أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Monday 13th November,2000العدد:10273الطبعةالاولـيالأثنين 17 ,شعبان 1421

الاخيــرة

الرئة الثالثة
غوغائية الفرح!
عبد الرحمن محمد السدحان
حثّت وزارة الداخلية المواطنين والمقيمين على التعامل مع وقائع المشهد الرياضي (والكُرَويّ منه خاصة) بحسٍّ حضاريّ عاقل يحترم هيبة هذا البلد وكرامة أهله، وحذّرت الوزارة من ممارسة أيّ نشاط جماهيري معيّن في الشارع ينعكسُ سلباً على الناس، تهديداً لأمنهم، أو إقلاقاً لراحتهم، أو إيذاءً لأسماعهم، أو تعطيلا لحرية انتقالهم واتصالهم!
***
ولقد سعدتُ وغيري بهذه المبادرة العاجلة والحازمة من لدن جهازنا الأمني الأول، وأتمنى مخلصاً أن يستوعب الناس المعنيُّون بها أبعادَها الإنسانية والحضارية والأمنية، وكفى المواطنين أذى ما يشهدونه ويسمعونه وما يواجهونه من عنت كلما فاز هذا الفريق أوخسرَ ذلك، حتى أنَّ المرء منا أحياناً من فرط معاناته قد يتمنَّى ألا يفوز أحد، كي ينعم بطمأنينة وأمن وهدوء بال!
***
إنني أدرك سلفاً أن في هذا الحديث ما قد يغضب البعض ضمن جمهور كرة القدم، لكن الجهر بالحقيقة حقٌ، رضيَ بها مَن شاء وغضب من شاء!
***
من جهة أخرى، أرجُو ألّا يؤوَّلَ هذا الحديثُ إستنتاجاً بأنني أعادي الرياضة وروادها ومرتاديها والمتحمسين لها، فهي لا ريب جزء هام من موروثنا الثقافي، لكنني أستنكر التعامل مع وقائعها,, بغوغائية تهمّشُ حريةَ الناس وأمنهم وراحتهم، وتتنكر لأصول وضوابط الوعي السوي والخلق السليم!
***
نعم أنا (أميّ) رياضياً، لا أنتمي إلى أي نادٍ، كي أفتن نفسي بمتابعة انتصاراته وانكساراته، غير أنني في الوقت نفسه، أنتشي فرحاً بانتصارات منتخب بلادي عربياً وعالمياً, وتبقى تظاهرة الفرح أو الترح عندي لفوز المنتخب أو هزيمته شأناً خاصاً بي، لا يتجاوزني إلى سواي بما يكره!
***
أما ما يحزنني حقاً,, في كل الأحوال ويحزن كلَّ ذي لب بصير فهو أن يتحول موسمنا الرياضي إلى كابوسٍ يؤرقُ السمعَ والبصرَ والفؤادَ معاً وقد يرغمنا على تبني مواقفَ تئدُ فرحنا خيفةً وحذراً واستنكاراً!
***
وعلى صعيد آخر، أعترفُ أن للحدث الرياضي عامة، ولكرة القدم خاصة، فتنةً تلهب مشاعر الناس وأفئدتهم، لا فرق في ذلك بين لاعب وتابع ومتابع، وهذا أمر لا ننفرد به نحن أهل هذه البلاد دون سائر الآنام، وقد يكون جمهورنا في المملكة أكثر الجماعات الانسانية هدوءاً وعقلانيةً، رغم ما قد يقال عنه حقاً أو باطلاً، لكن إذا قورن جمهورنا بنظيره الإنجليزي أو الأوروبي أو الجمهور اللاتيني في أقصى الأرض مثلاً فإن الأمر جدُّ مختلف! وليس عجباً,, أن يفسد حدث رياضي معين سياق العلاقات بين دولتين متجاورتين,, فتلتهب المشاعر، وتتلوث النوايا، وتحتقن القلوب بدماء العداء والانتقام! وقد تعتدي إحدى الدولتين على الأخرى، فتعبر دباباتها الحدود ثأراً ل (عار) هزيمة رياضية، كما فعلت دولتان من دول أمريكا اللاتينية خلال الستينيات الميلادية!.
***
رغم ذلك كله,, أتمنى أن يكون جمهورنا الرياضي الشاب أكثر عقلانيةً وأثرى هدوءاً وأشفّ غيرةً على سمعته هو وكرامة وطنه ومواطنيه عند التعامل مع الحدث الرياضي.
***
وبعد,,.
*تبقى الرياضةُ، قبل كل شيء وبعد كل شيء، وسيلة تثقيف وتهذيب وتربية، لا معولَ هدمٍ وحقنٍ للنفوس بالفرقة والنفور، وتنابز في الأقوال والأفعال!
* وإذا كنا نقول في أدبياتنا، أن الرياضة تنجح فيما تفشل فيه السياسة، لأنها تجمع ولا تفرق، وتقرب ولا تبعد، فلماذا نهدر هذا المبدأ في حلبات السفه باسم الفرح؟!
* لماذا نؤذي إحساس الوطن وكرامته وسمعته باسم الفرح عبر مظاهر غوغائية غير مسؤولة، سواء كان فاعلها فرداً أو جمهوراً؟!

أعلـىالصفحةرجوع














[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved