أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 12th November,2000العدد:10272الطبعةالاولـيالأحد 16 ,شعبان 1421

مقـالات

فلسفة الكمال ومحنة الديموقراطية في أمريكا
د, عبدالله بن موسى الطاير
لابد أن يعترف الأمريكان أن ديموقراطيتهم في محنة، وأنها تشهد في هذه الانتخابات الأخيرة ولادة متعسرة لرئيس أمريكا الثالث والأربعين لأول فترة من الألفية الثالثة.
هذا الاعتراف لم يعد هناك مجال لإخفائه، فالسياسيون هم الوحيدون الذين يحاولون إخفاء حقيقة فشل النظام الانتخابي، أما الإعلاميون والمواطنون العاديون فإنهم يشعرون بالخجل مما حدث في انتخابات السابع من نوفمبر 2000م فالبلد حابسة أنفاسها، والمرشحان اللذان لم يتركا حجراً على الأرض الأمريكية الا خطبا فوقه، يحسبان أنفاسهما بانتظار النتيجة, كما أن هذه الحالة من الترقب والفوضى قد فتحت المجال للناشطين وخصوصاً في الحزب الديموقراطي لتقديم طعون قانونية وأخرى كيدية في النظام المتبع في التصويت في فلوريدا، كما أن بعض الناشطين السود في الحزب الديموقراطي بدأوا يتحدثون عن منع قوى الشرطة البيضاء للناخبين السود من الذهاب إلى صناديق الاختيار، وهذا أمر يصعب تصديقه, لقد كانت حملة انتخابية قاسية ومكلفة، طغت فيها المادة، وطغى فيها التمثيل ولم تسلم من الفضائح، فقد أنفق على هذه الحملة منذ انطلاقها نحو ثلاثة بلايين دولار, ويكفي أن تقول إن بوش قد أنفق في أقل من أسبوع مايزيد على خمسة وثمانين مليون دولار على الدعاية التلفزيونية فقط، كما أنفق آل غور أكثر من خمسة وستين مليون دولار، في الفترة نفسها وللغرض ذاته، أما هيلاري كلينتون فقد أنفقت في سبيل الفوز بأحد مقاعد مشيخة نيويورك نحو ثلاثة وعشرين مليون دولار.
إنه من حق الأمريكي العادي، كما أنه من حق مواطن دول العالم الثالث التي ما فتئت أمريكا تقربهم من حضنها الدافئ أو تبعدهم عنه على أساس ممارسة الديموقراطية في بلدانهم، أن يتساءلوا عن مصادر هذا التمويل المهول الذي يتجاوز ميزانية دول متوسطة الحال, وهل تستطيع أية قيادة منتخبة بهذه الأموال ان تستقل بقرارها عن ممولي حملاتها الانتخابية للبيت الأبيض أو الشيوخ أو الكونجرس؟
المنطق يرفض مبدأ استقلالية القرار هنا، وإذا كان الحزب الديموقراطي ومرشحه آل غور قد حزم أمره باتجاه اللوبي اليهودي الذي دعمه بسخاء، فإن ربع الدعم الذي تلقاه الجمهوريون كان من اليهود أيضاً، مما يعني يداً طائلة لهذا اللوبي في أروقة الحزبين, وهي أروقة ليست خفية بل هي ممثلة في مجلس الشيوخ والكونجرس، أصحاب الكلمة الأخيرة في السياسة الأمريكية الداخلية والخارجية، وهم الذين يسمحون برد جميل اللوبي اليهودي من خلال إعانة سنوية مدنية وعسكرية لإسرائيل تقدر بما يزيد على خمسة بلايين دولار, وهو مبلغ يضاف إلى الغطاء السياسي والإعلامي والدعم غير المحدود الذي تلقاه إسرائيل من الولايات المتحدة الأمريكية.
إذاً فالفاتورة الضخمة للانتخابات الأمريكية مدفوعة لا محالة، ولكن الدافعين يصلون إلى موقع اتخاذ القرار على أكتاف الناخب الأمريكي غير ؟؟ والمستغفل تماماً.
لقد عجب الصحافيون والمراسلون الأجانب مساء يوم الخميس 9/11/2000م عندما رد عليهم أحد المسؤولين في ولاية فلوريدا قائلاً: هذه هي الديموقراطية تمارس على الطبيعة، ومن أراد شيئاً أسهل فعليه أن يتوجه تسعين ميلاً الى الجنوب منا، حيث كوبا ثم خرج من قائمة المؤتمر الصحفي وسط صيحات الإعلاميين وهذا مايفسر حجم الارتباك الذي يشعر به المسؤولون هنا في الولايات المتحدة,وعلى أية حال فقد تأكد فوز المرشح الجمهوري للمرة الثانية في ولاية فلوريدا وبالتالي فوزه بالبيت الأبيض، حيث فاز في المرة الأولى بفارق من الأصوات قدر بنحو 1700 صوت، وبعد إعادة التعداد فاز بنحو 326 صوتاً، لكن النتيجة الرسمية وحسب تصريحات المسؤولين في فلوريدا لن تعلن قبل 17/11/2000م.
وسواء فاز بوش أو جور فإن هناك العديد من المشكلات ستطفوا على السطح, فقد يعترض القاضي على فوز بوش بهذه النسبة الضئيلة غير المألوفة ويطالب بإعادة الانتخابات في فلوريدا.
وقد يعاد الأمر إلى مجلس الشيوخ لاختيار الرئيس من بين المرشحين، وفوز بوش سيعني رئيساً للولايات المتحدة لايحظى بأغلبية الشعب، حيث سيكون الفارق في الأصوات الشعبية لصالح جور الذي حصل على 49,059,929 في وقت حصل فيه بوش على 48,858,333 صوتاً, وهذه ستكون المرة الأولى منذ سنة 1888م، والرابعة في تاريخ الولايات المتحدة التي يستبعد فيها المرشح الحاصل على أعلى نسبة من الأصوات الشعبية, وهذا هو ماجعل اصوات المواطنين العاديين تعلوا نحو اصلاح النظام الانتخابي بحيث يكون لكل صوت وزنه في تحديد هوية الرئيس، وهو في الواقع ماسيزيد من اقبال الناخبين وسيفعل دور المواطن في تحديد توجهات بلاده على جميع الأصعدة الداخلية والخارجية.
لقد كان متوقعاً على الأقل في الأوساط العربية والمسلمة هنا أن يفوز بوش بولاية ميشجان التي تسكنها جالية عربية أمريكية يقدر عدد الناخبين فيها بما يزيد على مئة ألف ناخب، لكن الأمور جرت على عكس ذلك حيث فاز بها جور وذلك لكثرة الأمريكان من أصل افريقي هناك، الذين يصوتون تقليدياً للديموقراطيين والنسبة لاشك كانت كبيرة في تفاوتها بين الرجلين حيث فاز جور بنسبة 51% بينما حصل بوش على 46% فقط، وبفارق اصوات لصالح جور يقدر بنحو مئة الف صوت، فحتى لو صوت العرب الأمريكان جميعاً لصالح بوش وهو مالم يحصل، فإن جور كان سيفوز بالولاية.
ومن عجيب الأمور أن جور خسر في مسقط راسه أمام بوش حيث حصل بوش في ولاية تنسي على نسبة قدرها 51% وجور على 47% من الأصوات، بينما لعبت المصالح لعبتها وتحركت الجالية اليهودية تسلم ولاية نيويورك الى جور بنسبة قدرها 60% مقابل 35% لصالح بوش، وقد أسفرت تحركات كلينتون في اللحظات الأخيرة عن دعم غير عادي لجور، حيث أوصى كلينتون الذين يحضرون اجتماعاته الجماهيرية بأن يطرقوا على الأبواب، ويتصلوا بالتلفونات على من يعرفون ومن لايعرفون يحثونهم على التصويت لجور, إلا أن كلينتون لم يطلب من الناشطين أن يوزعوا علب السجائر على المشردين مقابل التصويت لصالح الديموقراطية وهو ماحدث بالفعل رغم أنه مخالف لنظام الانتخابات.
لقد تحرك الناشطون من الديموقراطيين في جميع الاتجاهات، وتحديداً فقد لعبت النساء دوراً كبيراً في النتيجة التي أحرزها جور، حيث حظي بغالبية من الأصوات النسائية والسوداء والهسبانك.
وريثما يفصل في نتيجة هذه الانتخابات، ستظل الكثير من الأسئلة معلقة، وسيظل الشعب الأمريكي حابساً أنفاسه، وستظل صورة أمريكا مهزوزة، ولن تلتئم بإعلان الرئيس المنتخب، في وقت يتوقع فيه الناس اصلاحات في نظام الانتخابات تعطي لصوت المواطن وزناً مستقلاً وتمنع الإعلام من المتاجرة بالانتخابات وتحد من نفوذ شراء المرشحين من قبل الجمعيات العرقية والشركات الكبرى.
ولعل في هذا درساً للثقافة الأمريكية التي ترى ديموقراطية وأسلوب الحكم فيها بعيون وردية وفي صورة مثالية، درساً يجعلها تقبل باختلاف الآخرين معها خصوصاً في هذا الجانب.
* واشنطن

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved