| الاقتصادية
يمكن ان نرجع حالة الكساد الاقتصادي العالمي إلى بداية القرن العشرين الميلادي, ففي عام 1917م قامت الحركة البلشفية العمالية التي طبقت بدورها الاقتصاد المركزي الموجه الاشتراكي في الاتحاد السوفيتي سابقا, فمنذ حينها شهد العالم انقساما اقتصاديا متعارضا في المصالح بين الكتلتين الشرقية والغربية, ففي النظام الاشتراكي يعيش الفرد حسب حاجته ممنوعا من ممارسة حريته الشخصية في التملك والاستثمار بينما على نقيض الحال في الرأسمالية, أما على الجانب الاشتراكي فقد استمرت في عندها وإصرارها رغم صعوبة تنفيذها إلا انها فرضت على الأنشطة الاقتصادية بالطرق التعسفية والإجبارية إلى عام 1990م, وفي هذا التاريخ لم يعد يحتمل الاستمرار في تطبيق تلك العقائد على أرض الواقع فانهار النظام الاقتصادي الاشتراكي وانهارت معه ادواته القهرية, والذي يهمنا ان العالم شهد صراعا حادا ما بين الفترتين السابقتين, صراع ما بين نظامين اقتصاديين بين الدول الرأسمالية والدول الاشتراكية, فيها ظهر القطبان مختلفين وكل منهما يحاول القضاء على الآخر بكل الوسائل الممكنة لحال ان بقاء كل واحد منهما في الساحة كان يتوقف على ذهاب الآخر ولم تنه الصراعات المكانية بينهما إلا بعد فترة قاربت سبعة العقود كانت مليئة بأنواع شتى من الأزمات, منها بداية بكساد عام 1929 1932م والمعروف بالكساد الكبير، ثم توالت وتحولت إلى أزمات موقعية ممثلة أشدها خلال الحرب الباردة في الخمسينيات والستينيات الميلادية ظل العالم النامي مسرحاً تراجيدياً لتلك الصراعات وحقل تجارب لعملياتها الساخنة المأساوية, فقد دأبت حينذاك الحكومات السوفيتية المتعاقبة على تدعيم حلفائها بكل إمكانياتها من أجل تبني ونشر عقيدة اقتصادها المركزي الموجه, إلا ان الواقع الاقتصادي العالمي وديناميكية السوق أدت في النهاية إلى سقوط الستار الحديدي المفروض في الاتحاد وفي أوروبا الشرقية كاشفة بذلك عدم توافقه داخليا في تطوير الإنتاج وتسويقه, وعدم توافقه خارجيا مع المنافسة القوية ومتطلبات التجارة الدولية, ويمكن ان يعتبر عام 1990 م نقطة التحول والانتقال إلى مرحلة جديدة اقتصادية عالمية والذي أصبح يعرف من حينه بأحادي القوى وأقنومها الأوحد الولايات المتحدة الأمريكية, واقترن هذا التحول المفاجئ بتغيرات انتقالية مليئة بالاضطرابات الاقتصادية والاجتماعية التي لم تكن في شدة تأثيرها فقط في موقع مكاني محدود (الاتحاد السوفيتي) وإنما شمل تغيرات موقعية عديدة لم تكن أقل منه, والحقيقة ان بوادر هذه التغيرات كانت متوقعة قبيل انهيار الاتحاد السوفيتي ومنذ فترة الرئيس جورباتشوف عندما حاول ان يدفع باقتصاد بلاده دفعة واحدة بنظام إصلاحي (البروسترويكا) عن طريق تحويل القطاعات الصناعية والزراعية المملوكة للاتحاد إلى شركات ومجاميع اقتصادية إما ببيعها او تحويلها تقليدا للدول الغربية الرأسمالية, إلا ان هذا التحول السريع أدى إلى ظهور شريحة إنتاجية في المجتمع غير قادرة على تلبية حاجات السكان هناك من المواد الأساسية الضرورية له, هذا بالإضافة إلى عدم قدرتها على منافسة مثيلاتها المستوردة من الخارج لها , فاضطرت المصانع المنتجة إلى إغلاق أبوابها وتسريح عمالها الأمر الذي أدى إلى ارتفاع البطالة وتفشي الجريمة والرذيلة, كما أن الأوضاع الاقتصادية عند حلفائه كانت غاية في التردي وأخذت الأزمات المتتالية بأنواعها تتعاقب الواحدة تلو الأخرى في منطقة شرق أوروبا( في تشيكوسلوفاكيا ويوغوسلافيا السابقتين وفي ألبانيا وبولندا) ويفسر سرعة الانهيارات الاقتصادية في شرق أوروبا وفي بقية المناطق الاشتراكية مثل كوبا كاسترو إلا أن الدعم المالي الذي كان يقدمه الاتحاد إليهم لم يعد ممكناً بعدها, وبحال توقفه تراجعت معه اقتصاديات الدول المدعومة معه, ويرجح أن يكون انهيار الاشتراكية وخروجها من مسرح العالم كقوة مؤثرة فيه فقد أحدثت نوعاً من فراغ القوى في جذور الأزمة الاقتصادية الحالية بل بلغت من حالات الخوف التي أصابت بعض المفكرين إلى التوقع بأن تستمر الفترة الانتقالية إلى سلسلة من المضاعفات التي لا تقل في عنفوانها عما ظهر فعلا منذ الأزمة الآسيوية قبل ثلاث سنوات ماضية, ويعتقد بأن تكون من القساوة لدرجة ان تلك الدول التي كانت معتمدة ماليا على الاتحاد السابق تجد من الصعوبة في علاج أمرها إلى حال الافلات التنظيمي دون ضابط أو عقال لها, حتى ان مجيء الرئيس بورس يلتسين الذي اعجب الغرب بقضائه الفعلي على الاقتصاد الاشتراكي مقابل الدعم المالي من الغرب لتحويل الاقتصاد الروسي تدريجيا نحو الرأسمالية الغربية يعتقد بأنه دفع بلاده إلى مرحلة مختلفة كلية جاذبة معها تطورات ب 30 مليار دولار لتحديث وتطوير آلية الإنتاج الصناعي والزراعي إلا ان تلك المعونات وحسب آراء الخبراء لم تكن مؤثرة تأثيرا كبيرا أو كانت قادرة على ان تحد من الركود الروسي الذي أثر سلبيا في 20 دولة وظهرت تأكيدا لذلك عام 1998 العدوى وانتقلت بسرعة إلى معظم الأسواق في كل من أمريكا اللاتينية وكندا واليابان والصين وافريقيا وجمهوريات آسيا الوسطى, كما أدى الركود الروسي إلى انخفاض في حجم ومعدلات التبادلات التجارية بين القارات وأصبح من غير الممكن ان تبقى اقتصاديات الدول الناشئة بعيدا أو بمنأى عما يجري في الاضطرابات المالية فكثير من بورصات العالم أصيبت بانخفاض في قيمة العملات والأسهم والمواد الخام بشكل عام.
|
|
|
|
|