| متابعة
*تونس جاسر الجاسر
السابع من نوفمبر عام 1987 لم يكن يوماً كباقي الأيام في تونس ففي هذا اليوم الخريفي الذي تكسو حبات الندى اوراق الشجر الذي يحيط بالعاصمة تونس وضواحيها، حمل شيئا جديدا لأبناء تونس جميعاً وليس لأبناء العاصمة والضواحي فقط، لقد افاقت تونس كل تونس وشعبها على صوت الأمل الذي مثل زين العابدين بن علي اذ طغى صوته في صباح ذلك على الأجواء الخريفية فبانت تونس في ذلك اليوم مفعمة بالحرارة التي اشاعت في الصدور دفئا واملا في ذاك اليوم الأغر، كان صوت الرئيس زين العابدين بن علي يملأ أرجاء الوطن، يعلن بيان الانقاذ، بيان السابع من نوفمبر.
كانت تونس قبل يوم التحول مثل سفينة بلا ربان، تتقاذفها الأمواج، وتدفعها نحو مصير مجهول، بلد يعيش حالة سبات عميق، وشعب يتملكه الخوف وتسكنه الحيرة.
فقد ساءت أحوال الاقتصاد، وتأزم الوضع الاجتماعي، وتعطلت مؤسسات الدولة، وعاشت البلاد مرحلة عسيرة وخطيرة في آن، كانت تهدد أسس الجمهورية ذاتها، وكادت تنسف المكاسب والانجازات.
كان الرئيس زين العابدين بن علي يتألم لحال البلاد، ولم يرض لها تلك الأوضاع المتردية، واستجابة لنداء الوطن، اقدم في السابع من نوفمبر 1987 على انجاز التغيير، وتولى مقاليد الحكم، مستندا الى الشرعية الدستورية، فكان تحولا حضاريا وهادئا، تجاوب معه الشعب تلقائيا بكل شرائحه وفئاته، ولقي صدى عميقا وتقديرا واحتراما كبيرين في الخارج.
لقد أضحت تونس بين أيد آمنة، انتشلتها من الهلاك وصانت حاضرها وأمنت مستقبلها، فحل الأمل مكان اليأس، وعادت الطمأنينة الى النفوس ودخل التونسيون والتونسيات مرحلة جديدة من تاريخهم، مرحلة البذل والعطاء، يستمدون فيها قوتهم من ثقتهم برئيسهم، ومن ولائهم لتونس.
وتحتفل تونس اليوم بالذكرى الثانية عشرة للتغيير، وقد تحقق الوعد وتجسدت طموحات الشعب الى حياة كريمة ومتطورة في مناخ الأمان والحرية والتضامن والوفاق، واستعادت البلاد اشراقتها واشعاعها، وانفتحت أمام التونسيين أبواب الأمل واسعة وآفاق المستقبل فسيحة رحبة، ينظرون اليها بعيون متفائلة، متمسكين برئيسهم خيارا للمستقبل.
وقد جدد الشعب التونسي بإجماع جماهيري منقطع النظير العهد مع الرئيس زين العابدين بن علي في انتخابات أكتوبر 1999، واختاره ليواصل المسيرة الموفقة وفي ذلك برهان على وعي التونسيين والتونسيات العميق بأهمية المكاسب والانجازات، والنجاحات التي أمنها عهد التحول، وفي ذلك أيضا تأكيد على مدى تعلق الشعب التونسي بسياسة الرئيس زين العابدين بن علي الحكيمة، وخياراته الرائدة، وتوجهاته السديدة.
ولئن أبرزت انتخابات 24 أكتوبر 1999، مدى التفاف الشعب التونسي بمختلف فئاته وأجياله حول رجل الانقاذ والاصلاح، فانها جسدت كذلك سلامة المنهج الديمقراطي التعددي الذي سلكته تونس منذ اثنتي عشرة سنة، وجعل منه رئيس الدولة أهم مقومات المشروع المجتمعي للتحول.
وقد نص بيان السابع من نوفمبر على أن الشعب جدير بحياة سياسية متطورة ومنظمة، تعتمد بحق تعددية الاحزاب السياسية والتنظيمات الشعبية، كما تعهد البيان بأن يوفر أسباب الديمقراطية المسؤولة التي ترتكز على سيادة الشعب، فلا مجال لرئاسة مدى الحياة، ولا لخلافة آلية لا دخل للشعب فيها.
وصدق الوعد، وتجسد واقعا، فلأول مرة في تاريخها، شهدت تونس انتخابات رئاسية تعددية تقدم اليها ثلاثة مترشحين عرضوا برامجهم على الشعب ليختار بحرية، فاختار الرجل الذي أنقذ البلاد وضمن مستقبلها الرئيس زين العابدين بن علي، وجرت الانتخابات الرئاسية والتشريعية في شفافية مطلقة وتنافس نزيه يقوم على حرية الرأي وحق الاختلاف، وأقبل الناخبون والناخبات بكثافة على صناديق الاقتراع في الداخل والخارج، مقيمين بذلك الدليل على ما يتحلى به الشعب التونسي من وعي سياسي عميق، وحس مدني رفيع.
وتعتبر هذه الانتخابات العامة التعددية، رافدا من أهم روافد الاصلاحات السياسية التي قام بها رئيس الدولة من أجل بناء المجتمع الديمقراطي التعددي وحماية حقوق الانسان وتفعيل قوى المجتمع المدني، تحقيقا للمصالحة الوطنية وتحريرا للطاقات المبدعة والخلاقة.
لقد هيأ الرئيس زين العابدين بن علي منذ السابع من نوفمبر 1987 المناخ السياسي الملائم للممارسة الديمقراطية فأطلق سراح المساجين السياسيين، وأعلن العفو العام, وفي ظل هذا المناخ من الانفراج السياسي تمت صياغة الميثاق الوطني الذي وقعت عليه مختلف الاحزاب والتنظيمات الاجتماعية والمهنية، والتزمت بالعمل على هديه والتقيد باخلاقياته وضوابطه وبالدعوة الى مبادئه ومقاصده، فأصبح الميثاق مرجعا وطنيا يجمع الثوابت والاختيارات الكبرى.
وشكل هذا الوفاق الوطني أرضية صلبة للبناء الديمقراطي في تونس العهد الجديد، وتتالت الاجراءات والقرارات الداعمة لهذا التمشي، فصدر القانون المتعلق بتنظيم الاحزاب السياسية وتم تنقيح المجلة الانتخابية وتعديل نظام الاقتراع بما سمح بتكريس التعددية داخل مجلس النواب لأول مرة في تاريخ تونس إثر الانتخابات التشريعية لعام 1994.
وترسيخاً للخيار الديمقراطي تم اصدار قانون تمويل الاحزاب السياسية تعزيزاً لدورها في المجتمع وضماناً للشفافية المطلوبة في هذا المجال، كما تم تنقيح واتمام بعض فصول الدستور فيما يتعلق بتوسيع دائرة الاستفتاء وتنصيص الدستور على الاحزاب السياسية ودورها، وتخفيض سن الترشح لعضوية مجلس النواب، ومزيد تجسيم المساواة بين المرأة والرجل في هذا الشأن بمنح حق الترشح الى مجلس النواب لكل ناخب ولد لأب تونسي أو لأم تونسية.
وضمن هذا البناء الديمقراطي المتدرج، يتنزل القانون الذي تم بموجبه تنقيح واتمام بعض أحكام المجلة الانتخابية بما يوفر لأحزاب المعارضة ما لا يقل عن 20 بالمائة من المقاعد داخل مجلس النواب والمجالس البلدية، وبفضل هذا الاجراء اصبحت أحزاب المعارضة ممثلة بأربعة وثلاثين مقعداً في مجلس النواب الجديد، وهو حدث فريد في تاريخ البلاد يجسم ارادة رئيس الجمهورية في مزيد دعم النهج الديمقراطي التعددي وتوسيع قاعدته.
وفي اطار هذا التوجه السليم الذي يعكس الابعاد الانسانية للتحول، تحققت عدة مكاسب فقد تضاعف حجم التحويلات الاجتماعية أربع مرات خلال العشرية الأخيرة ليتجاوز الأربعة آلاف مليون دينار، نصفها مخصص الى قطاعات التربية والتعليم والتكوين والصحة والنصف الآخر يتوزع على نفقات صندوق التعويض والبرنامج الوطني لاعانة العائلات ذات الدخل المحدود.
وساهمت هذه التحويلات في تحسين القدرة الشرائية لمختلف الشرائح وفي التخفيض من نسبة الفقر الى 6 بالمائة بعد أن كانت تبلغ أكثر من 33 بالمائة في أواسط الستينات.
وجاء صندوق التضامن الوطني سنداً هاماً لبرامج تحسين ظروف العيش في مناطق الظل وقد شملت تدخلات الصندوق منذ انشائه أكثر من ألف ومائتين وثلاثين منطقة تقيم بها حوالي 172 ألف عائلة، باعتمادات بلغت مايزيد على 470 مليون دينار.
وانطلاقا من أن التشغيل يشكل احدى الأولويات الكبرى في الحاضر وأهم التحديات في المستقبل فقد حظي بعناية موصولة ومتابعة مستمرة جسمتها عديد الخطط والبرامج التي يسرت انتداب طالبي الشغل ونوعت وسائله وأساليبه ومن ذلك تنظيم حملات وطنية للتشغيل وتشجيع المؤسسة على الانتداب، وبعث البنك التونسي للتضامن سندا للشباب في اقامة المشاريع والانتصاب للحساب الخاص.
وفي إجراءٍ فريد وانساني، قرر الرئيس زين العابدين بن علي احداث الصندوق الوطني للتشغيل 21 21 من أجل الشباب الذي يعاني البطالة في المدن والأرياف ومن كل الفئات الاجتماعية وسيمول هذا الصندوق من الموارد المتاحة بالاعتماد على المد التضامني.
ويعتبر تحسين كفاءات اليد العاملة ومهاراتها عنصرا هاما يساعد الافراد على الحصول على مواطن الشغل والمحافظة عليها وتحقيقا لهذه الغاية ارتكزت استراتيجية النهوض برأس المال البشري على تطوير النظام التربوي وكذلك التكوين المهني الذي تمت اعادة هيكلته وتنظيمه فتضاعفت طاقة استيعابه ودخلت اختصاصاته وتجهيزاته طور التعصير الكامل وتدعم بجيل جديد من المراكز والمكونين وتعزز بأنماط تكوينية ناجعة تتيح المشاركة الفعلية للمؤسسة في مجال التكوين، وتجاوز عدد المتدربين الستة والثلاثين ألفا وتطور عدد العمال المنتفعين بالتكوين ليفوق التسعين ألفا وذلك بفضل الاصلاحات التي أدخلت على نظام الأداء على التكوين المهني واحداث آليات جديدة لتطوير التكوين المستمر.
وشهد النظام التربوي من ناحيته اصلاحا عميقا بتطوير البرامج واثرائها مواكبة للتحولات الكبرى التي يعيشها الاقتصاد والمجتمع، فتم اقرار مجانية التعليم واجباريته، وارساء المدرسة الاساسية ومراجعة البرامج وتعصير الأسس البيداغوجية قصد تنشئة الاطفال على النقد والتمييز والتحليل وامتلاك قواعد الاعلامية مفتاح المستقبل.
وبفضل هذا، ارتفعت نسبة التمدرس لتقارب المائة بالمائة وتطورت نسب النجاح في المدرسة الاساسية ومن المنتظر أن تبلغ 80 بالمائة مع سنة 2004، وسيعرف النظام الدراسي مستقبلا، ارتقاء بنسب النجاح في الباكالوريا وبمؤشرات التمدرس في التعليم الثانوي والعالي الى أحسن المستويات.
لقد كان اصلاح التعليم من أوكد أولويات العهد الجديد غايته ارساء مدرسة القرن الحادي والعشرين ضمانا لمستقبل الناشئة في عالم يزداد انفتاحا وتتجدد فيه المعرفة باستمرار وعلى هذا النحو تتبلور حاليا ملامح مدرسة الغد، مدرسة لكل فيها حظ.
وفي اطار هذا الاصلاح التربوي الطموح تمت اعادة هيكلة التعليم الثانوي والتعليم العالي الذي تطورت برامجه وأصبح لا مركزيا تدعمه اقطاب تكنولجية تنمي البحث العلمي، وقد ارتفع عدد الطلبة أربع مرات خلال العشرية الأخيرة ومن المنتظر أن يبلغ سنة 2001 أكثر من مائتي ألف طالب.
لقد قام بيان السابع من نوفمبر على نظرة شمولية لتحسين اوضاع البلاد وتوفير أسباب التألق والابداع والرفاه لكل شرائح المجتمع وفي هذا الاطار يتنزل الاهتمام بالشباب بتكثيف الحوار معه والاصغاء اليه، ومساندة الطفولة وحمايتها ورعايتها والعناية بالأسرة اعتباراً لدورها الرئيسي في ضمان الوئام الاجتماعي، وقد تم ضمن هذا التوجه تحقيق توازن العائلة وسلامتها وصحة أفرادها وتطورت حقوق المرأة الى أن أصبحت شريكا فاعلا في بناء المجتمع وتقدمه.
وجاء العهد الجديد حاملا لمشروع ثقافي شامل يواكب التغيير ويؤسس قيمه ، خدمة للمسار الديمقراطي وارساء للحرية قيمة أساسية للابداع.
فكان العمل على تحرير الثقافة من قيود الفكر الواحد والجمود والتهميش وأعيد الى المبدع اعتباره وفتحت أمامه مسالك الابداع وقد أكد الرئيس زين العابدين بن علي في مناسبات عديدة ان الابداع والابتكار لا يزدهران الا في كنف حرية الرأي والتعبير ترسيخا للديمقراطية والتعددية واحترام الفكر المغاير، وتأكيدا للثوابت التي يقوم عليها مشروع التغيير.
انها رؤية متعددة الجوانب تستند الى التراث وتنبع من الحاضر توثبا الى المستقبل، وقد شهدت سنوات التحول انجازات ثقافية كبيرة في مختلف مجالات الفعل الثقافي فاصبحت تونس عاصمة ثقافية تتحرر فيها الطاقات المبدعة في الأدب والشعر والمسرح والسينما والموسيقى والفنون التشكيلية وغير ذلك من دروب الثقافة.
وتدعم هذا التمشي بقرار مضاعفة الميزانية المخصصة للثقافة وهو قرار تجاوب معه المثقفون والمبدعون فعبروا عن انخراطهم المتجدد والواعي في المشروع الثقافي للتغيير، يسندونه ويدعمون خياراته وتوجيهاته استلهاما من تراث تونس الحضاري ومن تاريخها العريق وحاضرها الزاهر.
ان هوية الشعب التونسي عربية اسلامية تمتد جذورها في ماض بعيد حافل بالامجاد ومتطلع الى أن تكون قادرة على مجابهة تحديات العصر، لذلك تمسكت تونس التغيير بعروبتها واسلامها فتعززت مكانة الدين الاسلامي وحظيت بيوت الله بالعناية وأحيط القائمون عليها بالرعاية اللازمة.
ويعتبر اصدار أول مصحف قرآن في طبعة تونسية فريدة خير شاهد على منزلة الدين الحنيف في عهد التحول يصونه ويحيمه.
ان تونس لكل التونسيين لذلك اعتبر عهد التغيير المواطنين في الخارج جزءا لا يتجزأ من المجموعة الوطنية فأنصت الى مشاغلهم ودافع عن حقوقهم ومصالحهم في البلدان المضيفة وحافظ على صلتهم بالوطن الأم وعزز انتماءهم اليه وشجعهم على الادخار والاستثمار ببلدهم.
وقد عبرت الجاليات التونسية في الخارج عن امتنانها الكبير لهذه الرعاية الرئاسية الموصولة بها فصوتت باجماع قوي في الانتخابات الرئاسية للرئيس زين العابدين بن علي رجل الانقاذ وضامن المستقبل.
لقد انتهجت تونس سياسة متوازنة في علاقاتها الدولية تتسم بالتفتح والاعتدال في ظل التمسك بميثاق الأمم المتحدة والشرعية الدولية، وقد اضطلعت بدور فاعل في عملية السلام بالشرق الأوسط والحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة العربية والاسلامية والافريقية، وتولي تونس أهمية قصوى لاتحاد المغرب العربي باعتباره خيارا استراتيجيا يستجيب لتطلعات شعوب المنطقة وآمالها.
وانطلاقا من هذه القناعة تقوم تونس بدور ناجع في تفعيل هياكل الاتحاد المغاربي الى جانب دعم علاقاتها المتميزة مع الاشقاء والاصدقاء يسودها الوئام والاحترام المتبادل، وتوقفت الى رسم صورة ناصعة لبلد أمين جعلتها تحظى دوما بالاحترام والتقدير والتبجيل ويجسد ذلك انتخاب تونس بالاجماع لعضوية مجلس الأمن الدولي وانصات المجتمع الدولي باهتمام بالغ لدعوة الرئيس زين العابدين بن علي الى بعث صندوق عالمي للتضامن يقوم على مبادئ انسانية تساهم في القضاء على الفقر والجوع في العالم.
هذه تونس في سنوات التحول بلد يدخل القرن القادم باقتدرا، متسلحا باقتصاد قوي ومجتمع متضامن وشباب متعلم وطاقات واعدة,,, بلد آمن يصنع مصيره بذكاء شعبه لا بالحلول والنماذج الجاهزة، انه النموذج التونسي النابع من خصوصية البلد وتاريخه الممتد على ثلاثة آلاف سنة وحضارته العريقة.
ان تونس اليوم غير تونس الأمس، والآفاق أمامها فسيحة ليكون مستقبلها افضل من حاضرها,, مستقبل يبنيه كل التونسيين والتونسيات ملتفين حول صانع التغيير ورجل المستقبل الرئيس زين العابدين بن علي.
انه خيار حضاري تصونه دولة القانون والمؤسسات، خيار لم ينقطع توهجه وما انفك يتأكد من خلال العديد من الاجراءات الاخرى، ومنها خاصة إحداث المجلس الدستوري، ثم ادراجه في صلب الدستور، وتطورت التشريعات لتجعل آراء هذا المجلس ملزمة لجميع السلطات.
وأولى العهد الجديد اهتماما خاصا بالجمعيات توسيعا لمجالات نشاطها، وتعزيزاً لدورها في المجتمع، وتم في هذا الاطار تعديل قانون الجمعيات واقرار يوم وطني لها يكرم فيه رئيس الدولة أصحاب المبادرات الرائدة والجمعيات المتألقة في أنشطتها، وبفضل هذا وغيره، تطور النسيج الجمعياتي في تونس ليرتفع عدد الجمعيات من حوالي 2000 سنة 1987، إلى أكثر من 7 آلاف في عام 1999، وتطور نشاطها ليغطي مختلف المجالات في حرية تامة وفي كنف الحوار الواعي والسلوك الحضاري واحترام القانون ومراعاة المصلحة العليا للوطن.
والديمقراطية في تونس هي تكريس لحقوق الانسان في مفهومها الشامل وأبعادها المتكاملة، والديقراطية مرتبطة وثيق الارتباط بالحرية، وهو ما عمل على تكريسه رئيس الدولة بجملة من القرارات الرائدة، جعلت من تونس واحة أمن وسلام، ومن الرئيس زين العابدين بن علي رمزاً من رموز حقوق الانسان في العالم، تشهد بذلك عديد الهيئات والمنظمات الدولية التي أسندت اليه الأوسمة وجوائز التقدير، اعترافاً له بالاعمال الجليلة التي قام بها في هذا المجال، ومن ذلك الغاء المحاكم الاستثنائية وخطة الوكيل العام للجمهورية، وعقوبة الاشغال الشاقة، واستبدال بعض عقوبات السجن بخدمة لفائدة المجموعة، ومراجعة قانون الايقاف التحفظي، والمصادقة دون تحفظ على اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بمناهضة التعذيب، ودعم استقلالية القضاء، وبعث الهيئة العليا لحقوق الانسان والحريات الاساسية، واحداث جائزة رئيس الجمهورية لحقوق الانسان، ونشر ثقافة هذه الحقوق في المؤسسات التربوية حتى يتوسع الوعي بمعانيها النبيلة، وأبعادها الانسانية.
ولم تقف الاجراءات عند هذا الحد، بل تواصلت مترجمة صدق المسعى وصواب الاختيار لتشمل إصدار مجلة حماية الطفل وقانون يجعل سحب جواز السفر من مشمولات القضاء وحده، اضافة إلى اعلان مراجعة جديدة لمجلة الصحافة بعد تنقيحها في مناسبتين سابقتين، دعماً لحرية الرأي والتعبير، وارساءً لقواعد اعلام وطني حر ونزيه ومسؤول، يعزز الحوار الوطني ويوطد أركان المجتمع المدني ويثبت دعائم البناء الديمقراطي.
وبفضل التوجه السياسي المنتهج، توفر لتونس الاستقرار والأمان، وتحققت المصالحة الوطنية وحصل الوفاق، وتهيأ المناخ المناسب للعمل والانتاج، فكانت الاصلاحات الاقتصادية التي ارتقت بتونس الى مرتبة متميزة ضمن البلدان الصاعدة، بل انها تعتبر من أول المتجهين نحو التلاقي مع البلدان ذات الاقتصاديات المتقدمة، وشهد خبراء العالم وأكبر الهيئات الاقتصادية الدولية بنجاحات تونس الباهرة التي تحققت رغم قلة الموارد وفي ظل ظروف عالمية غير مواتية في كثير من الأحوال، وتلك هي المعجزة التونسية التي صنعها الرئيس زين العابدين بن علي.
لقد اعتمد الاصلاح الاقتصادي في تونس على رؤية موضوعية لواقع البلاد وامكانياتها وتحليل معمق للتحولات الاقتصادية العالمية، فكان برنامجا رصينا هيأ أسباب الانتقال السليم من اقتصاد محمي ومسير الى اقتصاد متحرر ومتفتح على العالم.
ولما كان اقتصاد السوق يرتكز على اطلاق الطاقات وتحرير المبادرة فقد اتخذت الاجراءات الكفيلة بتشجيع الاستثمار الخاص ودعم قدرة البلاد على استقطاب مزيد من الاستثمارات الخارجية المباشرة، وتطورت التشريعات على المستوى الهيكلي والتنظيمي متجسمة بالخصوص في احداث وزارة للتعاون الدولي والاستثمار الخارجي واصدار مجلة موحدة للاستثمار تمنح التشجيعات والحوافز حسب الأولويات الوطنية، وقد ساهم ذلك في ارتفاع حجم الاستثمار الخارجي من مائة مليون دينار سنة 1986 الى أكثر من 950 مليون دينار حاليا، ويتوقع أن يبلغ طيلة المخطط التاسع 2300 مليون دينار، في حين يؤمل من القطاع الخاص أن يساهم بنسبة 56 بالمائة في حجم الاستثمار.
واعتباراً لدور المؤسسة في تنمية الانتاج وتحسين نوعيته وتفعيل مكونات الاقتصاد الوطني تم إقرار برنامج طموح للتأهيل، تبنته حتى الآن أكثر من ألف مؤسسة حصل نصفها تقريبا على اعتماد لجنة التسيير الخاصة باستثمارات فاقت الألف مليون دينار.
ويهدف برنامج التأهيل أساسا الى تعصير أجهزة الانتاج تعزيزا لقدرة المؤسسة على المنافسة ومحافظة على مكانة المنتوج الوطني في الأسواق الداخلية والخارجية.
وشمل برنامج التأهيل القطاع البنكي والمالي حتى يكون سندا قويا للمجهود التنموي وتحسن بذلك الجهاز المصرفي وأصبحت البنوك قادرة على مواجهة التزاماتها المالية وفقا للمقاييس الدولية وستتدعم قدرة النظام البنكي على المنافسة مع نهاية مشاريع الاندماج الجارية حاليا.
كما تحسن وضع السوق المالية حيث تقوم البورصة بدور مهم في جمع الادخار وتمويل الاقتصاد.
وتوسعت دائرة التأهيل لتشمل كل المجالات، وأمكن بذلك للادارة أن تواكب نسق التحول الاقتصادي بتبسيط اجراءات بعث المشاريع وتيسيرها.
وارتقى قطاع المواصلات الى درجة عالية من التطور ونمت في البلاد مشاريع البنية الأساسية فكانت الانجازات في هذا المجال ضخمة تبعث على الفخر والاعتزاز والتباهي.
وفي خط مواز تم اصلاح النظام الجبائي باقرار المعلوم على القيمة المضافة والأداء الوحيد على مداخيل الافراد وأرباح الشركات وفق نظرة منطقية تجمع بين البساطة والنجاعة والعدالة.
وتم كذلك اقرار برنامج تخصيص يهدف الى ارساء آليات السوق على نحو أفضل لضمان الجودة الاقتصادية ولتنظيم عملية تخلي الدولة عن القطاعات التنافسية والحد بالتالي من الضغوط على الميزانية وتخصيص الموارد المتوفرة نتيجة ذلك لتنمية المجالات التي تدخل ضمن البرامج والخيارات الجديدة للدولة، وأصبح مفهوم التخصص مقترنا في تونس بالنجاعة الاقتصادية والشفافية والتوازن.
وتعتبر قطاعات الصناعة والفلاحة والسياحة والخدمات من دعائم الاقتصاد الوطني وقد أولاها الاصلاح جانبا كبيرا من الاهتمام والعناية من خلال اجراءات تتوق الى الارقى فتنوع النسيج الصناعي وتحسنت الانتاجية وتحقق الاكتفاء الذاتي في عديد المنتوجات الفلاحية وتطور اسهام السياحة في دعم مدخرات البلاد من العملة الصعبة.
وسيتم مستقبلا توجيه قطاع الخدمات نحو اختصاصات واعدة اعتبارا لقدرته على الاسهام الفاعل في تعزيز الناتج الوطني الخام.
لقد شهد اقتصاد البلاد انتعاشة كبرى في عهد التحول يجسمها تطور العديد من المؤشرات ، فقد انخفض عجز الميزانية الى حدود 3 في المائة من الناتج الداخلي الخام وهي نسبة مرجعية تطمح اليها العديد من البلدان اليوم، وتقلص عجز الميزان التجاري وتراجع الدين، واستقرت نسبة التضخم في مستويات معقولة، وبلغت نسبة نمو الناتج الداخلي الخام حوالي 5 بالمائة سنويا بالاسعار القارة بينما كان في وضعية متردية قبل سنة 1987، حيث سجل في سنة 1986 نسبة قدرت بناقص 2 في المائة.
وتدل مؤشرات أخرى على الانتعاشة الاقتصادية في تونس اليوم ومنها نمو الصادرات بمعدل 6 في المائة بالاسعار القارة وتطور مدخرات الخزينة من العملة الصعبة، وتضاعف حجم الادخار الوطني أربع مرات بين سنتي 1987 و 1998.
ويبقى انضمام تونس الى منظمة التجارة العالمية وإبرامها لاتفاقية شراكة مع الاتحاد الأوروبي من خير الدلائل على مدى اندماج الاقتصاد الوطني في محيطه الخارجي وقد كسب من المتانة والمناعة ما يجعله يواكب التحولات الاقتصادية العالمية وينخرط في منظومة العولمة ومتطلباتها.
ان العالم يشهد للتجربة التونسية توفقها الى اضفاء طابع انساني على برنامج تعديل الاقتصاد واصلاحه ولقد كانت تونس سباقة الى مقاربة توازي بين الاصلاحات الاقتصادية والاصلاحات الاجتماعية.
|
|
|
|
|