| مقـالات
هذا البلد الشقيق والجار القريب,, لا تربطنا به صلة جوار وأخوّة فحسب، بل صلة حب وتواصل وتلاحم، عندما تتيه في أرجائه تتصور بأنك ما زلت في بلدك وبين أهلك.
بينما كنت أقطع جسر الملك فهد بالسيارة كنت ألاحظ بامعان ذلك الخليج الهادئ ,, بأمواجه الناعمة وزرقته المتميزة التي ألحظها من خلال نور البدر والذي شكل بانعكاساته على الأمواج منظراً جميلاً يدعو إلى التفكير بعظمة الخالق,, وتزاحمت الأفكار في ذهني، ذكرت قصيدة قالها الدكتور غازي القصيبي عند افتتاح الجسر مطلعها:
جسر من الحب لا جسر من الحجر هذا الذي طار بالواحات للجزر |
وهنا تحركت قريحتي الشعرية فكتبت أبياتاً أولها:
حبيبي إليك شددت الرحال حبيبي إليك نويت السفر |
وانتهيت بعدها، إلى بلد البحرين ذلك الحبيب الطيب الذي احتواني بين أضلاعه بكل حب.
البحرين تلك البلاد الصغيرة في مساحتها والكبيرة جداً في قلبها النابض بالحياة والمحبة والإنسانية.
لم نضل الطريق مرة,, إلا ووجدنا من يدلنا ويرشدنا لا بالوصف فحسب ولكن باتباع خط مساره، ولا يغيب إلا بعد تأكده من أننا بلغنا مقصدنا, أما عرض الخدمات فحدث ولا حرج كل من نلقاه يعرض علينا مساعداته من إرشادات لإيجاد سائقين وسكن مناسب ومحلات تجارية وحتى المطاعم وسيارات الأجرة, ولولا تلك الخدمات الإرشادية لضاع الفرد لفترة من الزمن وحتى يكتشف بنفسه.
هذا المجتمع المتلاحم الذي يبدو وكأنه عائلة واحدة لمها الحب وجمعها الوفاء والتفاني في حب الوطن والعمل على إظهاره بالمكانة اللائقة به، جمع بين الماضي والحاضر فأخذ التراث العريق والأصالة والتواصل الاجتماعي واعتز بقيمه الإسلامية الممتدة إلى يوم الدين وبين التطور الحضاري والتقني بثوبه المناسب وطبيعة المجتمع.
إنه لمن المفرح حقا، أن يرى المرء ويلاحظ الاحترام الواضح والملحوظ لمكانة المرأة والتي احترمت نفسها أولاً بتعاليم دينها وخضعت لعادات وتقاليد المجتمع، المرأة لها دورها البارز في معترك الحياة فهي الأم قبل كل شيء وهي المعلمة وهي الإدارية الناجحة وهي العضو الفعال في قاعدة المجتمع المتينة, للمرأة كلمتها المسموعة ومكانتها المصانة والمجال مفتوح أمامها للإبداع والاقتراح والمبادرة والنقد والتقويم والتوجيه, والمجال مفتوح أمامها لكي تتميز لتحظى مدرستها بلقب المدرسة المتميزة كلقب يمنح ضمن معايير معينة ومن مستويات عالية.
لقد شاء لي الله أن أقوم بزيارة بعض المدارس الحكومية والأهلية لأرى وألاحظ ما يبعث السرور فالتنظيم الإداري عالي المستوى وتبلور المهارات الاتصالية السليمة بمفاهيمها وأساليبها المتحضرة.
الوظائف الإدارية ابتداء من التخطيط المدعم بالتقويم المستمر، إلى التقويم كمرحلة أخيرة، تسير بشكل متقن وتؤدى من قبل إداريين تلقوا بلا شك تدريبا عالياً ومستمراً,, فالبحرين بإمكاناتها المادية المحدودة, تتميز بمدارس حكومية رائعة المستوى فتلاحم المدرسة والبيت والبيئة المحلية سمة تطبع تلك المدارس، لتؤدي دورها بشكل بارز وجدير بالتقدير والاقتداء, المدارس بجميع مراحلها تعطي انطباعاً أكيداً حول نيل التعليم نصيباً وافراً من خطة التنمية الاقتصادية.
والتعليم الجيد كما هو معروف، يعتبر العمود الفقري للتنمية الاقصتادية، ومؤشرا واضحا على مدى تطور البلاد, أما طابع العلاقات الإنسانية وإقرار عمالة الفرد والاعتراف بإنسانيته مهما صغرت وظيفته فهو سمة تتسم بها معظم المدارس التي قمت بزيارتها, أما المدارس الأهلية، فحدث ولا حرج.
ويمتد هذا العطاء والتواصل إلى الحرم الجامعي لنجد المكانة الرفيعة التي يحظى بها عضو هيئة التدريس ليعامل باحترام وتقدير ويقوم ويتابع أداءه بأسلوب حضاري متطور ودقيق وقائم على أساس علمي, ففي بداية العام الدراسي يقام في قاعة خاصة للاجتماعات حفل منظم لجميع أعضاء الهيئة الإدارية والأكاديمية، يكرم من خلاله من يستحق التكريم ويقدم الأعضاء الجدد لتعريفهم بالمجموعة والتعرف عليهم وإعلان نبذة عن السيرة الذاتية لكل عضو, ومن الجدير بالذكر تقديراً، أن رئيس الجامعة يكون أول الواقفين عند المدخل للسلام على كل عضو، ومن ثم وبعد تأكده من ان كل المدعوين من أسرة الجامعة قد حضروا واحتفى بهم، يتقدم لتكريم المستحقين والسلام على الجدد وبجو يسوده الود والألفة هذه هي الإدارة الحقة والتي تعترف بضرورة شعور الفرد بالانتماء.
إن الإدارة التربوية تنفرد بخاصية لا توجد في أي من الإدارات الأخرى,, فهي الوحيدة التي تتعامل مع البشر بشكل مباشر، وتعد التلاميذ لأن يكونوا مواطنين صالحين في جو آمن نقي تعمل فيه ضمائر تخاف الله وتعلم انه الرقيب الدائم.
العلاقات الإنسانية واجب حتمي، فهو قبل ان يكون جزءا من الإدارة التربوية الحديثة، أمر مستمد من مجتمعنا ومرتبط بسلوكياتنا المستمدة من الشريعة الإسلامية ولعلنا نذكر على سبيل المثال قوله تعالى: وأمرهم شورى بينهم وقوله وشاورهم في الأمر و وجادلهم بالتي هي أحسن وقوله سبحانه فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك إن الله سبحانه أوصى في كتابه العزيز ضرورة القول الحسن حيث ان ذلك يؤثر على مستوى الأداء او إيجابية ردة الفعل، إذ قال أيضا في هذا المضمار ادفع بالتي هي أحسن ان أهمية توخي القول الحسن تبرز حتى في أصعب المواقف لقوله تعالى اذهبا إلى فرعون إنه طغى فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى هذا طرح نزر مما ورد في كتاب الله العزيز من آيات حول أهمية العلاقات الإنسانية والرسول الكريم عليه أفضل الصلوات قال (الكلمة الطيبة صدقة) هذا من الناحية الدينية أمر مهم للغاية ولا يعني وضع الثقل على جانب العلاقات الإنسانية وترك الحبل على الغارب فقد قال سبحانه وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وقال الرسول الأمين (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه) ,, ونعود للقول ان جانب العلاقات الإنسانية في معظم الإدارات في البحرين واضح وملموس اماتقدير الأعمال الجيدة، فهذا شأن آخر، من الحاجات الإنسانية الضرورية هي الحاجة إلى التقدير، وتجد حينما يقدم عملاً متميزا أو يبادر بتقديم اقتراح جيد, ولا يتوقف تقدير الأعمال الطيبة من قبل الرئيس إلى المرؤوسين، بل يمتد ذلك النوع المحبب من السلوك إلى الطلبة أيضا, ومن شب على شيء شاب عليه، فهم تعودوا ذلك بلا شك واكتسبوه من أهاليهم ومعلميهم ومجتمعهم.
بمناسبة يوم المعلم، قدمت قصيدة لطالباتي المعلمات والإداريات كنوع من المشاركة الوجدانية، وأخرى للجامعة، وفوجئت في اليوم التالي بأكثر من رد بقصائد مماثلة من هؤلاء اللاتي تلقين أبياتي وهذا ما يدعو على الاعتزاز ويؤكد التفاعل الطيب,, اما قصيدة الجامعة، فقد وجدتها منشورة في المجلة الخاصة بالجامعة، وهكذا تقدر أعمال الأفراد وهكذا يدفعون لتقديم المزيد من العطاء وفي مجالات مختلفة.
إن العمل مع البشر يستوجب قبل كل شيء احترام إنسانياتهم والاعتراف بوجودهم والعمل معهم على أساس الأسرة الواحدة، فالرسول الكريم يقول (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا) هكذا وجدت هذا المجتمع الطيب، يعمل بنقاء وولاء ويحاول اسعاد كل عضو من اعضائه.
تحية حب وتقدير لكل عامل يعمل بضمير حي ويعطي اقصى ما يقدر عليه لخدمة وطنه ومجتمعه محاولاً إظهاره بالصورة المشرقة التي تبعث على الفخر والاعتزاز ,, تحية حب وتقدير لشعب البحرين الشقيق ولكل محب للإنسانية على وجه الأرض,, ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشداً.
|
|
|
|
|