| وَرّاق الجزيرة
لولا ما يضطلع به صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز من مناصب كبرى، ومسؤوليات عليا لكان مؤرخاً كبيراً، وذلك لما هو معروف عن سموه من حبه للتاريخ,, يقرأ أحداثه,, وتستهويه أخباره,, ويعين على تدوينه,, وجمع وثائقه,, واستقصاء مصادره,, وتشجيع رجاله، وتقريبهم، والاقتراب منهم,, التفت سموه إلى دارة الملك عبدالعزيز فدفع بها خطوات إلى الأمام بفضل رئاسته لمجلس ادارتها، ودعمه وتشجيعه لأمينها العام، والعاملين معه، بحيث أصبحت الدارة اليوم واحدة من أهم المراكز البحثية والأرشيفية المعاصرة.
في رعاية سموه الأخيرة لندوة الرحلات إلى شبه جزيرة العرب التي أقيمت في رحاب الدارة، في الفترة من 24 27 رجب 1421ه، ألقى سمو الأمير سلمان كلمة ضافية رمى فيها الكرة في ملاعب كثيرة: رماها في ملاعب الجامعات، والنوادي الأدبية والمؤسسات والمراكز العلمية، وسواها من الوزارات والجهات المعنية بعقد الندوات العلمية في كل المجالات، وفي مجال التاريخ بالذات، لأن بلادنا كنز للتاريخ، وكتب عنها الكثير، لكننا يجب أن نمحص هذا الكثير .
ولم يترك سموه لنا نحن المؤرخين والآثاريين عذراً للانكفاء على أنفسنا، وعدم الاضطلاع بمسؤولياتنا نحو حضور الندوات والمشاركة فيها، وتنشيط البحث في تاريخ بلدنا العريق، وأمتنا الإسلامية الخالدة حينما يقول: إنني أدعو الجميع وخصوصاً علماءنا ومفكرينا وأساتذة جامعاتنا والمهتمين بالمصادر العلمية والتاريخية ان يكثفوا من حضورهم لمثل هذه الندوات، ويغنوها بالبحث والمناقشة حتى يستفيدوا ونستفيد من ذلك,, ويضيف سموه: إنني ألاحظ بكل أسف ان كثيراً من الندوات العلمية الحضور فيها لا يكون على مستوى ما نرجوه جميعاً من هذه الندوات، وما ألاحظ وأسمع وأقرأ في صحفنا، أو في بعض مجتمعاتنا انه يجب علينا الاهتمام بالعلوم والندوات والمناقشات العلمية، لكنني بكل أسف ألاحظ عدم الحضور بكثافة من المهتمين بهذه الأمور .
هذه الدعوة الكريمة من سموه، والملاحظة الواعية المسؤولة من رجل في مثل مكانة الأمير سلمان، وموقعه من المسؤولية ينبغي ان تقابلها استجابة عاجلة، وقبول فوري من مختلف الجهات والأفراد في بلادنا، وأعني بذلك الجهات التي تقع على عاتقها، ويدخل في اختصاصها ومهامها عقد الندوات، والإعداد لها، والدعوة إليها، وتنظيمها تنظيماً جيداً يليق بمكانتها، وبرسالتها العلمية التي تضطلع بها، ثم الصرف عليها بسخاء يشجع على حضورها، والمشاركة فيها ببحوث رصينة تتناسب مع أهميتها، وأهمية البلاد التي تعقد على أرضها، والجهود التي تبذل فيها، أما الأفراد فهم الباحثون من أساتذة الجامعات وغيرهم، وهؤلاء تقع عليهم مسؤولية كبيرة من حيث المشاركة في الندوات الداخلية والخارجية ببحوث علمية جادة، تتصف بالأصالة والجدة والابتكار لا ببحوث سطحية لا تساوي الورق الذي تكتب عليه، ولا الحبر الذي يسود أحرفها, كما أن الحضور الذهني، والمشاركة في النقاش، وفي لجان الاعداد والصياغة، وترؤس الجلسات مهمة جداً للمواطن السعودي، وخاصة في تلك التي تعقد خارج الوطن، لما فيها من الشعور بأهمية الباحث السعودي، وتميزه علمياً، وأهمية الوطن الذي قدم منه، والدولة التي ينتمي إليها.
على أن أهم ما تجدر الاشارة إليه في هذا المقام، هو ضعف حضور المواطن السعودي، ومشاركته في الندوات التي تعقد خارج الوطن، ولذلك أسباب يقع معظمها على ضوابط السماح بالمشاركة الخارجية التي نأمل ان تخفف وتيسر، وأن يشجع المواطن السعودي بل ويحفز على الحضور بقوة وفاعلية في مختلف الندوات والمؤتمرات المتخصصة التي تعقد خارج الوطن، بدلاً من الاتكالية والعزوف عن عدم الحضور الملفت للنظر، والمثير للدهشة حقاً! وأذكر في هذا الخصوص ان مواطنة أمريكية مهتمة بتاريخ المملكة العربية السعودية وآثارها حضرت مؤتمراً دولياً كبيراً عقد في وطنها الولايات المتحدة الأمريكية، ورأت حضوراً من مختلف البلاد التي لها علاقة بذلك المؤتمر ما عدا المملكة العربية السعودية الذي لفت نظرها، وأثار استغرابها وفضولها عدم وجود أي من المتخصصين السعوديين، فكتبت لأحد أساتذتنا الكبار مستغربة ومعاتبة في الوقت نفسه على الغياب السعودي، وضاربة الأمثلة بدول صغيرة، وفقيرة جداً كان لها حضورها في ذلك المؤتمر الذي كان ينبغي ان يتصدره اختصاصيون من المملكة العربية السعودية المشهود لها بمكانتها وثقلها في المحافل الدولية.
وفي لندن يعقد في صيف كل عام لقاء علمي مشهور يعنى بدراسات جزيرة العرب خاصة، ويحضره المختصون من مختلف دولها، وأضعف الحضور في ذلك اللقاء، هو ما يكون من المملكة العربية السعودية، ولو تصفح المرء الأجزاء الثلاثين المشتملة على ما ألقي فيه من أبحاث على مدى ثلاثين عاماً هي عمر ذلك اللقاء منذ بدايته لوجد ان ثلثي تلك الأبحاث عن اليمن، والثلث الثالث عن دول الخليج الأخرى غير المملكة العربية السعودية، وقلما يجد بحثاً واحداً أو بحثين عن المملكة، وان وجد شيئاً من هذا فقد يكون لأحد الطلاب السعوديين المبتعثين إلى انجلترا، أو لأحد العاملين في المملكة العربية السعودية من الأجانب، وفي أضيق الحدود يكون من مشاركة يتيمة من باحث سعودي سنحت له فرصة المشاركة وهو على رأس عمله بالمملكة.
ان حضور المؤتمرات والندوات والمشاركة فيها بأبحاث، أو بالمناقشة والتعليق والحوار هو مطلب أساسي لكل من يحمل رسالة العلم، وهو من صميم واجب عضو هيئة التدريس في الجامعات، ومن أوجب واجبات المواطنة الصالحة، وينبغي ان يشجع، ويحفز، ويدفع إليه دفعاً من قبل الجامعات والمؤسسات، كما ينبغي ان تخفف وتيسر الضوابط التي تحكمه بالنسبة لأولئك الذين يشاركون بصفة رسمية، أما الذين يشاركون بصفة شخصية، ولا تتحمل الجامعات صرف تذاكر سفر لهم كما هو متبع الآن فينبغي ان يوضع لهم ضابط آخر يسهل لهم أمر المشاركة خارج النسبة المقررة للأقسام بموجب اللائحة، وبذلك يكون الحضور السعودي مميزاً، ومتناسباً مع ما للمملكة العربية السعودية من ثقل سياسي، وديني واقتصادي، وما تتمتع به من مكانة مرموقة في المجتمع الدولي، ويكون كذلك محققاً لطموحات وآمال صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز، وهو من هو من المكانة، والاهتمامات العلمية، وموقع المسؤولية في المملكة العربية السعودية.
|
|
|
|
|