أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 10th November,2000العدد:10270الطبعةالاولـيالجمعة 14 ,شعبان 1421

الاخيــرة

دوافع النوازع
الاسترزاق لدى ابن زيدون
يسلك المرء مسالك شتى لنيل المنال، والمنال قد يكون مالا أو جاها أو غيره, وهو في سعيه ذلك، يتلمس الأسباب مستخدماً ما حباه الله من صنوف الابداع والمواهب, وابن زيدون قد وهبه الله البيان فابدع ايما ابداع, واستخدم ذلك البيان في نيل شأوه، وبلوغ مرامه، ومرامه متمثل في رغبته الجامحة في الجاه والسلطة وفي جمع المال، وكانا دافعين في تدفق قريحته، بمدائح عديدة في بني جهور، والمعتمد، والمعتضد وغيره، كما أن فيها من التعريض بمنافسيه ومناوئيه الكثير، غير أن ابن زيدون وفي تقديري قد جاوز الحد وأفرط في المديح بما يخل بالكرامة والإباء ناهيك عن بعض اللبس الايماني، أليس هو القائل في احدى قصائده التي يمدح بها المعتمد.


وحسبي من خالد الفخر أن
رضيت قبولي، مستعبدا

وهل يليق بذي كرامة أن يقول ما قاله ابن زيدون في بيته هذا؟ فهل قبول المعتمد به مستعبداً أصبح جل فخره وحسب؟ لقد جاوز الحد فيما قال، وبالغ فيما مدح ولم يبال, ان ابن زيدون لا يؤمن بما ذكر، لكنه أراد التزلف دون إباء يمنعه من تجاوز الحد في المبالغة.
وقد قيل أعذب الشعر أكذبه لكن ليس في مثل هذا المعنى.
قال ابن زيدون في قصيدة يمدح بها أبا الوليد بن جهور وقومه وكان ذلك في سنة 440ه.


لا تستجز وضع قدري بعد رفعكه
فالله لا يرفع القدر الذي تضع!

ما هذه المبالغة المشينة التي تعدى بها ابن زيدون حدود الايمان؟ ألم يجد من التعابير والمعاني وهو القادر ما هو أعف وأسمى من مثل هذا التعبير, لعمري لقد شط وحاد عن جادة الطريق، وأسرف في التقرب إلى أبي الوليد.
وهمه من ذلك ليس ايمانه بما يقول، بل هي الوسيلة لبلوغ الغاية, وقد يقول قائل ان عجز البيت مدلول غير ظاهر المعنى، كأن يكون المقصود توافق عدم حدوث الرفع مع رغبة الممدوح، وليس كون وضيع الممدوح معصوم من الرفع، ومهما يكون من أمر فان ظاهر البيت ينبئ عن معناه، وما عداه فهو تأويل في غير محله.
وما منع ابن زيدون ان يقول في أبي الوليد في هذه القصيدة كقوله في قصيدته اللامية الأخرى حيث يقول:


أنا غرس في ثرى العليا، لو
أبطأت سقياك عنه لذبل
أقبلت نعماك تهدى نفسها
لم أرغ حظي منها بالحيل

لقد حوت هذه القصيدة في معانيها سمو، وفي لفظها علو، وفي تعبيرها روعة وجمال، فهو بهذا يشبه نفسه بغرس لو أبطأت عنه سقيا أبي الوليد لذبل، وفي البيت الآخر يلفت النظر إلى معنى جميل آخر، فهو يقول ان نعماء ابي الوليد تأتي دون أن تطلب، فابن زيدون لم يُرغ يطلب هذه النعماء باستخدام وسائل الحيل، بل تأتيه مهداة من المنعم.
ان ابن زيدون في قصيدته الأولى وقصيدته الثانية يسعى لنفس الغرض، وبلوغ الشأو نفسه، فالهدف يبقى واحداً لا محالة، هو التزلف لأبي الوليد، ومن ثم الوصول إلى الغاية, وهنا ايحاء من ابن زيدون بان هناك من قد يستخدم الحيل لتحقيق مأربه في النوال، أو اشباع رغبته في نفوذ أمره، أو بهما معاً، لكن ابن زيدون الذي حظي بنعماء أبي الوليد، لم يقل رأيه في أولئك الذين استرزقوا من خلال الحيل، ولعله في ذلك كان معرضاً ببعض حساده أو منافسيه، وقد ترك الاسترسال في ذلك وتوقف عند الحد الذي يخدم معناه، جاعلاً نصب عينه ابلاغ سامعه فضله عليه.
د,محمد بن عبدالرحمن البشر

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved