| الاقتصادية
أدى الارتفاع الهائل في أسعار النفط مع بداية السبعينيات إلى زيادة كبيرة في الإيراد النفطي وبالتالي إلى زيادة مماثلة في الإيراد الحكومي, ونتيجة لما تتصف به حكومة هذا البلد الكريم من الصفات العربية النبيلة أهمها الكرم الجم فقد عاش المواطن السعودي حالة من الرخاء الاقتصادي لم يشهد التاريخ الحديث لها مثيلا, ومما لاشك فيه فقد كان لهذا التغير الهيكلي الكبير آثاره المختلفة على العادات الاجتماعية والاقتصادية والفكرية للمواطن السعودي حيث لم يعد المواطن السعودي يقبل على الكثير من مهن العهد السابق ولم يعد منتجا كما كان واكتفى بأداء الدور الاستهلاكي تاركا الباب على مصراعيه للعامل الأجنبي ليؤدي الدور أو الجانب الأهم وهو الجانب الإنتاجي, وبشكل مجمل يمكن وصف هذه المرحلة بالأتي:
1 الاعتماد الكبير على الإيراد النفطي كمصدر رئيس للدخل.
2 انعدام التركيز الفعلي على الجانب المهني والمهاري لعنصر العمل السعودي حيث أصبح العامل الأجنبي يؤدي المطلوب على أكمل وجه.
3 التوسع الكبير في القطاع العام على حساب القطاع الخاص حيث أصبح القطاع العام يتولى مهمة توفير العديد من السلع والخدمات التي هي في طبيعتها من اختصاص القطاع الخاص.
4 انخفاض مساهمة القطاع العائلي في تحمل تكاليف العديد من السلع والخدمات التي أصبح القطاع العام يتولى توفيرها مجانا.
5 الغياب الملحوظ لجانب التخطيط الاقتصادي على الرغم من أهميته في رصد ماضي وواقع ومستقبل المتغيرات الاقتصادية المختلفة مما ساهم في رفع تكاليف توفير العديد من السلع والخدمات كما ساهم في تحميل القطاع العام الجزء الأكبر من متطلبات الحياة الاقتصادية.
وبطبيعة الحال فقد كان الواقع الاقتصادي خلال هذه الفترة يسمح بتلك الملاحظات نظرا لزيادة الإيرادات النفطية بشكل خفف من حدة النظر لتكاليف الأخطا في التخطيط الاقتصادي.
ولكن مع بداية الثمانينات شهد الاقتصاد السعودي حالة من التراجع نتيجة للتقلبات والتغيرات الهيكلية التي تعرضت لها أسواق النفط العالمية ونتيجة لكون الاقتصاد السعودي يتصف بالانكشاف الملحوظ لاعتماده على النفط كمصدر رئيسي بل ووحيد للدخل, ونظرا لكون الاقتصاد السعودي قد عاش مرحلة سادت خلالها الملاحظات السابقة، فقد جاء تأثير التقلبات النفطية على الحياة الاقتصادية مضاعفا إلى حدما, فتبدل الفكر الاقتصادي للمواطن السعودي خلال فترة الطفرة الاقتصادية ساهم في عدم تمكينه من مواجهة المتغيرات الاقتصادية الجديدة.
وتوسع القطاع العام بدرجة كبيرة خلال مرحلة الطفرة الاقتصادية ساهم في عدم قدرته على تحقيق الانسجام السريع مع المتغيرات الاقتصادية الجديدة وفي عدم قدرته على الاستمرار في نفس الاتجاه وبنفس الفاعلية والكفاءة, أما العالم الأجنبي فقد اصبح خلال مرحلة الطفرة الاقتصادية سيدا للموقف متحكما في جميع جوانب الحياة الاقتصادية خاصة في ظل تردي مساهمة عنصر العمل السعودي الذي لم يعد قادراً على تدبير شؤونه الخاصة دون الاستعانة بالغير, ومع إيماننا التام بمجمل ما تقدم يبقى السؤال المهم هنا هو إلى أي اتجاه نتجه بعد تبدل الحال وانحسار الطفرة الاقتصادية؟
أعتقد أننا نحتاج إلى إعادة النظر في واقعنا الاقتصادي طمعا في تحقيق مستقبل آخر زاهر إذ لا يمكن تصور مستقبلنا الاقتصادي في ظل التأخر الكبير في الاستجابة العامة والخاصة للتغيرات الهيكلية الاقتصادية المزمنة, نحتاج إلى إعادة ترتيب أولوياتنا لتتواكب مع المستجدات الاقتصادية بدلا من البناء التراكمي للحلم العام بعودة الماضي الاقتصادي الزاهر, بشكل عام نحتاج إلى :
1 توسيع الحملة الإعلامية التي تستهدف تنوير المواطن السعودي بالتغيرات الكبيرة التي طرأت على الواقع الاقتصادي بدلا من تركه يتعايش مع الحلم الكبير المبني على الماضي التليد, يجب أن نكون أكثر فاعلية في إقناع المواطن بأن الماضي قد لا يعود وأن الواقع قد يستمر وعليه أن يستبدل التفكير الاقتصادي المبني على الماضي القريب بتفكير آخر أكثر مواكبة للواقع الحالي.
2 تفعيل دور القطاع الخاص في الحياة الاقتصادية والعمل على الحد من توسع القطاع العام, يجب أن نركز على الفاعلية والكفاءة الاقتصادية في تعاملنا مع المتغيرات الاقتصادية السائدة نظرا لارتفاع تكلفة الخطأ عما كانت عليه خلال فترة الطفرة الاقتصادية, يجب أن نعي بأن القطاع العام قد تحمل - كرما - الكثير من المهام التي ليست من اختصاصه ويجب العمل على تحقيق التحول السريع باتجاه القطاع الخاص.
3 ضرورة زيادة مساهمة القطاع العائلي في تحمل تكاليف توفير السلع والخدمات كوسيلة لترشيد استهلاكها وكأداة لتحسينها كما وكيفا, يجب أن نعمل على تبديل قناعة المواطن ليصبح أكثر قابلية للمساهمة وأكثر عقلانية في التعامل مع التقلبات الاقتصادية حتى نضمن استمرار السلع والخدمات بنفس الجودة وبنفس الكفاءة.
4 التخلص العاجل من حالة الاعتماد الكبير على العمالة الأجنبية لتجنب المؤثرات الاجتماعية والاقتصادية والفكرية والسياسية المرتبطة بالتواجد الكبير لهذا النوع من العمالة, وهنا اعتقد أننا بحاجة إلى قرار سياسي وإداري صارم يحدد الشكل الذي نريد خاصة بعد أن فشل القرار الاقتصادي في تحقيق تقدم ملحوظ في هذا الاتجاه.
5 وأخيرا يجب أن نكون أكثر جدية في تعاملنا مع واقعنا الاقتصادي من خلال برامج وخطط حقيقية تشتمل على سياسات عامة وخاصة تسعى إلى تحقيق أهداف وطنية معلومة.
* أستاذ الاقتصاد المشارك بكلية الملك فهد الأمنية
|
|
|
|
|