| الاخيــرة
* صباح احمد وحليمة
يتخيلان في وقت
مبكر من عمر البلاد
اجنحة لحرائر الجزيرة
فلا يترددان
او ربما
بتردد ومكابدة لايعلمها إلا الله
يثقبان الجدار لتجرب اجنحتها
الطرية تلك الصبية اليافعة
نحو آفاق لم تكن مأهولة
بغير جبروت المجهول
صباح التميس والحليب
صباح دفاتر المدرسة
صباح قبلة الهواء
على وجه طفلة غادرت
حضن امها لتعود الى حضن البلاد
صباح المغزل في اكف سيدات البادية
صباح القطاف على قامات فتيات القرى
صباح القلم بايدي بنات المدارس
صباح كفاح النساء
من تباريح الحمل وآلام الولادة
الى نحت الاحلام في طحين الخبز
ومحو الحروب عن ابراج الحمام
صباح بلاد قررت تثمين
كفاح النساء.
** بهدوء هواء رهيف لا يهمه الدخول في مشاحنات الاتجاهات بقدر ما يهمه تهوية الحجرات، دخلت الى تلك القاعة الضاجة بأصوات النساء، امرأة مليحة فارعة تشبه أمي وتشبه ابنتي التي لم يبلغ عمرها ثلاث سنوات، وتشبهها تلك الشمس التي تطل على أرض الجزيرة في الأسبوع سبع مرات.
ومع انني لم اكن قد قابلتها قبل صباح ذلك اليوم إلا انني كان لابد ان اعرفها وفيها ذلك الشبه المريع من قمارى مكة وبساتين الطائف, لم استطع ان انتظر حتى ينفض الجمع, كتبتُ لها على ورقة صغيرة تبادلناها كما تفعل التلميذات في الحصص الصارمة ولازلت احتفظ بها:
آه كم كنت أتوق للقاء نخلة من بلادي
بدت اعناق طموحها
فتدلت عذوق البلح على حدود البلاد
وعلى نفس الورقة ردت:
النخل لا يغادر الحياض
كل ما يفعله يمد جذوره إلى البحر
حتى تتعانق أعناقه مع بعضه
البعض في رحاب البلاد
كان ذلك بالقاهرة في الثمانينات، اقلب الآن الورقة بين اصابعي ويمر في مخيلتي شريط مشحون بصور حميمة.
لا ادري ان كان بإمكاني البوح بأسرارها البريئة دون ان تبلل الورق دموع حارة تنسكب من عيني على صورة ذلك الفارس التي تتصدرها, فما أذكر أنني رأيت ثريا إلا وحلت بيننا صورة ذلك الرجل المكافح الوقور احمد عبيد، اما حضورا حيا وإما حضورا معنوياً ولكنه في كلتا الحالتين حضور يذكر بالرجال الذين وقفوا بعزم بجانب تعليم وعمل النساء.
ما أذكر انني رأيت ثريا الا ورأيتها مزنرة بحب اسري وكأن افراد الاسرة كلها من ماما حليمة وماما عائشة الى راوية وليالي يشتركون في معاداة البعاد الذي تفرضه طبيعة عمل ثريا.
وما رأيت ثريا الا ورأيتها جزءاً من لحم ودم هذا الوطن فخلال حرب الخليج 90/91 عادت ثريا الى الرياض وعملت متطوعة في الجمعيات الخيرية لخدمة ارضها في تلك المرحلة العصيبة.
** ليست هذه المرة الاولى التي اكتب فيها عن ثريا احمد عبيد، ففي جريدة اليوم مرة ومرة هنا في جريدة الجزيرة كتبتُ عن مشتركاتنا الصغيرة والكبيرة في شجون المجتمع وفي شؤون النساء, وليست هذه المرة الأولى التي اكتب فيها لثريا أحمد عبيد فطالما دسست لها عبر اسلاك الفاكس كلمات قصيرة لكنها قادرة على كسر المسافات بالأشواق, ولكني هذه المرة اكتب لثريا بأيدي البنات والأولاد الذين اخذوا طريقهم الى المدرسة لأول مرة هذا العام، اكتب اليها بأيدي الفتيات والشباب الذين تأبطوا احلامهم واحلام امهاتهم وآبائهم ووطنهم الى الجامعة مع مطلع العام الدراسي لأول مرة,, اكتب إليها لتسمع دقات القلوب الشابة التي قرأت خبر تعيينها كأول سعودية تشغل منصباً فعالاً بالمنظمة الدولية للأمم المتحدة.
لا تهمنا المناصب بقدر ما تهمنا تجربة العمل والصبر والتحدي التي خاضتها امرأة من هذا الوطن لتصل الى موقع نحلم جميعاً ان يحمل الى العالم بارقة من قبس الحضارة العربية الاسلامية ويساهم مع حضارات الأمم الاخرى في هزيمة المجاعات والامراض والحروب على هذه الأرض.
ولله الأمر من قبلُ ومن بعدُ.
|
|
|
|
|