| العالم اليوم
تشارك الجاليات العربية والمسلمة في الانتخابات الامريكية بحماس لم يحدث له مثيل في تاريخ الأقليات العربية والمسلمة بأمريكا الشمالية, ثم إنها ايضا اتخذت خطوة اخرى ربما تكون سابقة وهي ان المنظمات الفاعلة اتفقت على تأييد المرشح الجمهوري جورج بوش الابن، فهل سيكون لهذا الانحياز السياسي أثره المشهود على الانتخابات وعلى الجاليات؟
العرب في تاريخهم السياسي منحازون للطرف الخاسر مع الأسف وقلّما يتفقون على رأي واحد وتوجه موحّد إلا ان تجربتهم في انتخابات 2000م، ربما تغيّر المعادلة,, إن نجح الجمهوريون في انتزاع سيدة الرئاسة من الديمقراطيين.
لم يعد الصوت العربي والاسلامي خافتاً كما كان، فالعرب الأمريكان يتجاوزون المليوني نسمة، وتعداد المسلمين يتجاوز ستة ملايين نسمة، ثم إن لهم (العرب والمسلمين) امتداداً شمال أمريكا وجنوبها شرقها وغربها، ويعتبرون في أقل الاحوال (عنصرا مرجحا) أو لنقل (مربكا) خاصة في بعض الولايات مثل ولاية ميتشجن وولاية نيوجرسي، وفي انتخابات متكافئة مثل انتخابات هذا العام يحتاج المرشحون لكل صوت لما يكتنف الانتخابات من منافسة شديدة وتأرجح لدى الناخب الأمريكي .
ما زال العرب والمسلمون في بداية السلم إزاء المشاركة السياسية في المجتمع الأمريكي، وتجربة هذا العام ذات قيمة حضارية لأنها ستثري التجربة السياسية لتلك الجاليات,, كما أنها سوف تهيىء الرأي العام في أمريكا للتعامل مع تلك الجاليات بشكل مختلف في المستقبل من نواح عديدة خاصة الإعلام الذي ما فتىء يُعمِّق الصورة النمطية السلبية عن العرب والمسلمين.
ارتبط العرب بالقضية الفلسطينية سياسياً وإعلامياً وكان هناك موقف واضح من الحكومات الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية التي كانت تنحاز لإسرائيل بلا شرط ولا قيد، ومعروفة قصة أندرو يانق السفير الأمريكي في هيئة الامم المتحدة إبان عهد الرئيس كارتر والذي قدّم استقالته تحت وطأة ضغط اللوبي الصهيوني على الرئيس كارتر لأن السفير المذكور التقى بأحد قادة منظمة التحرير الفلسطينية التي كانت إعلامياً رمزاً للإرهاب.
لقد تغيّر المناخ وأصبح ياسر عرفات الإرهابي سابقاً يتصل بأمريكا ويزورها أكثر من بعض الدول العربية.
وبصرف النظر عن دلالات ذلك تجاه القضية الفلسطينية إلا أنه مؤشر مهم يدل على تغير كبير، ثم إن مفردات السياسة الأمريكية تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي تغير والحرب الباردة انتهت، والوجود العربي والإسلامي في أمريكا أصبح حقيقة واقعة لا يمكن للناخب الأمريكي أن يتجاهلها في المستقبل بالرغم مما صرحت به سيدة البيت الأبيض الأولى هلري كلنتون عن نقل السفارة الأمريكية للقدس وبالرغم من إعادتها مبلغ (50) ألف دولار للجالية العربية وعدم قبولها تبرعاً منهم.
التغيرات العالمية والديمغرافية السياسية في أمريكا والنمو في الوعي لدى المواطنين المسلمين والمهاجرين العرب كفيلة بإحداث نقلة بطيئة في ميزان القوى واتجاهات الانتخابات.
مع ذلك هناك حلقة مفقودة في تفعيل الجاليات العربية والإسلامية للمشاركة في دعم قضايا الشرق الأوسط عبر الانتخابات,, تلك الحلقة هي الدعم الأدبي والمادي للمنظمات بدون إحراجها سياسياً أو قانونياً.
ما زالت الدول والجماهير العربية لا تلتفت للجاليات المعنية إلا في أوقات الأزمات، ثم هي لا تقدم لها الدعم المرغوب أو المؤثر المستمر وإنما هي تطلب منها ما هو أكبر من تاريخها وإمكاناتها.
والحقيقة أن اللوبي العربي ما زال معتمداً على أفراد وهذا هو عين ما حدث لكل المشاريع التاريخية العملاقة التي أثرت على حياة البشرية سواء في بناء الشعوب أو في ظهور الاختراعات أو في تحقق النهضات أو في كسب الحروب، فمثلاً فكرة شق قناة السويس التي تحمس لها المهندس الفرنسي فردنان دي ليسيس حوربت من الإنجليز، بل حاربها القنصل الفرنسي في مصر بكل ما أوتي من قوة وكانت التقارير الاقتصادية والسياسية والفنية آنذاك تفيد بعدم جدوى الموضوع,, لكن بعد إصرار المهندس وحفنة معه والانتهاء من شق القناة قامت على التحكم في تلك القناة دول وسقطت دول، وأصبح المهندس بطلاً من الأبطال وكان قد تحمس بعد ذلك لشق قناة بنما ولكن لم يتمكن، وهكذا تاريخ الطيران الذي كان المتجهون إلى تحقيقه يغامرون بحياتهم؛ لم يكن ينظر إليهم على أنهم مغامرون أذكياء وإنما عابثون أغبياء، وبفضل أولئك الأفراد غيّر الطيران حياة الناس.
المؤسسات التي تنبري للدفاع عن القضايا العربية والإسلامية تقوم على أفراد وهم اليوم محل التشاؤل؛ بين التشاؤم والتفاؤل، ولكنهم جادون في أفكارهم أو أغلبهم وقد حقّقوا إلى الآن الكثير إلا أن ما يطلب منهم أكثر من حجمهم وإمكاناتهم بكثير وبالتأكيد ما يقومون به اليوم هو الشموع المضيئة للمستقبل القريب والبعيد والبداية لتاريخ منتظر.
التّصدي للمشاركة السياسية في الولايات المتحدة ليس نوعاً من أنواع الرياضة المُسلّية، ولا الترف الاجتماعي، ولا الاستثمار الاقتصادي للأفراد,, وإنما هو مسؤولية ربما تكلف الانسان حياته.
في منتصف الثمانينات فجّر مجرمون مجهولون منزل رائد من رواد اللوبي العربي إلكس عودة المسيحي العربي الذي كان يسكن منطقة أورنج كاونتي بجنوب ولاية كاليفورنيا وفي عام 1986 قُتل المفكر المسلم المعروف د, عمر الفاروقي وزوجته وابنته في منزلهم، وكم حدث أن أحرقت المساجد وكم حدث أن حصلت القيادات العربية والمسلمة على تهديدات من مناوئي العرب والمسلمين في أمريكا.
إن الانتخابات الأمريكية وشيكة الحسم، والعرب والمسلمون شاركوا في الحملات الانتخابية وفي المؤتمرات الحزبية للناخبين وشاركوا بالأموال المحدودة التي لا تغري الناخبين وهم مشاركون في الاقتراع وهم بذلك على قلة إمكاناتهم يدخلون التاريخ، وهذه المشاركة تستحق الدراسة والتأمل، ونأمل أن يكونوا مع الطرف الفائز في هذا النزال المحتدم الوطيس، وأن يغيّروا المعادلة التاريخية التي لازمت تاريخ نضالهم السياسي والعسكري.
|
|
|
|
|