أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 10th November,2000العدد:10270الطبعةالاولـيالجمعة 14 ,شعبان 1421

مقـالات

ابن سحمان ورحلة العلاج
د, محمد بن سعد الشويعر
الشيخ سليمان بن سحمان المولود عام 1269ه ببلدة السّقا القريبة من أبها بعسير، شاعر وعالم انتقل مع والده إلى الرياض عام 1301ه من الافلاج التي سكنها والده فترة من الزمن، حيث مات والده، وشيخه حمد بن عتيق في الافلاج، بعدما ضاقت به الافلاج بعد فقدهما، فاتخذه الإمام عبدالله بن فيصل كاتباً له، لأنه كان خطاطاً مجيداً في تجويده وحسنه.
وفي عام 1305ه نُقل إلى حائل، فكان فاتحة خير على تلك المدينة، حيث نسخ عدداً من الكتب الفقهية، وتفسير الطبري، وملأ حائل بالكتب,, ثم عاد إلى الرياض، وكان فيها عالماً، ومتعلماً، عالماً يجلس للطلبة الذين اخذوا عنه ويفتي، ومتعلماً يأخذ عمن هو أكبر منه علماً، حتى توفي بالرياض في يوم الأحد العاشر من شهر صفر عام 1349ه، وعمره ثمانون عاماً، وصُلي عليه في جامع الإمام تركي بن عبدالله، ودفن في مقبرة العود، وصُلي عليه صلاة الغائب في جميع مساجد نجد لراغب الزيادة تراجع ترجمته عند ابن بسام في علماء نجد: 399 412 .
كان يعرف بحسَّان الدعوة، حيث نافح عنها، ورد على المغرضين شعراً ونثراً، في كتبه التي بلغت ثمانية عشر كتاباً.
قال عنه تلميذه سليمان بن حمدان: صاحب الفضائل والمكارم، ومن لا تأخذه في الحق لومة لائم، سيف الله المسلول، على كل من حاد عن شريعة الرسول، حلّال المعضلات، ومجلّي رحى المشكلات، قامع المشركين والمبتدعين، الورع الزاهد العابد، المجاهد، ذو القلم السيّال، والنظم الذي هو أرق من العذب الزلال، قريع الزمان، وفائق الأقران، الشيخ سليمان بن سحمان.
وقد منحه الله، قدرة في نظم الشعر، ونفَساً طويلاً فيه، فتأتي قصائده مطولات سهلة العبارة جيدة السبك.
وأغلب شعره يدور في غرضين مهمين، إذا نظم شعراً فيهما يشعر القارئ بأن أحاسيسه كلها تتفاعل مع هذا الغرض الذي قال فيه، وأن العبارات والمعاني تخرج من أعماق قلبه على دلالة قول الأدباء القدامى: بأن الشعر يأتي من الشعور، ولذا فإن شعوره وأحاسيسه متفاعلة مع شعره في هذين الغرضين وهما:
الدفاع عن الدعوة السلفية، ومقارعة خصومها,
تتبعه لمسيرة الملك عبدالعزيز والدفاع عنها مع الاشادة بأعماله، ورصد مواقعه التاريخية,.
فهو شاعر يرصد الأحداث ويتفاعل معها,.
ولن نتعرض لهذين الغرضين، ولا غيرهما مما جاء في شعره الذي طبع منه جزآن، في الهند على نفقة الملك عبدالعزيز رحمه الله في عام 1337ه.
بل نقصر حديثنا على رحلته العلاجية في البحرين عام 1332ه، لعلاج عينيه، حيث كانت عادته أنه كان يرصد الأحداث شعراً,, ويسجل خلجات قلبه، وأحاسيس فؤاده في تلك المواقف التي مرت به.
فقد قال المشرف على طبع ديوانه، تحت عنوان الجزء الثالث: في المناظيم التي لم نجد بعضها إلا بعد تمام الجزء الثاني، وفيما كان حادثاً بعد ذلك,, ولم يمكنّا أن نجعله على الحروف الهجائية، كالجزءين الأولين لعدم اجتماعهما حال النسخ، فما وجدناه كتبناه على حدته.
ثم قال: لما قدم إلى البحرين سنة 1332ه يعني الشيخ سليمان لأجل قدح عينيه، لما علاهما الماء، وذلك بإشارة الإمام عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل فيصل، ولما وصل إلى دَختَر النصارى فزعم ان له معرفة تامة في القدح، وكان الأمر بخلاف ذلك، فقال في ذلك أبياتاً لظنه أنه على زعمه الأول في المعرفة، قبل أن يتبين له منه خلاف ذلك,, فقال يصف الرحلة وعلاج الطبيب:


إلى الله في كشف المهمات نرغب
ونسأله الفضل العظيم ونطلب
فذو العرش أولى بالجميل ولطفه
وآلائه الحسنى بها نتقلب
ليكشف عنا الهمَّ والغمَّ والأسى
فنحن على أوصابها نترقب
من الله إفراجاً ولطفاً ورحمة
فلولاه ما كنا عن الأُلف نذهب
ولا عن رياض المجد والدين والهدى
إلى بلد فيها من الكفر أضرُب
ولكننا نرجو رضاه وعفوه
وإحسانه والله بالخير أقرب
ولولا رجاء الله جلَّ ثناؤه
لما كنت للبحرين في الفلك أركب
وقد صابنا من خوفه وركوبه
غموم وأهمام عضال وأكرُب
إلى أن وصلنا دختراً ذا درايةٍ
ومعرفةٍ في الطب والحذق مُنجِبُ
فقرّب أهوالاً لدينا مخوفة
وكرخانة من نارها تتلهب
وأشياء لا ندري بها غير أنها
يحاربها العقل السليم ويعجب
فغسّل من أجفاننا قبل ضربها
بأدويةٍ شتى بها يتقلب
فميل يسرّ العين مني بميله
وميل من عثمان من كان يصحب
كمثلي وارجانا ليال قليلة
لينتظر البرء الذي هو يطلب
وأبصرت من كف الحكيم أناملاً 1
يحركها من بعد أن كان يضرب
وعثمان بعد الضرب أبصر وجهه 2
وكفاً لهو يسمو بها ويصوّب
وقد جاء هذا بأشياء لم يكن
ليفعلها من كان للقدح ينسب
فشدّ على العينين منا بخرقةٍ
لتسعة أيامٍ تشد وتعصب
وألزمنا أن لا نزيل عصائباً
إلى أن يجيء الوقت ذاك المرتب
وما كان هذا فعل من كان قد أتى
إلى أرضنا من حِجزه يتطبّب
ولا كان هذا شأنه وصنيعه
ولا كان هذا حاله حين يضرب
فهذا الذي قد كان من بعض شأنه
على أن ما نخفيه من ذاك أعجب
وأما الذي قد كان من شأن خالدٍ
فأمرٌ ورى ما كانت النفس تحسب
رأى منه صبراً في حدوثة سنّه
وقد كان منه دائماً يتعجب
فقصَّ الذي من عينه قد أشانها
وأصلح ما يؤذيه منها ويتعب

واستمر في هذه القصيدة التي تبلغ 49 بيتاً يصف حالة العلاج له ولرفيقيه: خالد وهو من نسل الملوك، وعثمان, ولم ينس الإشادة بالملك عبدالعزيز ومدحه والثناء عليه، وهو الذي سعى جاهداً في بعثه للبحرين هو وغيره حيث يتوفر لدى المستشفى الأمريكي التبشيري أطباء مهرة، كان الملك عبدالعزيز يبعث إليه من يطلب العلاج.
وفي قصيدته الثانية يصف ما حصل له بعد أن كشف الطبيب عن عينيه العصائب، فوجد عليهما بياضاً وحمرة شديدة، قد علاهما، فلم يرَ أشياء مما رآه أولاً، فضربهما الطبيب بالميل ثانياً، ولكن لم يتحقق فيهما ما كان يؤمِّل، فبدأ في هذه القصيدة بالاشادة بالملك عبدالعزيز الذي سعى جهده في بذل السبب لعلاجه ودعا له، وشرح خبر هذا العلاج وهو يسمي الطبيب دختر فقال:


أرى كل ما قد قدّر الله يكتب
وليس عن المولى مفرٌّ ومهرب
قضاءٌ من الرحمن جلَّ جلاله
وما قدّر الرحمن لا شك أغلب
لعمري لقد أوفى الإمام بكلّما
يؤمّله مما يريد ويرغب
سعى جهده في برئنا من عمائنا
وسبّب أسباباً لذاك تقرّب
فجازاه مولاه الرضا وأثابه
بأحسن ما يجزي به المتقرِّب
فيا من سما مجداً وجوداً وسؤدداً
حنانيك، ما سرٌّ عليك محجب
سنشرح من أخبارنا بعض ما جرى
سوى ما مضى مما رقمناه يكتب
ولما انقضت تلك الليالي التي لها
يؤمل منه ما أراد ويطلب
ثمان ليالٍ حلَّ منا عصائباً
تشدُّ على العينين منا وتُعصب
فلم أرَ مما كنت أبصرت أولاً
يحركها من كفه ويصوِّب
وقد صار في عينيّ غواشٍ وحمرة
وأوساخ ما يطفو عليها ويحجب
من الغمّ للعينين والعصب والأسى
وإمرار ما قد كان يؤذي ويوصب
وأرجأني خمساً وفي كل ليلةٍ
يحاول أوساخاً تزول وتذهب
بأدوية شتى فما بين باردٍ
وما بين ذا حَرٍّ بها يتقلب
فلم يغن شيئاً ما يحاول كشفه
ولا كل ما يهوى وما يتطلب

واستمر في هذه القصيدة التي بلغت 39 بيتاً، وهي على وزن وروي القصيدة الأولى، حيث أخبر عن حال علاجه الذي دام ثلاثة أسابيع، ولم ينجح الطبيب في مساعيه وأدويته، أما زميله عثمان، فقد أبصر بعد استكمال علاجه,, وقد رأى أن مقامه صعباً في هذه البلاد بعد فشل علاجه، وعيل منه الصبر لأنه قد ضجر، بعد أن فقد النوم والزاد، فقرر العودة إلى وطنه الرياض، مترحلاً من البحرين.
وفي القصيدة الثالثة التي تبلغ 46 بيتاً، قالها بعد ما عزم على الرحيل من البحرين، متوجهاً إلى وطنه ذاكراً فيها شوقه إلى بلاده، بعد أن شعر بالغربة,, ومعرجاً بمديحه وثنائه على الملك عبدالعزيز رحمه الله الذي بذل جهده في البحث له عن علاج لعينيه، ولكن قدر الله النافذ، لم يتهيأ معه العلاج النافع، فعمي من ذلك الوقت عام 1332ه إلى أن توفي رحمه الله فقال:


ألا أيها الغادي مجدّاً لينجدا
يؤم من الضدين قصراً مشيدا
حنانيك قف لي ساعة وتحملاً
تحيات مشتاق به الوجد أكمدا
إلى الملك الأسما سلالة فيصلٍ
وأوفى ملوك الأرض عهداً وموعدا
وأبذلهم للجود طبعاً وعادة
وأكمل أوصاف الفتى ما تعوّدا
إمام سمى بالمجد والجود والندا
على كل أملاك البلاد ذوي الندى
مآثر آباءٍ له ومحامدا
تأثلها عنهم وقد كان أوحدا
فَأبلِغهُ تسليماً كأن أريجه
شذى المسك بل أندى أريجاً وأمجدا
ولا تنس مقداماً هماماً سميدعاً
سلالته من قد سمى وتفردا
وناد بأعلى الصوت يا صاح قائلاً
أيا من سمى مجداً وجوداً وسؤددا
حنانيك ما أبقيت ذخراً ولم تزل
تجدد علينا يا أخا المجد بالندى
إلى أن بلغنا ذلك الدختر الذي
يرى أنه في طبه قد توحدا
فما زادني إلا عماءً وحمرة
على العين زادتها عماءً منكّدا

إلى أن يقول في نهاية مدحه للملك عبدالعزيز، وجوده عليه، لينتقل إلى مدح شيخه عبدالله بن عبداللطيف:


على أنه الساعي بكل فضيلة
ومنقبة يسمو بها من تمجدا
وأبلغ هداك الله مني تحية
إلى الشيخ عبدالله من كان أوحدا
إمام هدى يدعو إلى الله دهره
وينشر دين الله والعلم والهدى

وبعد أن أثنى عليه عرّج على إخوانه وأبنائه والمحبين، بالسلام والدعاء، وختمها كعادته في كل قصيدة بالصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الغر الميامين,, وتعتبر هذه القصائد من أدب الرحلات ووصف ما يتم في الأسفار، بما يجيش في النفوس، وتعبر عنه خلجات قلب الشاعر في وصف مشوق ديوانه 360 366 .
بناء قبة الصخرة:
ذكر ابن كثير في حوادث عام 66ه عن بناء قبة الصخرة لأول مرة فقال: قال صاحب مرآة الزمان: وفيها ابتداء عبدالملك بن مروان ببناء القبة على صخرة بيت المقدس، وعمارة الجامع الأقصى، وكملت عمارته في سنة 73ه وكان السبب في ذلك: ان عبدالله بن الزبير كان قد استولى على مكة، وكان يخطب في أيام منى وعرفة، ومقام الناس بمكة وينال من عبدالملك، ويذكر مساوئ بني مروان، ويقول: ان النبي صلى الله عليه وسلم لعن الحكَم وما نسل، وانه طريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولعينه، وكان يدعو إلى نفسه، وكان فصيحاً، فمال معظم أهل الشام إليه، وبلغ ذلك عبدالملك فمنع الناس من الحج فضجّوا، فبنى لهم القبة على الصخرة والجامع الأقصى، ليشغلهم بذلك عن الحج ويستعطف قلوبهم، وكانوا يقفون عند الصخرة، ويطوفون حولها، كما يطوفون حول الكعبة، وينحرون يوم العيد ويحلقون رؤوسهم ففتح بذلك على نفسه، باب تشنيع ابن الزبير عليه، فكان يشنع عليه بمكة، ويقول: ضاهى بها فعل الأكاسرة في إيوان كسرى، والخضراء كما فعل معاوية، ونقل الطواف من بيت الله إلى قبلة بني اسرائيل، ونحو ذلك.
ولما أراد عبدالملك بناءها سار من دمشق إلى بيت المقدس، ومعه الأموال والعمال، ووكل بالعمل رجاء بن حَيوة ويزيد وأمرهما ان يفرغا المال افراغاً، ولا يتوقفا فيه، فبثوا النفقات وأكثروا، فبنوا القبة التي هي اليوم قائمة، وبنوا من ناحية القبلة سبع قباب، والقبة التي هي باقية اليوم على المحراب هي أوسطها، ولما تم بناء القبة عمل لها جلالين، أحدهما من لبّود أحمر للشتاء، والآخر من أدم للصيف، وحفّ الصخرة بدرابزين من الساج المطعم باليشم نوع من الأحجار الكريمة شبيه بالعقيق وخلف الدرابزين ستور من الديباج، مرفّاة بين العمد، وكانت السدنة كل خميس واثنين ، يذوّبون المسك والعنبر، والماورد والزعفران، ويعملون معه غالية نوع من نفائس الطيب ويخمرونها من الليل، ثم يدخل الخدم الحمام من الليل، فيغتسلون ويتطيبون ويلبسون ثياب الوشي، ويشدون أوساطهم بالمناطق المحلاة بالذهب، ويخلّقون الصخرة، ثم يضعون البخور في مجامر الذهب والفضة، وفيها العود القماري المغلي بالمسك، ويرخي السدنة الستور، فتخرج تلك الرائحة، فتملأ المدينة كلها، ثم ينادي منادٍ: ألا ان الصخرة قد فتحت، فمن أراد الزيارة فليأت، فيقبل الناس مبادرين، فيصلّون ويخرجون، فمن وجدت فيه رائحة البخور، قال الناس: هذا كان اليوم في الصخرة.
إلى أن قال: وكان يوقد في الصخرة كل ليلة مائة شمعة وكذا في الأقصى بقنطار زيت مفتول، وكان في الحرم 300 خادم كلما ذهب واحد قام ولده بعده، وكان في الحرم 100 صهريج وصفائح القبة وسقف الأقصى من صفائح الذهب بدل الرصاص.
(البداية والنهاية) 12 41 44 .
الهوامش:
(1) الحكيم: الطبيب
(2) يريد بالضرب: ضرب الميل

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved