ولا تُردى الأخلاق في المرء قتيلة إن هو مسلَّحٌ مُصان,,,، ولا تُخدَش فيه إن هو أحاطها بالرعاية والعناية، وسيّجها بدعائم قوية من معرفة مزالقها،,,, لذلك فهو يحتاج إلى أن يكون يقظاً في كل ما يتعلق بأموره في الحياة، وبكل ما تتطلبه الحياة من سلوكٍ كي تهبه ما فيها من بريقٍ، ومن رغدٍ، وراحةٍ,, فيدركُ أنّ في هذا تكمنُ المزالقُ، وتتوافر المآزق,,.
وتؤخذ الأخلاق في التكوين منذ نعومة الأظافر,,.
وترتبط الأخلاق بالقيّم العامة، والخاصة، حتى تتكون عند المرء مفاهيم القيّم، ويعي ظواهرها، وأفعالها، ويتدرب على أدائها وتمثُّلها,,.
بدءاً بالنظافة الخارجية,,, ووصولاً إلى النظافة الداخلية، أي من السلوك الحركي الأدائي في إجراءات الحياة اليومية، ووصولاً إلى السلوك الشعوري مما تنضوي عليه سريرته من الفكرة إلى النيّة إلى العزم ومن ثمّ إلى الأداء,,, بحيث يدرك أن عليه كي يكون نظيفاً قولاً وفعلاً أن يتجنَّب ما يلوّث أقواله من الملفوظ، وأفعاله من المؤدَّى،,,, ويعرف ما هي (المرفوضات) مما يدخل في دائرة التلوّث، أو القذارة، وماهي (المقبولات) مما يدخل في دائرة (النقاء) أو (النظافة),,.
ومعقل ذلك (النظافة من الإيمان)، فإن ربيَّ المرء المسلم على ربط كل حركة وقول في أداء الحركة العملي، وفي أداء القول النُطقي بالإيمان,,, فتلك واسطة العقد، ومعقل الإدراك وبؤرة الفلاح,,,.
و(المرفوضات) هي كل ما على النفس الجهاد فيها,,,، فلا كذب، ولا حسد، ولا بغض، ولا نميمة، ولا حقد، ولا غدر، ولا غش، ولا سرقة، ولا تحايل، ولا تنابذ، ولا تجسس، ولا أنانية، ولا حبا للذات، ولا تجاهلاً لحق، ولا تغاضياً عن باطل، ولا خوفاً في ضعف، ولا ضعفاً في حق،,,, ولا ظن سوء،,,,, ولا,,, ولا,,.
فإن وضع كل ذلك في قائمة الجهاد، يتم الإمعان في جهاد ما قد ينتج عن أي منها من إحاكة باطل، أو شهادة زور، أو إدعاء كذب، أو رفض حق، أو تشويه حقد، فإن نقيت سريرة المرء في جهاد نفسه من كل مرفوض,,, وصلحت سريرته,,,، وتمثَّل ذلك في أدائه,,.
لا يقول إلا الحق، ويرضى للآخر ما يحب لنفسه، ولا يذكر الآخر إلا في محاسنه ولا يسرقه فيما يحقد عليه، ولا يغدر به عند اطمئنانه إليه، ولا يغشه فيما وثق به، ولا يتطاول عليه بالحيلة، ولا يتفاخر عليه بنعمة، ولا يتجسس عليه في خفاء، ولا يتجاهله في استصغار، ولا يحرمه حقه في قوة، ولا يتخلى عنه بباطل، ولا يقوى عليه عند ضعف، ولا يسلبه حقا مهما صغر، ولا يسئ إليه بظن,,, ولا,,, ولا,,.
فإن استوى للمرء جهاد يصل به إلى هذا المستوى من الأداء في الحياة والسلوك في مخبره ومظهره، أي في مقصده وعمله,, فإن أخلاقه هي محور نجاته,,.
إذ يكون بذلك قد نجا بها من مزالق السقوط في براثن غرور الحياة، وإمارة النفس,,.
غير أن الحياة في ضجّها وضجيجها,,.
وفي محطات مواقفها ودولابها تطوّح بالكثير,,.
وتكشف عما هو مخبوءٌ في أردية صقيلة يغطي بها الناس بواطنهم,,,، قد أفرزت ما ينمّ عن مسالك ضيقة تنزلق فيها أخلاق الناس,,,، مما يؤكد أن الأخلاق في مأزق وأنها في خطر، وأن أول ما هو مطلوب من الناس,,, هو انتشالها من المآزق التي تطبق على عنقها كي تتنفس,,, وكي تتجدد في شرايينها دماء النقاء من براثن الأمراض,,,.
ففي الشارع تكمن المآزق,,.
وفي المكاتب تظهر الأمراض,,.
وفي المنازل تصرخ أوردتها,,.
وبين العامة والخاصة، والكبار والصغار,,.
حرب الأخلاق قائمة
تصارع بين بقائها وموتها,,.
فهلمّوا إلى الجهاد في سبيل الأخلاق,,.
للحديث بقية
|