أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Saturday 11th November,2000العدد:10271الطبعةالاولـيالسبت 15 ,شعبان 1421

مقـالات

آفاق وأنفاق
في الطيرة أيضا
لم أشأ أن أختم الحديث عن الطيرة في مقالتي الماضية، بل أن ألتقي بكم مرة أخرى، لنعلم أن الطيرة برغم نهي الرسول صلى الله عليه وسلم عنها، ورغم أنها ضرب من الشرك بالله، فإنها ظلت شائعة في المجتمعات العربية والإسلامية، وانعكس ذلك على شعر بعض الشعراء، الذين أوردنا نماذج من شعرهم فيما سبق، ونواصل الآن إيراد بعض النماذج الأخرى, قال ابن قيس الرّقيّات:


بشّر الظبيُ والغراب بسعدى
مرحباً بالذي يقول الغراب

وقال ابوحيّة النميري (زهر الآداب للحصري 2/167):


بدا إذ قصدنا عامدين لأرضنا
سَنيحٌ، فقال القوم: مَرّ سنيح
وهاب رجال أن يقولوا، وجَمُجموا
فقلت لهم: جارٍ اليّ ربيح
عُقابٌ بإعقاب من الدار بعدما
مضت نيّةٌ لاتُستطاع، طَرُوح
وقالوا: دمٌ، دامت مودّةُ بَيننا
وعادَ لنا غضُّ الشباب قريح
وقال صحابي: هدهدٌ فوق بانةِ
هدىً وبيانٌ في الطريق يلوح
وقالوا: حماماتٌ، فحُمَّ لقاؤها
وطلَحٌ، فنيلت والمطيُّ طليح

(السنيح: ماجاء من المياسر الى الميامن, الجمجمة، عدم الإبانة في الكلام, جارٍ: من الجري، الإعقاب: التبديل, نيّة طَرُوح: بعيدة، الطليح: المهزولة).
وقال الأصمعي (الحيوان3/461): هرب بعض البصريين من الطاعون، فركب ومضى بأهله نحو سَفَوان (اسم ماء كان قريبا من مربد البصرة) فسمع غلاماً له يحدو خلفه وهو يقول:


لن يُسبق الله على حمار
ولا على ذي مَيعةٍ مُطارِ
أو يأتي الَحين على مقدار
قد يصبح الله امام الساري

فلما سمع ذلك اقتنع بأن لا مفر من مشيئة الله فرجع بأهله الى البصرة.
وحتى بعض الجاهليين تنبه إلى أنه لا تأثير للبارح، ولا للسانح، وأن ما قد يحصل هو محض مصادفة لا غير.
قال الأصمعي: خرج النابغة مع زَبّان بن سيار الفزاري يريدان الغزو، فبينما هما يريدان الرحلة إذ نظر النابغة جرادةً على ثوبه، فتطيّر وقال: غيري الذي خرج في هذا الوجه، وانطلق زبّان فغزا ورجع سالماً، وقال:


تخيّر طيرهُ فيها (زيادٌ)
لتخبره وما فيها خبير
اقام كأن (لقمان بن عادٍ)
أشار له بحكمته مُشير
تعلّم أنه لا طير إلا
على متطيِّر، وهو الثبور
بَلى شيء يوافق بعضَ شيء
أحاييناً، وبا طله كثير

وممن كان لايؤمن بالطيرة المرقِّش السدوسي، قال:


إني غدوتُ وكنتُ لا
أغدو على واقٍ وحاتم
فإذا الأشائم كالأيا
مِنِ، والأيامن كالأشائم
فكذاك لا خيرٌ ولا
شرٌ على احد بدائم

(حاتم: هي هنا اسم للغراب) وقال سلامة بن جندل، أو علقمة الفحل:


ومن تعرّض للغربان بزجرها
على سلامته لابدّ مشؤوم

ومنهم الحارث بن حِلِّزة، حيث يقول:


يا ايها المزمِعُ ثم انثنىَ
لا يثنكِ الحازي ولا الشّاحجُ
ولا قعيدٌ أعضبٌ قَرنُه
هاج له من مَربَع هائج
بينا الفتى يَسعى، ويُسعَى له
تاحَ له من أمره خالج
يترك ما رقَّح من عيشه
يعبث فيه همَجٌ هامج

(الحازي: زاجر الطير، أو الكاهن، الشّاحج: الناعب, القعيد: ماجاء وراءك من ظبي أو طائر الاعضب, المكسور القرن، تاحَ: قدّر وتهيأ، الخالج: الموت يختلج المرء وينتزعه, رفّح: أصلح).
وإذا كان المستنيرون من عرب الجاهلية رفضت عقولهم الخضوع لعملية التطير واستنباء الغيب عن طريقها، فكيف بأولئك وهؤلاء في العصور الإسلامية، يختبئون وراء الخرافات، ويدينون بالولاء للجهالات؟
وكان إبراهيم بن سيار النظّام من علماء الكلام يحارب الطيرة ويحذّر منها، وذكر في ذلك قصة وقعت له، حين سافر إلى قصبة الأهواز، تحت ضغط الحاجة، وهو لا يعرف أحدا فيها، فلما وصل إلى الميناء ليركب لم يجد سفينة, فتطيّر من ذلك، ثم وجد سفينة في صدرها خرق، فازداد تطيره، وسأل ملاحها عن اسمه، فقال: (داوداذ) وهي كلمة فارسية تعني الشيطان، فتطيّر منه ايضا، ولكنه صمم على السفر، ثم حصلت له أمور أخرى، كلها كانت مثبطة موحية بالنحس والشؤم، ولكنه لم يبال بها، ومضى في طريقه متكلاً على الله، وبينا هو جالس في الخان إذ جاء رسول من أحد العلماء الأثرياء يدعى إبراهيم بن عبد العزيز، قال له: إن شئت مكثت ونحن متكفّلون بأمور معيشتك، وان شئت الرجوع أعطيناك ثلاثين مثقالا ذهبية، وأنت أحق من عذَر, قال النظام، فهجم عليّ أمر كاد ينقضني، أما واحدة، فإني لم اكن ملكت قبل ذلك ثلاثين دينارا في جميع دهري, والثانية انه لم يطل مُقامي وغيبتي عن وطني، والثالثة ما تأكدت لي من ان الطيرة باطلة لا سند لها من واقع أو خيال, واخيراً فلنورد مع خُثيم بن عديّ الملقب بالرّقاص، الكلبي:


وليس بهيّاب إذا شدّ رحلَهُ
يقول: عَداني اليوم واقٍ وحاتم
ولكنه يمضي على ذاك مُقدماً
إذا صدّ عن تلك الهَنات الخُثارم

(عداني: منعني، الواقي: طائر ضخم ابقع, حاتم: من اسماء الغراب، الخُثارم: المتطيَّر منه.
د, محمد العيد الخطراوي

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved