| الاخيــرة
قلنا في الورقة السابقة ونحن نعرف مصطلح الرباعية انه مصطلح تنازعه الفريقان العرب والفرس، واستطاع الفرس أخيرا أن يهيلوا عليه طوابعهم الذوقية فذاع وشاع وانتشر هذا الوزن الرباعي عن شعرائهم ولكن قلنا ايضا انه اختراع عربي في الاصل، ولكن الذائقة العربية لم تستسغه فرفضته, وهاكم بعض الرباعيات العربية النادرة التي صاغها بعض الشعراء العرب:
أن جئت ربا الحمى ولاحت نجد فأذكر ولهي وماخباه البعد قد كنت أقاسي الصد حتى رحلوا ياليتهم عادوا وعاد الصد |
ولشرف الدين عمرو بن العارض:
أهوى قمرا له المعاني من صبح جبينه اضاء الشرق تدري بالله مايقول الشرق مابين ثناياه وبيني فرق |
وهما رباعيتان باردتان غثتان، وليس كذلك الرباعية الفارسية.
فوظيفة الرباعية الفارسية الى جانب الموسيقى الخاصة التي تشتمل عليها انها تمكن الشاعر من صياغة وافراغ قضايا فكرية معينة في اصغر حيز من الالفاظ وهذه نقلة جديدة في الفكر الفارسي الذي اعتاد الاطناب والتفصيل كما هي عادة الفكر الهندواورابي كما يزعم بعض الدارسين من ميل الجنس الآري الى التفصيل الشديد, بينما يوصف الساميون وعلى رأسهم العرب بالميل الى الإيجاز الشديد، حتى قيل ان البلاغة هي الإيجاز عند علماء البلاغة العرب.
وربما كان ادق وصف للرباعية كمصطلح هو قول المفكر المصري الكبير المرحوم عباس محمود العقاد حيث قال في ديوانه بعد الاعاصير وهو يتكلم عن شعر الفكرة والشعر الفلسفي: رباعيات الخيام يصح أن تسمى فكر الخيام لان الرباعية منها تدور على فكرة او خلاصة افكار.
وقد شاعت الرباعية في الادب الفارسي الإسلامي، وقد اكثر الصوفية من استخدام هذا اللون الرباعي، لأنه يتناسب مع مواجيدهم الصوفية وجذباتهم وصرعاتهم المحمومة.
وربما كان للحركة الشعوبية التي تبناها بعض الادباء الفرس مدخل الى اصطناع هذا اللون من الألوان والأوزان الشعرية، ليقولوا للشعراء العرب:
مهلاً فقد أكثرتم التفاخر على الفرس بلغتكم العربية، وجعلتم الإيجاز الممتع المقنع البليغ دليل إعجاز للعربية, حسناً ان لغتنا الفارسية ايضاً لاتخلو من الايجاز الذي يصل الى حد الإعجاز والدليل هذه الرباعيات التي تحصر فيها الفكر والافكار حصيراً محكماً في حدود هذه المصاريع الأربعة, فلغتنا أذن ايها العرب لاتخلو من الإيجاز البليغ .
فإلى عصر الخيام وثقافته في ورقة قادمة.
|
|
|
|
|