|
الثقافية
العمل الفني وليد الغناء والوجع، وليد أوجاع تجربة حياتية راحت تستجمع كل اشكال الاحباط والمحاصرة وتضطهد بها صاحبها، تنفضه بلا رادع او رحمة او ضمير، فلا مخرج له أو مناص إلا ان يتطهر من وجعها بوجع استرجاع مكرور، لا يكف عنه حتى يمسك بتلابيبها في الحروف او الخطوط والألوان، أو بضربات يئن بها وتر مشدود، يبتلي بها هكذا آخرين راغبين في مقاسمته خبرة الألم وجذوة المعرفة,,، ووليد عناء يبذله مع تقاليد الفن وضرورات اللغة، وأشكال التعبير بشروطها وأحكامها ومدارسها وأساليبها، وفوق ذلك هو حريص على ان يحقق قدرا من التميز الذي لم يسبقه إليه أحد,,.
وفي مواجهتنا للنص، أو للعمل الفني عامة، هل نحن مطالبون بأن نسلك دروبا معذبة كتلك التي مر عبرها وعلى كل امتداداتها المبدع؟ أعني هل نحن مطالبون بأن نقاسمه ألم التجربة الحياتية، وعناء الصياغة الفنية بحثا عن خلاص من تعب مشابه، أو عن متعة جمالية لا تدين إلا بالمرور عبر نفس البوابات التي مر منها مبدع العمل؟ ان نتمثل ذلك المبدع، ونرقب فيه ارتعاشة اليد حين تهز الوتر، مدفوعة بانفعال الحس ومحكومة بسلامة النغم وخلاصة من النشاز، وانسياب الانامل حيث تصل الخط بالخط، تتخير له المسار ضيقا أو عريضا، وتشبعه بصراخ اللون، وسن القلم يحفر الحرف غائراً أو منسابا وسابحا فوق السطح، وينتقي المفردة فريدة لا تقبل أي بديل، وينهي العبارة كتمام الحكمة او المثل السائر,, هل نحن مطالبون بهذه اليقظة الواعية، والمسلحة بتراكمات الخبرة المعرفية والثقافية، نشحذها ونضعها على اهبة الاستعداد والتوفز لأننا بسبيل مواجهة نص ادبي او عمل فني، نتصيد فيه الاخطاء والمخالفات ونوازع العصيان، وقد نغض الطرف عن ايماءات الطاعة والاذعان، ام ان هذا الاحتشاد والتحفز سبب اساسي من اسباب التعطيل في تلقي النص، إذ الاساس في ابداع النص وتلقيه منذ ان افرخت وحشة السفر وحداء الابل اشعار العرب، وحتى اللحظة نداء وترديد للمشاعر الانسانية الطافحة بالألم عند المبدع، ورجع لهذا النداء مستجيب ومشارك عند السامع والمتلقي؟!
أتأمل الآن هذا الفيض الهائل من مناهج النقد، التي لم يكن بعرف طرفا منها شاعر قديم او سامع معاصر له، ومع ذلك ابدع ذلك الشاعر ملاحمه الفريدة، واستجاب لها الناس في تظاهرات شعبية، لقد افادتنا تلك المناهج في توسيع افق ثقافتنا المعرفية، ولكنها فشلت في ان ترسخ فينا منهجية التفكير، او ان تعمل على تفعيل الذهنية، ،تنشيط الرؤية، ان تخدم كأرضية معرفية في خلفية التناول وليس في واجهته، تمد يد العون عند الطلب والحاجة لا ان تسيطر وتهيمن، وتملي شروطها المسبقة قبل الاقتراب، ان تكون عنصراً مساعدا وفاعلا لا بأس في محاولة تشكيل رؤية ابداعية عند المتلقي للنص، مساوية او مقاربة لرؤية المبدع، تعلمنا كيف نقترب من النص ممتلئين بالحب لا محتشدين بالتربص والعداء، فربما هنا فارق كبير بين النقد كثقافة معرفية، وبينه كعلم عنيد، يتمسك بالصرامة والجهامة، يؤسس للفرقة التي تحول بين التحام الابداع والنقد في فعالية منتجة، تصلح لإرساء نظرية نقدية، عربية خالصة، سيظل دونها ان نتناول قصيدة رومانسية غنائية بمنهج بنيوي، او ان نطبق تخريجات المنهج النفسي على قصيدة وطنية اججتها المشاعر العامة وليس أمراض الشاعر، ونبتهج حين تبدو دراستنا كألاعيب البهلوانات، وإن غدا التلقي عذابا خاليا من أي متعة!!
|
|
|
|
|