| وَرّاق الجزيرة
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فإن تراث الأمة الإسلامية وميراثها عظيم مليء بالنوادر، ومكتظ بالجواهر التي يعز وجودها عند غيرها، وهذا كان نتيجة لتلك الجهود المتميزة والجبارة التي قام بها وبذلها العلماء والمحققون من سلف هذه الأمة، فقد أفنوا أعمارهم، وأمضوا كل أوقاتهم وصرفوا جميع اهتماماتهم من أجل ذلك، تركوا الديار، وشدوا الرحال، وقابلوا الرجال، وتكبدوا المشاق، قطعوا الفيافي والقفار، وسلكوا الأودية والشعاب، وتعرضوا للصعاب والمشاق والأخطار، سهروا الليالي وأحيوها، وعمروا الأيام واستغلوها، تسودوا الأعتاب، وافترشوا الأرض والتراب ، والتحفوا الهواء والسماء، وتركوا الشهوات، وانصرفوا عن الملذات، فرطوا في الغالي والنفيس، فضلاً عن الهين والرخيص، تدرعوا وتذرعوا بكل نافع مفيد، وحازوا قصب السبق، وأدركوا طرق الحق في بيان شرائع الإسلام، وتطبيق أحكامه على الحوادث والأقضيات والنوازل والأيام، نفذوا حدوده، وترسموا آدابه وأخلاقه، وعلموا بمحكم قرآنه، وآمنوا بمتشابهه، وعملوا على تمحيص الصحيح من السقيم، والضعيف من القوي، وفق قواعد منضبطة ومضبوطة، وأصول قوية متينة، ورواسي شوامخ ثابتة كالجبال، طيبة كالشجرة الطيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، وما ذاك إلا لقيامها على المصدرين الأصليين والمنبعين الصافيين للدين كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما فهمه واسنبطه السلف الصالح رحمهم الله.
ومع انتشار الإسلام وتنوع الوقائع وتعددها ومرور الأزمنة والأعصار، اجتمعت جملة هائلة من الأحكام والمعلومات فاقت جميع التصورات والتقديرات، ذهل منها كل من اطلع عليها، الأمر الذي معه جعل أعداء الإسلام يفترون عليه وعلى أهله وينكرون انتساب ذلك لأحكام الشريعة الإسلامية حقداً وحسداً، وانبهاراً وهوى مبني على نظرات قاصرة وعصبية بغيضة دفعتهم إلى جمع أكبر كمية من ذلك التراث والمخطوطات التي دونت فيها تلك المسائل والأحكام والتي تضم بين جنباتها العلم الأصيل والمعين الصافي ونقلوها إلى بلدانهم في حين غفلة من المسلمين واكبت الضعف الذي وقعت فيه الأمة الإسلامية، وذهلها عن كثير من مهماتها وروائع مكنوزاتها برهة من الزمن ليست بالقليلة.
وبتوفيق من الله سبحانه أدرك أبناء الأمة الإسلامية وبالأخص طلاب العلم والمهتمين بإحياء التراث الإسلامي المجيد أهمية الحفاظ على الجهود، وأنفقوا الكثير والكثير في سبيل تحقيق ذلك، والعمل على إخراج تلك الدرر من مكنونها، وإعادتها إلى مكانها الأول، ويكون الأمر أكثر دقة وأبلغ انتظاماً عندما تهرع المؤسسات التعليمية المتعددة لتنفيذ تلك المهمة النبيلة والشريفة، فتنشئ المراكز المتخصصة، وتقيم المعاهد المتنوعة التي تخدم هذا الأمر، وتهيء للباحثين كل ما يحتاجونه في هذا الشأن، وتسهل لهم طرق الحصول على تلك المخطوطات بكل الوسائل المتاحة وفي أي مكان وجدت.
وإن جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وبدعم من ولاة أمرنا حفظهم الله إحدى تلك الجهات التي تهتم بنشر تراث أسلافنا الأصيل، والعمل على تحقيقه وإقامة الدراسات المفيدة عليه عبر أقسامها العلمية المختلفة والكثيرة، وفق ضوابط وشروط دقيقة مما نتج عنه توافر كمية هائلة من الرسائل العلمية ذات القيمة العلمية المتميزة خدمت جوانب مهمة من حياة مجتمعنا الأمر الذي معه صارت درة في جبين هذه الجامعة العريقة، ومفخرة تفتخر بها بين أخواتها، وفي هذا المقام نقول إنه يجب عليها وهي المؤسسة الإسلامية العريقة والتي تنطلق في كل شؤونها من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وما كان عليه السلف الصالح، أن تستمر على ذلك وتكثف منه، وتشجع عليه وتعين كل باحث يريد خدمة دينه ووطنه ونشر علم سلفه، ومن هنا تتبين لنا الأهمية البالغة لهذا العمل والتي يمكن تلخيصها في الآتي:
1 أنها تمثل علوماً إسلامية أصيلة لا يمكن أن يهتم بها أحد مثل إهتمام المؤسسات التعليمية فيها وخصوصاً في بلادنا.
2 كونها علماً صافياً اعتمد فيه على الكتاب والسنة وما دار في فلكهما مما استنتجه علماء السلف رحمهم الله.
3 أن علم السلف أسلم وأعلم وأحكم من علم الخلف، وهي تمثل ذلك.
4 أن هذه المخطوطات في الغالب لا يقتصر فيها على موضوع واحد بل تجد فيها موضوعات ومسائل وأحكاما متنوعة تمس حياة الفرد والجماعة، وبعضها قد يتناول جملة من الكتب والأبواب وينفرد بها باحث واحد، فتكون الفائدة أعم وأشمل.
5 أن الباحث في مسألة معينة مهما أجاد وأفاد لن يعول على ما وصل إليه مثل ما يعول على كلام العلماء والمحققين من المتقدمين والمتأخرين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
وكيل جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
|
|
|
|
|