أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 12th November,2000العدد:10272الطبعةالاولـيالأحد 16 ,شعبان 1421

الاقتصادية

فقر الشعوب 23
زيد محمد الرماني
يتخذ فقر الشعوب أبعادا متعددة منها البعد الاجتماعي للفقر وما ينطوي عليه من هبوط مستويات الأخلاق وظهور الجرائم الاجتماعية المختلفة كالرشوة والمحسوبية والمخدرات واغتصاب الأموال والنساء والتواكل والسلبية والأمية والنفايات.
لذا، يعتبر الفقر أول مشكلة اجتماعية عرفتها الشعوب وقد اعتبرها بعض الباحثين مشكلة سوء توزيع الموارد وما يرتبط بذلك من ظلم اجتماعي وطبقية بغيضة وتفاوت كبير في الدخول، بينما اعتبرها آخرون مشكلة قلة الموارد الناشئة عن سوء الحظ، وهو ما يعني أن المشكلة مشكلة قدرية لا دخل للانسان في حدوثها.
وبغض النظر عن أسباب الفقر كظاهرة اجتماعية فإن البعد الاجتماعي للفقر يبدو جليا في استقراء أحوال السكان في الشعوب الفقيرة من حيث الحالة الصحية والحالة التعليمية وتوافر الخدمات الأساسية ومكانة المرأة في المجتمع والنشاط الاقتصادي والعادات والتقاليد الاجتماعية المرتبطة بالفقر كسبب أو كنتيجة، ودورها في تعميق الفقر.
يقول د, حمدي عبدالعظيم إن الشعوب الفقيرة تتصف بارتفاع نسب الأمية لدى ابنائها وانخفاض مستوى التعليم ومعدلات الانفاق على التعليم والبحوث والتنمية الفكرية، من متوسط دخل الفرد في الدول المتقدمة في الستينات ثم انخفض الى نحو 2,5% فقط في السبعينات.
ويمكن القول إن هذه النسبة قد انخفضت بعد ذلك في فترة الثمانينات الى 2,4% فقط، ثم الى 2,3% في التسعينات.
ويعني ذلك اتساع الفجوة بين الشعوب الفقيرة والشعوب الغنية.
وإذا أخذنا الزيادة في عدد السكان في الحسبان نجد ان مستقبل الفرد من الدخل في الشعوب الفقيرة لا يبشر بأي تحسن، في ضوء انخفاض الاستثمارات اللازمة للمحافظة على تجدد الدخل سنويا.
إذ طالما ان الدخل منخفض، فلابد من انخفاض المدخرات، إن لم يكن انعدامها نهائيا، وهو ما يؤدي بدوره الى انخفاض حجم الاستثمارات اللازمة للتنمية.
لذا، تشير احدى الدراسات التنموية الى حاجة دول العالم الثالث ودول العالم الرابع معا الى استثمار 12% من انتاجهم السنوي للحصول على معدل تنمية قدره 2% سنويا, وفي حالة زيادة السكان بمعدل 2,7% سنويا، يلزم استثمار قدره 21% من الانتاج السنوي.
ومن ثم، فمن المفروض أن يؤدي ذلك الى حث الدول الفقيرة على زيادة الاستثمارات الزراعية لتوفير الغذاء لهذه الأفواه الكثيرة والمتزايدة كل عام، بيد أن الدراسات التنموية تشير الى وجود تحيز من جانب الدول الفقيرة للاستثمار في المدن والصناعة على حساب الريف والزراعة.
تشير احصائيات منظمة العمل الدولية الى أن نسبة مساهمة المرأة في مجالات النشاط الاقتصادي في الدول الفقيرة تنخفض الى أقل من 1% في بعض هذه الدول ولا تتعدى 10% في بعضها الآخر، ويرتبط ذلك بتدني نظرة المجتمع الى تعليم وعمل المرأة،مما ينعكس بدوره على النشاط الاقتصادي.
بل ان هناك الكثير من العادات والتقاليد الشائعة في الدول الفقيرة التي ترتبط ارتباطا وثيقا بفقر هذه الدول.
ففي معظم الشعوب الفقيرة تشيع عادات احتقار العمل اليدوي وعادات تقديس البقر وتحريم ذبح الطيور والحيوانات وأكل الطعام النباتي الأصل فقط والاسراف في مظاهر الاحتفال بالزواج، والتكاسل والتواكل، وهو ما يؤدي الى تبديد الموارد الاقتصادية.
وهناك العادات السيئة المنافية للذوق العام وللوعي الصحي مثل: البصق والتخلص من افرازات الأنف والتبول في الشوارع والترع والمجاري المكشوفة في شوارع المدن في بعض الدول.
وللأسف، فإن الناس المتعلمين يفعلون هذه العادات السيئة في المواصلات العامة وفي الشوارع وفي الجامعات والمدارس والمباني المتصلة بالخدمات العامة دون خجل أو حياء، وهذا بالطبع يؤدي الى انتشار الأمراض والأوبئة وتعميق الفقر.
ومن العادات والتقاليد المتصلة بفقر الشعوب عادات الاسراف في مظاهر الاحتفال بالمناسبات الدينية المبتدعة.
وذلك بالاضافة الى تبديد الموارد المحدودة بزيادة الاستهلاك في مختلف المناسبات الدينية والوطنية.
كما يلجأ الأفراد الى الاسراف في تقديم الهدايا في مناسبات الزواج والولادة والوفاة وغيرها، مما يطلق عليه علماء الاجتماع بالهدايا الاقتصادية.
ويضاف الى ما سبق انتشار الرشوة والمحسوبية والوساطة وحوادث الأخذ بالثأر بواسطة الأفراد والعائلات دون اللجوء الى القضاء أو سلطات الأمن، وهذه بلا شك تؤدي الى حدوث آثار سلبية على الانتاج والحافز على العمل والاجتهاد وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي والاقتصادي في آن واحد.
ختاما اقول إن التبعية الاجتماعية تعتبر أحد الأبعاد الأساسية لفقر الشعوب، مثلما تعتبر التبعية الاقتصادية بعدا آخر له, كما ان هناك ارتباطا جوهريا بين التبعية الاجتماعية والتبعية الاقتصادية وفقر الشعوب.
وبعد، فهل آن أوان الوقوف في وجه العادات والتقاليد المرتبطة بفقر الشعوب، سداً لذرائع الرذائل الاجتماعية والسلوكية والأخلاقية في المجتمع.
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية .

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved