أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Tuesday 7th November,2000العدد:10267الطبعةالاولـيالثلاثاء 11 ,شعبان 1421

الثقافية

ابن كميخ,, رائحة المسك
النهارات مساحة للركض المضني.
المساءات وكعادتها دائماً تسكب الظلمة والحزن في أحداق المدينة,, النوافذ الصغيرة تفضي بأساريرها للشوارع الممهورة بالضجر,, أعمدة النور تنزف الضوء في الهزيع الأخير من الليل.
***
في الليل الموقد يلملم حكايا الحزن والبحث عن اللقمة من أفواه الرجال,, يدلق بعض الدفء على الأوصال البادرة, وتفوح رائحة الجنزبيل,, تذكر الرجال عصر هذا اليوم أنهم دسوا ابن كميخ في حفرة من الأرض وسكبوا عليه بعض دعاء.
أحدهم أسلم عقريته للغناء.
ياوارد الماء اسقني شربيت
واللي سقاني ما يخاف الله.
عندما جفت في حلقه بقايا أغنية دار لغط مكتوم وبهمس.
قال رجل: هل قتل ابن كميخ وجف ليل الحارة من النشيد؟
آخر قال: سيضيع دمعك في كل زوايا الحارة وستُصب اللعنات على من أهرق دمك.
آخر قال: ستعرف الشرطة من هو القاتل حتماً.
ذو الأنف المعكوف قال: جاء غريباً وذهب وحيداً.
قال الذي قرأ سر الأشياء ربما قتله شيخ القرية.
فترة صمت.
الخوف عندما يسكن نبض الأوردة يجعل قلوب الرجال لها وجيب.
***
كان أولاد الحارة يقعون أمام الأبواب بملابسهم القذرة في انتظار ابن كميخ لكي يدس في أيديهم قطع الحلوى.
نساء الحارة كانت قلوبهن تخفق عندما يغني بصوته الأجش.
***
الفوضى تشكل تفاصيل غرفتي وأنا مازلت مسلماً جسدي للفراش والحمى تجلد ظهري المتهاوي.
حاولت أن أجلس بصعوبة جلست حدقت في زاوية الغرفة كان ابن كميخ جالسا على ركبتيه كعادته.
ضحك,, عندما يضحك يرتعش كل جسده كأنما يريد أن يطير.
تمتم بكلام لم أفهمه ثم انصرف.
***
دفنت خطواتي في شارعٍ متهالك، وقفت في منتصف الطريق، جاء ابن كميخ بقامةٍ كأنها النخيل, اقترب مني,, قال لي بصوت متهدج: ذات صباح التهمت عيناي سطور كتاب عتيق فتلوثت اصابعي بالحبر حاولت الغناء فانشرخت حنجرتي دون مبرر اجتمع الناس حولي واشرعوا آذانهم لي,, خفت,, ارتبكت كانت أغنية قديمة تنخر الذاكرة، الناس يدقون بأرجلهم الأرض الغبار يعلو,, يعلو أسلمت ساقي للشارع الخلفي,
ذات صباح آخر.
قررت أن أغني لكن وجوه الناس كانت مستطيلة باردة حاولت أن أبحث عن الوهج في أعينهم لكني فشلت ها ها ها دائماً أفشل.
ذات غبش أسلمني الطريق إلى باب المسجد القديم رائحة البخور تستبد بالمكان انتصبت للصلاة, الإمام سكب صوته الندي في أذني وحين انتهت الصلاة كنت وحيداً فتشت عن أحدٍ ولم أجد.
كلمات ابن كميخ سهام تنخر أذني.
مط شفتيه وقال بارتباك: دائماً تخذلني قواي عندما أرى عسكرياً يلبس الكاكي.
مرة قابلت شرطياً فارتعدت فرائصي فاجأني بسؤال لماذا أنت ملوث ياولد؟
قلت: الصباح يوجعني.
قال: لا تقلق سنعتقل الصباح بتهمة فضح الاسرار, ضحك بصوت نحاسي وذهب.
قلت: لابن كميخ لماذا تعبر الشوارع رائحة المسك عندما تجيء؟
رماني بنظرة باردة وانغمس في الظلام كأنه ريشة طائر أبيض.
عادت الحمى تجلد جسدي المتهاوي من جديد، والذكريات هذيانٌ مستمر.
طلق المرزوقي
أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved