| الاقتصادية
للفظة نفط بفتح النون أو كسرها وهو أصوب أو زيت أو بترول رنين ووقع مميز في النفوس، وللكلمة ارتباط وثيق بالخير والرفاه والازدهار والثراء، قُرن النفط بالمعادن فالتصق بأعزها فوصف بالذهب الأسود واعتمدت عليه الصناعة فغدا عصبها، والآلة الحربية فهو مسيِّرُها,, أنشئت حول عيونه منذ قديم الزمن مدن وعُمرت بثمنه دول، استماتت قوى للحصول عليه بأي ثمن، واعتمدت عليه مدنيات وحضارات، أصبح النفط اليوم لغة عالمية يفهم أبجدياتها الجميع إن ثراء او احتياجا.
لم يكن النفط منذ أن اقترن اسم هذا العصر به عصر النفط سلعة تجارية استهلاكية كباقي السلع يتحكم بها السوق عرضا وطلبا ويتيسر البديل لها او حتى الاستغناء عنها، فالنفط يتميز عما سواه من ثروات طبيعية أو مواد خام أو منتجات صناعية بأنه غدا عصب الحياة لمدنيتنا المعاصرة، وهذا ما يجعل منه مصدر إثارة للكثير من المشكلات السياسية والاقتصادية للمنتج والمستهلك على حد سواء، فهاجس النفط يؤرق الحكومات والشعوب وهو في مكامنه في باطن الأرض مكتشفا وحتى قبل اكتشافه، ومنتجا خاما وبعد تكريره وتصنيعه، وخلال تسويقه في جميع مراحله، أي ان النفط هاجس استكشافا وإنتاجا وتصنيعا واخيرا تسويقا.
ففي الوقت الذي ترى الشعوب المالكة والمنتجة للنفط انه ثروة ملك للأمة ولابد من تسخيره لخدمة قضاياها كما تريد وتخطط لذلك ترى القوى الصناعية المستهلكة ان ضمان حصولها على هذه المادة الحيوية واستمرار تدفقه بيسر أمر مصيري لبقائها ولابد من تحقيقه بكل الوسائل وبكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى.
لم يعد النفط مصدرا يحرق للطاقة فحسب، بل تعددت وتنوعت أشكال استخداماته فهو اليوم عصب الحياة لمدنيتنا المعاصرة ونجد أثره أينما اتجهنا، فهو وقود لوسائل تنقلنا برا وبحرا وجوا وهو المحرك لمولدات تزودنا بالكهرباء إنارة وتدفئة وتبريدا وحركة لخطوط التصنيع، وهو مادة خام تنتج عنه مئات الآلاف من المنتجات الصناعية كساء وغذاء ومستلزمات لا حصر لها غدت من ضروريات حياتنا المعاصرة وادنى منتجات النفط هي مواد تزييت لمكائننا وآلاتنا ورصفا وتعبيدا لطرقنا.
من اهم هذه الحقائق ان النفط والغاز الطبيعي ثروة طبيعية غير متجددة أي ثروة ناضبة وحقيقة ثانية انها طاقة نظيفة رخيصة وثالثة ان جميع الدول المنتجة لهذه الثروة في منطقتنا العربية والإسلامية هي دول نامية إن لم تكن دون النامية ان صح التعبير.
اننا عندما نذكر بهذه الحقائق نبعث برسالة مفادها ان شعوب هذه المنطقة هي الأحق في استثمار هذه الثروة لبعث الروح في أطرافها ان لم يكن وسطها وفي هذا أبسط حقوقها، إن الكثير من بلداننا لازالت تعيش في عصور ما قبل النفط والكثيرين منا مازالوا يتذكرون أيام ما قبل النفط ومعاناتهم ويعيشون وهاجس نضوب النفط يتراءى أمام أعينهم ولما يعوضهم النفط بعض ما قاسوه وعانوه قبل وصول خيراته.
وفي المقابل اننا نواجة حقيقة ان الدول المستهلكة والصناعية منها خاصة تسعى وبكل الوسائل لاستغلال هذه الثروات لتزيد من ثرائها وترفها دونما حساب للكثير من الآثار السلبية لاستهلاكها الجشع لهذه الطاقة بيئيا واقتصاديا واستراتيجيا، ان هذه الدول المستهلكة مازالت تبتز الشعوب المنتجة لتستنزف ثرواتها الطبيعية من تحت أرجلها لتشتري هذه الثروات بأبخس الأثمان ولتفرض عليها من الشروط والضرائب والأسعار ما تفرضه هي دونما اعتبار ومتطلبات الدول المنتجة والتي هي بأمس الحاجة لريع ثرواتها.
إن أمام هذا المنتدى العالمي وخاصة الدول الصناعية المستهلكة للطاقة ان تتفهم ابسط حقوق الدول المنتجة في ثرواتها الطبيعية من نفط وغاز وان تلتفت إلى الحد من الآثار السلبية التي تسببها هي في تلويث البيئة بكربون استهلاكاتها للطاقة وان تعيد التفكير في جميع ما تسنه من قوانين وضرائب جائرة تفرض على ثروات الشعوب النامية.
إن أمام المنظمات الاقليمية والدولية للطاقة مسؤولية كبيرة للأخذ بجميع الأسباب لحفظ الثروات الطبيعية من الاستنزاف وحماية البيئة والتفكير في مستقبل الأجيال القادمة.
وأخيرا هل النفط هو حقا ذهب أسود، وهل فعلا استحوذت الدول الصناعية المستهلكة احمرار هذا الذهب وتركت سواده للدول المنتجة؟ نرجو أن لا يكون ذلك أو على الأقل ان لا يستمر.
* مستشار جيولوجيا نفط
|
|
|
|
|