعي:


قل للأمين آل محمدٍ
قولَ امرىء شفِيق عليك، مُحامِ
إياك أن تُغتَرَّ عنك ضنيعةٌ
في صالح بن عطيّةَ الحجّام
ليس الصنائعُ عنده بصنائِع
لكنّهن طوائلُ الإسلام
اضرب به نحر العدوّ، فإنه
جيش من الطاعون والبِرسامِ

(الأفقم: الذي تقدمت ثناياه العليا، فلم تقع على السُّفلى, أمين آل محمد: يريد الخليفة المعتصم, تُغترّ: تؤخذ وتُنال على غرّةٍ، طوائل: جمع طائلة، يقال: بينهم طائلة، أي عداوة، البِرسام: التهاب غشاء الرئة)
وقال محمد بن عبدالله في محمد بن عائشة الهلالي:


للهلاليّ قتيل
أبدا في كل عام
قتلَ الفضلَ بن سهلٍ
وعليَّ بن هشام
وعجيفاً آخر القو
مِ بأكتاف الشآم
وغدا يطلب من يُق
تَلُ بالسيف الحسام
فأعاذ الله منه
أحمداً خيرَ الأنام

قالوا: والمقصود بأحمد هنا هو أحمد بن أبي داود القاضي.
وقال عيسى بن زينب في الصخريّ:


يا قوم من كان له والدٌ
يأكلُ ما جمّع من وَفر
فإن عندي لابنه حيلةً
يموت إن أصحبَهُ الصخري
كأنما كفّه مِبردٌ
يَبرُد ما طال من العُمرِ

ومن الصُّرد (اسم طائر صغير، جمعه صِردان، كمجُرَذٍ وجِرذان) اشتقوا التصريد (أي التقليل)، كما اشتقوا أيضا الصَّرَد (أي البرد)، قال الشاعر:


وما صُرَدٌ يوماً على غصن شوحطٍ
وصاح بذات البين منها غرابُها
فقلتُ: أتصريدٌ، وشَحط، وغرُبةٌ
فهذا لعمري نأيها واغترابها

(الشّوحط: شجر تتخذ منه القسيّ ونحوها, الشَّحط: البعد)
وتحصل مصادفات كثيرة للناس، من إتيان الأمور على الوجه الذي لايريدون، فيفيقون بها، وربما عدوا ذلك من سوء الطالع وانتكاس الحظ، وهي في الحقيقة مجرد مصادفات ومقدرات نستعين عليها بالله، قال أبوعمرو المديني: لو كانت البلايا بالحِصص، ما نالني كما نالني، فقد اختلفت الجارية بالشاة إلى التيّاس اختلافا كثيرا، فرجعت الجارية حاملا، والشاةُ حائلا.
ومن المصادفات ما نقله الجاحظ في كتابه (الحيوان م/469): عن إسماعيل بن غزوان قال: بكرتُ اليوم الى أبي عمران، فلزِمتُ الجادّة، فاستقبلني واحدٌ فلزم الجادة التي أنا عليها، فلما غشيني انحرفت عنه يَمنةً فانحرف معي، فعدتُ إلى سمتي فعاد، فعدتُ فعاد، ثم عدتُ فعاد، فلولا كان صاحبه بِردون فرق بيننا لكان إلى الساعة يكُدُّني (اي يلحّ في مواجهتي), فدخلتُ على أبي عمران فدعا بغدائه، فأهويت بلقمتي إلى الصِّباغ (ما يصطبغ من الإدام ويغمس فيه)، فأهوى إليه بعضهم، فنحّيتُ يدي فنحَّى يده، ثم عدتُ فعاد، ثم نحيتُ فنحَّى، فقلت لأبي عمران: ألا ترى ما نحن فيه قال: سأحدّثك بأعجب من هذا، أنا منذ أكثر من سنة أشفق أن يراني ابن أبي عون الخيّاط، فلم يتفق لي أن يراني مرة واحدة، فلما أن كان أمس ذكرتُ لأبي الحارث السلامةَ من رؤيته، فاستقبلني أمس أربع مرات.
أليس هذا محض مصادفة لا دخل فيها لأي مؤثر غيبي سوى تقدير العزيز العليم, ويرى الشاعر الجاهلي سلامة بن جندل أن من يتعرض لزجر الغربان يستنبئها سلامته، يكون كمن يجلب الشؤم لنفسه، فيقول في قصيدته التي مطلعها:


هل ما علمت وما استودعتُ مكتوم
أم حبلُها إذ نأتك اليوم مصروم
يقول: ومن تعرّض للغربان يزجُرها
على سلامته، لابدّ مشؤوم

وقال الأصمعي: قال سلَمة بن قتيبة بن مسلم: أضللت ناقةً لي عشراء وأنا بالبدو، فخرجت في طلبها، فتلقاني رجل بوجهه حَرق من النار، ثم تلقاني رجل آخذٌ بخطام بعيره، ينشد:


فلئن بغيتُ لها البغا
ة، فما البغاة بواجدينا

ثم سألت عنها فقيل لي: التمسها عند تلك النار، فوجدتهم قد نتجوها حُوارا، فأخذت بخطامها وانصرفت.
هذا، وإن كان لنا من شيء، نؤكد عليه فهو أن لا سعد ولا نحس إلا من الله، والسعيد السعيد من يلجأ إلى الله في جميع أحواله، فلنكن دائماً مع الله.

أعلـىالصفحةرجوع
















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved