|
| الاقتصادية
يبدو ان المال وحده هو سيد الموقف في الانتخابات الأمريكية الأخيرة، فالبرامج الانتخابية، والوعود، ما هي إلا ديكورات لتحسين الوجه القبيح لطغيان المال في مجتمع يصبح المرء فيه باحثا عن المال، ويمسي في عدّ كم جمع منه؟
إن ضخ مبالغ خيالية في حملتي غور وبوش وصلت إلى ملايين الدولارات تثير الاستغراب والدهشة، فلم يحدث ان جمعت صناديق الانتخاب هذه المبالغ في تاريخ الولايات المتحدة، فقد جمع المرشح الجمهوري جورج بوش للصرف على الاقتراع الرئاسي لتمويل حملته مبلغا يقدر 176,4 مليون دولار في حين جمع آل جور مبلغ 128 مليون دولار، ولم يقف الحد عند الانتخابات الرئاسية بل إن هيلاري كلينتون قد صرفت مبلغ 24,8 مليون دولار لتحظى بمقعد في مجلس الشيوخ في حملة محلية وبالمجمل تصل المبالغ التي أنفقت على الحملات الانتخابية المحلية والفدرالية في الولايات المتحدة خلال عام 2000م مبلغا يصل إلى ثلاثة بلايين دولار مما يلقي سؤالا ثقيلا وهو: هل الديموقراطية تنجح فقط في الدول الغنية القادرة على تسويق الأفكار بأحدث الطرق والأساليب؟ وهل تحولت الديمقراطية من أسلوب ونظام حكم إلى صناعة لها خبراؤها وأساتذتها وأدواتها؟ وهل الأغنياء والأغنياء وحدهم القادرون على صنع الوصول إلى الحكم؟
أسئلة كثيرة تدور في مخيلتي من خلال متابعتي لانتخابات الرئاسة الأمريكية التي تكون قد أفرزت رئيس الولايات المتحدة القادم بعد كتابة هذا المقال مباشرة.
ولعل وصف ابن خلدون الدول والمجتمعات المتحضرة بالأنانية وحب المال يبقى حاضرا وشاهدا في يومنا هذا,, فقد أصبحت البرامج الانتخابية التي تطرح مجرد مزايدات تصل إلى حد الذهاب إلى أقصى اليمين تارة وإلى أقصى اليسار تارة أخرى متخذة آلية السوق المحرك الحقيقي لها.
إذا كان الوعي السياسي قد وصل ذروته في المجتمع الأمريكي في مطلع هذا القرن، والمثل العليا التي أطلقها ساسته في ذلك الوقت، فإن هذا الوعي بدأ يتلاشى مع ظهور اقتصاديات السوق التي تعتبر المحرك الرئيس للمرشح والمرشح والمرشحين على حد سواء بل إن التأثير في الناخب واتجاهاته بلغ حدا يمكن وصفه بالاعتقال والأسر الفكري حيث بقي الناخب أسيراً للدعاية والأكاذيب والتضليل، بل وأخذ يدافع عنها على اعتبار انها أصبحت من المسلمات لديه ومن المثل العليا.
إني هنا لا أعيب التجارب الديمقراطية في الانتخاب والحكم ولكني أرى انها قد أفرغت من محتواها ومضمونها وأصبحت الشعوب المنتخبة ألعوبة لدى صناعة إعلامية لا ترحم صغيراً أو كبيرا بل تشكلهم كما تشكل العجين.
|
|
|
|
|
