| مقـالات
شكلت التراجم العلمية لكبار العلماء خلال القرون الثاني والثالث والرابع معرفة سديدة للوقوف على سبب من أسباب كثيرة متنوعة في الظاهر متحدة في المعنى لوصول هؤلاء إلى السيادة العلمية والتي لم تزل إلى اليوم حية خالدة بما قدمته من علم وفهم واجتهاد إضافي كريم مما دعا بعض الدول المدركة لمنزلة هؤلاء الكبار مما دعاها الى تسمية بعض الطرق الرئيسية والمدارس إلى التسمية باسمائهم وكذا: بعض المساجد وقد سارت المملكة في هذا: مُتقدمة غيرها عرفاناً لهؤلاء الأسياد بما قدموه من بذل في علوم ومعارف شتى.
وهذه التراجم العلمية الموثوقة تقطع بما لا ريب فيه أن كبار هذه الأمة خلال هذه: القرون قدموا ما قدموا بعد عنت ولأي وجهد جهيد من بدن ومال وراحة وقدح زناد المدارك على غرار نادر المثال.
إن تراجم هؤلاء وسيرهم تذهل المطلع الحصيف بما نال هذا الصنف من البشر من سداد وحكمة وعقل وعمق وحسن خلق وشعور بالمسئولية تجاه العلم وبذله والاجتهاد في نصه، وتجعل القارىء يقف على مالم يكن ليقف عليه لولا نظره في تراجم هؤلاء (بساطة وتواضع مع عظمة وهيبة وجد ووقار وإحياء الليل ومذاكرة النهار).
ولكي يتم البرهان المادي أورد بعض تراجم من اجمعت الامة المسلمة في المشارق والمغارب عليه إجماعا تمحص بعد دراية تامة بعلمه وفهمه وورعه وتقواه وخيره العميم بنشره لبنات جديدة من إجتهادات بما وهبه خالقه من صفات نفسية وعقلية وفكرية قد تعجز البعض أن تقوم عن مثله إلا ما شاء الله.
سعيد بن منصور (137 227).
إمام حجة ثقة ورع جاد رحال ذو سمت وهيبة وتأليف موثوق عجيب متواضع السكن جداً.
يكنى بأبي عثمان، وهو سعيد بن منصور بن شعبة البزار الخراسني النيسابوري الجوزقاني,, هذا الامام جاء عنه مما سجله الأئمة عنه قال حرب الكرماني (كتبت عنه سنة مائتين وتسع عشرة وأملى علينا نحواً من عشرة آلاف حديث من حفظه) (1) .
وجاء كذلك في كتاب (سنن سعيد بن منصور) م/1 ص 104/110 جاء هناك (إن أقوال العلماء في الثناء على سعيد بن منصور، وروايتهم عنه واحتجاجهم بحديثه جميع هذا يجلي لنا مكانته العلمية ومحله عند علماء الحديث، فقد احتج به الجماعة أصحاب الكتب الستة في كتبهم وعلى رأسهم البخاري ومسلم واخرج إبن خزيمة حديثه في صحيحه, وكذا أبو عوانه الاسفرائيني والدارمي ولما أخرج الحاكم حديثه قال: (قد اتفقا جميعاً يعني البخاري ومسلماً على الاحتجاج بحديثه) وروى عنه جمع من كبار الأئمة كالامام احمد ومحمد بن يحيى الذهلي وابنه يحيى والبخاري ومسلم وأبي داود السجستاني، والدارمي وأبي حاتم الرازي وأبي زرعة وأبي زرعة الدمشقي وابن سعد صاحب الطبقات).
وورد كذلك: (وقال محمد بن سعد: كان ثقة كثير الحديث).
وقال الخليلي: (سعيد بن منصور ثقة متفق عليه).
وقال ابن نافع: (هو ثقة ثبت).
وقال أبو حاتم ابن حبان: (كان ممن جمع وكان من المتقنين الاثبات).
وقال الدارقطني: (أصحاب ابن عينيه الحفاظ منهم: الحميدي، ومسدد، وسعيد بن منصور، وأبوبكر بن أبي شيبة) (2) .
وورد كذلك: (وقال إبن القطان الفاسي وهو احد الأثبات).
وقال الذهبي: (الحافظ الإمام كان ثقة صدوقاً، من أوعية العلم).
وقال أيضاً: (رحل وطوَّف وصار من الحفاظ المشهورين والعلماء المتقنين) (3) .
وهذا آخر تذكر عنه مما أورده كتاب (التاج المكلل من جواهر مآثر الطراز الآخر والأول), يقول: (أبو الفضل، محمد بن ناصر بن محمد بن علي بن عمر البغدادي الحافظ الأديب المعروف بالسلامي).
ثم يُبين موهبته وعلو كعبه فهو يقول: (وكان له حظ وافر من الأدب وأخذ الأدب عن الخطيب أبي زكريا التبريزي وخطه في غاية الصحة والإتقان، وكان كثير البحث عن الفوائد واثباتها، روى عنه الأئمة فأكثروا.
وأخذ عن علماء عصره منهم: أبو الفرج ابن الجوزي وأكثر روايته عنه، وذكره الحافظ ابو سعد ابن السمعاني في كتبه) (4) .
وهذا جهبذ إمام: أبوبكر، محمد بن أبي عثمان ابن موسى الحازمي الهمداني الملقب: زين الدين, أحد الحفاظ المتقنين وعباد الله الصالحين حفظ القرآن وحضر بهمدان أبا الوقت عبدالأول السجزي وسمع بها من أبي منصور شهر دار شيرويه, وأبي زرعة طاهر بن محمد المقدسي، وأبي العلاء الحسن ابن احمد الحافظ).
ثم قال: (ثم عُني بنفسه فارتحل في طلبه الى عدة بلاد من العراق ثم الى الشام والموصل وبلاد فارس واصبهان وهمدان وكثير من بلاد آذربيجان، وكتب عن أكثر شيوخ هذه البلاد).
(وغلب عليه الحديث وبرع فيه واشتهر به وصنف فيه وفي غيره كتباً مفيدة) (5) .
وهذا سيد موهوب فذ: (أبوزكريا يحيى بن معين بن عون بن زياد بن بسطام المري الحافظ المشهور.
كان إماماً عالماً حافظاً متقناً, قيل إنه من قرية نحو الأنبار تسمى نفياي وكان أبوه كاتباً لعبدالله بن مالك وقيل إنه كان على خراج الري فمات فخلف لابنه يحيى المذكور ألف ألف درهم وخمسين ألف درهم فانفق جميع المال على الحديث وسئل يحيى كم كتبت من الحديث,؟
فقال: كتبت بيدي هذه ستمائة ألف حديث وقال راوي هذا الخبر وهو: احمد بن عقبة واني أظن أن المحدثين قدر له (6) بأيديهم ست مائة ألف وست مائة ألف.
وخلف من الكتب مائة قطر واربع حباب شرابية مملوءة كتباً وهو صاحب: الجرح والتعديل وروى عنه: الحديث كبار الأئمة منهم: أبوعبدالله محمد بن اسماعيل البخاري، وابو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري، وأبو داود السجستاني وغيرهم من الحفاظ.
وكان بينه وبين الإمام احمد بن حنبل من الصحبة والألفة والاشتراك بالاشتغال بعلوم الحديث ما هو مشهور.
وروى عنه هو وأبو خيثمة وكانا من أقرانه.
وقال علي بن المديني (7) : انتهى العلم بالبصرة إلى يحيى بن ابي كثر وقتادة.
وعلم الكوفة إلى إسحاق والأعمش.
وانتهى علم الحجاز إلى ابن شهاب وعمرو بن دينار وصار علم هؤلاء الستة بالبصرة إلى سعيد ابن أبي عروبة وشعبة ومعمر وحماد بن سلمة وأبي عوانة,, ومن أهل الكوفة الى سفيان الثوري وسفيان بن عيينة ومالك ابن أنس ومن أهل الشام إلى الأوزاعي وانتهى علم هؤلاء إلى محمد بن اسحاق وهشيم ويحيى بن سعيد وابن ابي زائدة ووكيع وابن المبارك, وهو أوسع هؤلاء علماً وابن مهدي (8) ويحيى بن آدم, وصار علم هؤلاء جميعاً الى: يحيى بن معين.
وقال احمد بن حنبل: كل حديث لا يعرفه يحيى: فليس هو بحديث وكان يقول: ها هنا رجل خلقه الله تعالى لهذا الشأن يظهر كذب الكذابين يعني: يحيى بن معين.
وقال ابن الرومي: ما سمعت أحداً قط يقول الحق في المشايخ غير: يحيى بن معين) (9)
وهذا كذلك أراد يجري فسبق وحاز القصب رفعة بعد رفعة وناهض جناحيه فهو يرفرف بهما يقبض ويبسط باذن الله تعالى: (أبومحمد، يحيى بن يحيى بن كثير ابن سلاس الليثي، وسكن قرطبة وسمع بها من زياد بن عبدالرحمن بن زياد اللخمي المعروف ببسطون القرطبي ،راوي موطأ مالك بن أنس.
وسمع يحيى بن مضر القيسي الأندلسي ثم رحل الى الشرق وهو ابن ثمان وعشرين سنة فسمع من مالك بن أنس الموطأ), ( ثم ابن يحيى عاد إلى الأندلس وانتهت إليه الرئاسة بها وبه انتشر مذهب مالك في تلك البلاد وتفقه به جماعة لا يحصون عدداً),, (وروى عنه خلق كثير) (10) .
وما أجمل ما قيده محقق الإمام (سنن سعيد بن منصور من مطولات الموهوبين فقد ذكر من كبار كتب التراجم ما يلي: (الطبقات الكبرى لابن سعد، معرفة الرجال لابن معين، التاريخ الكبير للبخاري والمعرفة والتاريخ ليعقوب بن سفيان، تاريخ أبي زرعة الدمشقي، الجرح والتعديل لابن أبي حاتم الوافي بالوفيات، للصفدي، تاريخ مولد العلماء ووفياتهم لابن زبر الربعي، والهداية والارشاد في معرفة أهل الثقة والسداد للكلاباذي,, وهناك غيرها تركتها خشية الطول (11) .
ولعل في ذكري ما ذكرتُ واشارتي الى ما اشرت إليه من رجال من صنف خاص تذكير قائم لا يريم في شحذ همم أولياء الأمور ممن منَّ الله تعالى عليهم بالذرية ان يسيروا بهم نحو خيرهم نحو تهيئة الجو النافع لهم دين ودنيا,, وليس أجل لا والله ليس أجل بعد التوحيد من تربية العقل وتنميته نحو المعالي والثقة وسعة النظر وتربية الحس نحو جمال الحياة وجمال الخلق (12) وطلب العلم فهو إرث موروث وعلم مأثور لا يهلك ولن يبور، تموت الناس وصاحبه حي يدعى له ولمن كان سبباً في بلوغه ما بلغ من علم يهتدى به كنجوم الزرقاء يهتدى بها في البر والبحر على تخرم القرون.
المراجع والبيان
(1) المعرفة والتاريخ (3/179).
(2) سنن سعيد بن منصور ت / 227, ط1/م1/ ص 108 (دار الصميعي).
(3) نفس المصدر ص 9.
(4) التاج المكلل ص 120/121 ط 2/ 1882 1383ه.
(5) نفس المصدر.
(6) من روايته.
(7) إمام جليل ثقة ثقة.
(8) الإمام عبدالرحمن.
(9) بل هناك آخرون قلة.
(10) التاج المكلل ج 1 ص 143 144.
(11) سنن سعيد بن منصور م1 ص 17/18.
(12) مفتاح دار السعادة / ج 1.
|
|
|
|
|