| مقـالات
تقدم مليكة أوفقير معلومات مثيرة في كتاب بعنوان (السجينة) نقله إلى العربية ميشيل خوري، وعرف الكتاب على انه رواية إلا أن الأحداث والأسماء والتواريخ التي تضمنها تجعل منه سيرة ذاتية، أو مذكرات شخصية، فهو حافل بكثير من السرديات الدقيقة عن حياة مليكة أوفقير ابنة الجنرال المغربي محمد أوفقير.
وما احتواه الكتاب مفزع أحياناً ومثير للعواطف أحياناً أخرى، ولم يجانب الناشر الحق عندما وصف الكتاب بقوله: الآن تروى مليكة في لوحة شاملة تقرأ بإحدى قصص ألف ليلة وليلة، وبعد أن غدت امرأة حرة قصتها كسجينة في اعترافات مؤثرة اسرت بها إلى ميشيل فيتوسي .
بعد أن فرغت من قراءة السجينة شعرت بغثيان في داخلي، وأخذت استرجع الأحداث التي روتها وأتأمل جوانب القسوة في الحياة التي عاشتها ولفترة وجيزة تعاطفت كثيراً معها.
غير أنني عدت أدقق في الكتاب لأقف على ثغرات في السرد فيها: تهويل وغلو ومبالغة في التصوير كأنما قصد بها استدرار العطف وجذب القارئ إلى جو من الحزن والألم لجره إلى موقف تبنته الكاتبة.
ورجعت بذاكرتي إلى أعمال أخرى شبيهة كتبها مشاهير من العرب والأجانب سردوا فيها تواريخ حياتهم وسألت نفسي هل يمكن الوثوق بمثل هذه المعلومات؟ وهل يؤخذ بها دون مقارنة بمصادر أخرى قد تؤكدها أو تنفيها؟ وما انتهيت إليه أن هذه المذكرات أو السير الشخصية ليست إلا حياة راويها من وجهة نظره فقد تخالف الحقائق وقد تشتمل على مبالغات كثيرة أملتها عواطف الإنسان وهو يتذكر لحظات مر بها فيصوغها بعاطفته دون عقله.
إن السجينة لمليكة أوفقير ومثلها كتب أخرى كثيرة من نمطها لا يمكن الاعتماد عليها كمصادر للتاريخ الا بعد مقابلتها مع روايات الآخر أو الآخرين ممن عاشوا الفترة وعاصروا أحداثها، وكذلك بالاستماع إلى وجهة نظر المفقودين أو المتهمين بأعمال قد تبدو منافية للأخلاق ومجانبة للانسانية، ولا أعتقد أنني سباقة في القول بهذا الرأي لأن كل من يملك عقلاً، وينقب باحثاً عن المعلومات سوف يذهب إلى ما ذهبت إليه، فالحدث الصغير قد تضخمه العاطفة، وقد يجتر من يكتب سيرته أحداثاً تخيلها ذات يوم لتبدو حقائق في حين أنها مجرد أوهام عاشها.
وفي الختام فإن المذكرات والسير الشخصية تستهوي القارئ لأنها تقترب كثيراً من الرواية وقد تختلط بها في كثير من الأحيان كما هو حال السجينة التي قررت أن أعدها (رواية) اختلط الواقع بالخيال فيها، وهو ما صنفها عليه ناشرها عندما ذيل عنوانها بوصف (رواية)، ولكن التأكيد على مصداقية أحداثها بالتواريخ والاسماء محاولة من كاتبتها لجعلها حقيقة تقدم من خلالها في فترة وشخصيات لا نعرف مدى صدق ما سردته عنها وعنهم.
|
|
|
|
|