| مقـالات
لدى (الطبيعة البشرية) قدرة على تسخير الممكن وغير الممكن في سبيل البقاء وذلك فيما لو أحدق بالانسان خطر قد يفضي به الى الموت, بعبارة أخرى وفي صيغة تساؤلات وأمثلة: كيف يتسنى للانسان العيش بأمان في بلد تمزقه حرب أهلية ضارية؟ كيف من الممكن أن يحدث هذا رغم تشتت معالم المكان بين سكون الموتى وأنين الجرحى وأزيز الرصاص وحلكة الأدخنة الخانقة,,؟! هل تعتقد أن لديك القدرة على النوم قرير العين وأنت تسمع صاروخا يمخر عباب السماء من فوق رأسك، أو وأنت ترى قنبلة انشطارية تتجه شطرك، أو وأنت تشاهد بعينك المجردة طائرة ترمي الأرض بقذائف وحمم سجيلية تحرق أخضر ما حولك قبل يابسه؟,, بل كيف تستسيغ الطعام وتهنأ في الشراب وأنت في هذه الحالة الاستثنائية؟ ألم تتعجب وأنت تشاهد ما ينقله التلفاز من حروب أهلية طاحنة فقط ليزداد عجبك عجباً حينما تلمح لقطة عابرة لمدنيين أمام متجر مواد غذائية أو مخبز أو حتى على الشاطىء غير عابئين بما يدور من أمامهم ومن خلفهم ومن فوق رؤوسهم من موت ودمار؟!
ان ما يميز الطبيعة البشرية هو قدرتها على التكيف والتحسس والتوجس والاستشفاف والاستشراف, انها القدرة على تقدير الموقف حسب (سلبيته أو ايجابيته) فتقدير الأرباح والخسائر مقدما, فالانسان جهاز (معقد/ بسيط!) ومجهز بأجهزة عدة: أجهزة يسمع من خلالها ما لا يرى ويرى بواسطتها ما لا يسمع, بل ان حواس هذا الانسان أكثر من أن تعد أو تحصى: فقد تكون عشرين,, ثلاثين,, خمسين أو حتى مليونا من الحواس التي تزيد أو تنقص حسب درجة خطورة ما يحدق بالانسان من خطر, انها حواس تتفاعل مع الواقع المعاش بشكل مباشر وغير مباشر بمجرد أن يجد الانسان نفسه وجهاً لوجه مع ما قد يهدد غريزة البقاء لديه, ان الخطر يوحد قلوب من هم عرضة لهذا الخطر، بل ويصهر جميع (حواس) الجميع ويشحذ غرائزهم ويزيد من تفاعلهم وتعاضدهم وتضامنهم وايثارهم وتضحياتهم؛ هنا تتوزع وتقسم المهام وتستيقظ اليقظة ويجد الفرد نفسه مجبراً على تسخير كل ما يملك من وسائل دفاعية الى درجة الثقة في الحياة ثقة (معنى) المثل الشعبي: الموت مع الجماعة رحمة! والذي رحب بالموت الجماعي نكاية (بالخوف!) وكناية عن الحياة, كل هذا بالطبع في سبيل هدف واحد وحيد: ألا وهو الأمل بالبقاء الأمر الذي ينشأ من خلاله مجتمع فرعي (بثقافة خطر فرعية A subculture of danger): مجتمع داخل مجتمع بثقافة (طوارىء انسانية) هدفه الأول والأخير (البقاء) في وجه الخطر المحدق وعلى غرار المثل الشعبي (إقرب من الخوف تأمن!!)، بل وعلى غرار المثل الفصيح (غير الصحيح نحوياً!): مكره أخاك! لا بطل,.
ص ب 454 رمز 11351 الرياض
|
|
|
|
|