أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Tuesday 14th November,2000العدد:10274الطبعةالاولـيالثلاثاء 18 ,شعبان 1421

عزيزتـي الجزيرة

عن قناة الجزيرة
الحوار فيها قد ينتهي إلى الشر!
أرى ان قناة الجزيرة الفضائية ينطبق عليها هذا البيت تمام الانطباق:


تقول هذا مجاج النحل تمدحه
وإن تَعِب قلت ذا قيء الزنابير

فهي في (الاتجاه المعاكس) وغيره تثير الزوابع وتنبش الدفائن وتثير وتستثير تثير حيناً زوبعة في فنجان وأحياناً أخرى عاصفة من الأتربة والغبار,, والناس المتلقون من هذه الأبواق ومداخلاتها: كالنائم الغارق في أحلامه له أن يرى وليس له أن يأخذ شيئا مما يرى إلا وصفه والسرور بما التذ منه أو الألم بما توجع له من هذا الصخب والمشادات الكلامية,, ولا أظن أضر على الأمة من ان الكلام يقال ليقال فقط أو لمجرد التلذذ به إن كان سباً أو ثلباً,, وهذا هو طابع الهزل على أخلاق الأمة وعلى كل أحوالها، ومن الهزل والكذب أن نرى كل اتجاه من الاتجاهين (المعاكس) مبالغاً في كل شيء، يجيء أحدهما بما اعتاده من الكذب والافتراء على الحقيقة أحياناً، ويجيء الآخر بما أحسه من حقيقته في إفلاسه أو انهزامه، وإن التهجم والمبالغات في الكلام والتزايد فيما هو غير حقيقي: ماهو إلا مبالغة خطرة تدل على فوضى العقل وتخبطه في القياس الفكري السقيم من لدن المجادلين في هذه المعمعة الصوتية، لأنها مغالطات لاتدقيق فيها، ولا ثبات لحقائقها المهزومة، وأن لاشدة لصدقها في طلب الحق,, وأيسر ما يفهم من هذه المغالطات والمداخلات التي يعبر فيها بعضهم عن الحكومات والرؤساء مدافعين عن شعوبهم بزعمهم: أيسر ما يجب أن يفهمه أولئك: أنهم أنفسهم كالمبالغة، والحكومة والرؤساء لهم كالتصحيح، لأن هذه الشعوب لاتصلح إلا بحكوماتها ورؤسائها، وعلة العلل أن بعض الافراد المعبرين في آرائهم بادعاء الاضطهاد يلجئون إلى الكذب في كل كبيرة وصغيرة,, إن الأمة لن تكون في موضعها إلا إذا وضعت الكلمة في موضعها، وإن أول مايدل على صحة الأخلاق في أمة هو كلمة الصدق فيها، والأمة التي لا يحكمها الصدق في أفرادها لاتكون معها كل الأحكام إلا كذباً وهزلاً ومبالغة,, وما الذي يجعل المتناحرين في هذه القناة يخشون المعارضة في الرأي حتى يصل بكل منهم الحماس في الجدل إلى المهاترة وأحياناً إلى التنابز بالألقاب؟ ومالهم لايعطون الرأي حكمه وحقيقته؟ بل إنهم يعطونه من حكم أنفسهم حقائقها وشهواتها المتقلبة,, حتى لترجع الفروق الضعيفة المتجانسة بين شخص وآخر منهم وكأنها من الخلاف والمباينة فروق جنسية حسية كالتي تكون بين إنسان من أمة وانسان من أمة أخرى معادية، أما بعض هؤلاء الذين يديرون الحوار مع المتحاورين فهم في رأي بعض المستمعين مصلحون، فهم يصلحون بإفساد، ويداوون الحمى بالطاعون وهم بتسليطهم رأياً على رأي وفكراً على فكر، كأنهم بغرائزهم مقاتلون مقاتِلة الفكر يتلمسون ميدانه بين القوى المتضاربة، لايبالون أن يكون فيه الموت ما دام فيه التلذذ لهذا العمل الصاخب لمرضى العقول، وبهذا نراهم نافذي البصيرة فيما يلتمسونه ويسعون إليه، وقد لايدرك بعض هؤلاء المستمعين أولا يعلمون انه ربما تكون الأهداف الباطنة فيهم توجه الأهداف والمبتغيات الظاهرة منهم وتساعدهم، ومن يدري أنه ربما يكون أحدهم أي مديري الحوار أذناً وعيناً ولساناً وقلماً لدولة أو دول (ما) لأنك، كلما تفرست وجهة الرجل منهم في اطروحاته للأسئلة وإثارتها : رأيته كأن له نفساً مفتوحة مغلقة على الخير والشر معاً كغرف الدار الواحدة، يفتح بعضها لما فيه كيما يُرى، ويُقفل بعضها على ما فيه كيلا يُرى وما أرى هذا التعصب الكذب الذي يتنابزون به من آرائهم ماهو إلا لفظ من الفاظ السياسة الأوروبية يتجاذبونه فيما بينهم ليقتلوا فيه التعصب الحقيقي ليجعلوا به لتعصبنا الديني والخلقي والوطني شكلاً آخر غير شكله فيفسدوه على الأمم وعلى الناس بهذه المادة المفسدة، وبهذه الطريقة فإنهم يضربون اليد اليمنى من غير أن يلمسوها، إذ يضربونها بشل اليد اليسرى، والهدف معروف وهو تأليب الأمم العربية بعضها على البعض وتشكيك الشعوب بقادتهم وزعمائهم ورؤسائهم,, إن الإسلام في نفسه وحقيقته عدو شديد على التعصب الذي يفهمونه ويلهجون به على غير حقيقته، فالله يقول في كتابه العزيز ((كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين)).
إن التعصب للآراء في حقيقته: هو إعلان كل فرد من أمته أنها في طاعة الشريعة الكاملة، وان لها الروح الحادة لا البليدة، وأن أساسها في السياسة الاحترام الذاتي لشعوبها وحكامها ورؤسائها لايقبل غيره، وأن أفكارها الاجتماعية حقائق ثابتة، لا أشكال نظرية، وأن مبدأها الحق ولا شيء غير الحق، وقاعدتها (لايضركم من ضل إذا اهتديتم) فالهداية أولا والهداية آخراً، والهداية في القوة والهداية في السياسة وفي الاجتماع، أما هذا الجسر الذي أقامته قناة الجزيرة لاستطلاع الآراء، فلا أرى ماينطلق منه من الكلام الذي لاصحيح في أكثره إلا أنه غير صحيح، إنه كبياع كلام يصدق ويكذب حسب الطلب والرغبة والهوى والدقة أيضاً نفسها عند أقطابه أي الكلام ليست عندهم إلا (عملية حسابية) هم في أقوى جهاتها لا ينفعون الدنيا بما تنفعها به البهيمة من أضعف جهاتها، لأن كلا منهم المتحاورين ومدير الحلقة على حد سواء كل منهم جريء في كلامه، يطردون القول حيث شاءوا حقاً وباطلاً، ثم لا سناد لآرائهم ولاتثبيت لحججهم إلا قول فلان ورأي فلان بهرجة وتنميقاً فكثير منهم يتم عقله في الرأي بقوة عناده فيه ليجعل له ثبات الحقيقة فيظن حقيقة,.
وما أحسن الاستقامة في الرأي والعقل والفكر، لأنها انتصار الرغبة على الرغبة، وليست انتصار التفكير أو الرغبة على الفضيلة، ولا يمكن أن يحدث صراع أو نزاع أو حتى مجرد خلاف بين العقل وبين أي شيء آخر من أعمال النفس فالإنسان المتعقل في آرائه التي يدلي بها أمام الناس لايمكن أن يقاوم أو يتصدى له أحد، لأنه ليس خصماً لشيء، ولكن اختلاف المزايا في التفكير والسلوك، أو الاختلاف فيما يوجد كموقف متناقض مثلما يحدث في هذه (القناة) الذي يجعل الأقوياء في خصائصهم وأساليبهم يوجهون هزيمة مذلة غير مقصودة إلى الضعفاء في خصائصهم وأفكارهم، ومثل هذه الهزيمة الفكرية تفتح جراحاً في نفوس أولئك الذين واجهوها أو وجهوها، ولاشك أن هذه الجراح تتحول إلى مشاكل وبغض وأزمات وتاريخ، لأن كل هذه القضايا التي تطرح: تضع لبعض الناس شعوراً، وكل شعور يحتاج إلى استجابة مناسبة وكل منصت ومستمع محتاج إلى أن يرد على مشاعره رداً سلوكياً، كي يوجد التكافؤ بين الشعور والقدرة على الاستجابة,, وكل الذين يجيئون الإنسانية بالآداب والأفكار الهدامة المريضة الحزينة، إنما كانوا هم من المرضى والمحزونين والمتعبين، ولقد اندفعوا يصبون آلامهم في تصوراتهم العنيفة المتعذبة المعدية، إذ لو كانوا سعداء وأقوياء لجاءت آراؤهم وأفكارهم مماثلة ومتماثلة، لأن أعصاب البشر هي الجهاز المكيف لكل مايعطون من أفكار وتعاليم، ولكل ما يمارسون من ذلك، والألم في الحياة يصنع الألم ويضع الألم أيضاً للتفكير!
لهذا كله فإنه يجب أن يكون الحوار بين العقلاء يبحث الفكر فينتهي إلى الحق، ولكنه في هذه (القناة) يهيج الخلق فقد ينتهي إلى الشر، ورد بعضهم على بعض كأنه يرد على منزلته في الناس لا على منزلته في الرأي، وكشف الخطأ بينهم تعبير، بالخطأ لاتبصير بالصواب، واستلاب الحجة من أحدهم وافسادها عليه كاستلاب الملك من مالكه وطرده عنه ومن ثم كان الدفاع بالمكابرة أصلاً من أصول الطبيعة في بعض الناس، وكان ادعاء الاضطهاد حجة للحجة الفاجرة عند البعض، والمعروف عقلاً أن الاعنات دليل للدليل الذي لاينهض بنفسه,, ومتى اعتبر كل انسان نفسه (امبراطوراً) على الحق,, فلاجرم لاترد كلمة على كلمة الا بالحرب الكلامية:


فإن النار بالعود ين تذكى
وإن الحرب أولها كلامُ

عبدالله تركي البكر
خبير التعليم بحائل

أعلـىالصفحةرجوع














[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved