| مقـالات
تشير الإحصائيات والتقارير من وقت لآخر بأن نسبة لا يستهان بها من شباب هذا الوطن تقع صريعة سنوياً من جراء الحوادث المرورية, والفئة العمرية لها هي ما بين (18 30) سنة وهذه الشريحة تمثل القاعدة العريضة التي تعلق عليها الآمال في الهرم السكاني, وقد قدرت وفيات حوادث السير بحوالي أربعة آلاف حالة وفاة سنوياً, يضاف لها نسبة كبيرة من المصابين تتفاوت اصابتهم ما بين إعاقة كاملة أو جزئية بالإضافة إلى الخسائر المادية الأخرى, وقد وجد ان من أهم الأسباب المؤدية لهذه الحوادث المفزعة السرعة الجنونية، والاستهتار بالقيادة، وغياب التطبيق الفعال للأنظمة المرورية في حق المخالفين!!؟ وعدم الأخذ بوسائل السلامة وإهمال التعليمات والإرشادات المرورية وعدم المبالاة بها, فكم من عوائل فقدت بسبب سائق متهور طائش وكم من طلاب وطالبات دهسوا بسبب سرعة سائق وعدم اكتراث بالمشاة، وكم، وكم,, الخ, ان النظام لوحده لا يكفي مهما كان شاملا ومدروسا بعناية إن لم يصاحبه تطبيق حازم وصارم للعقوبات وهذا من أجل سلامة المواطن والمقيم والحفاظ على مقدرات هذا الوطن ولهذا فإنه من الخطأ الفادح التساهل في تطبيق مواد النظام المروري، فعملية الهدم أسهل من البناء فيجب ان نحرص على البناء السليم وصيانته والحفاظ عليه متمسكا قوياً.
ولا شك ان هناك العديد من العوامل الأخرى المؤثرة على استمرار النزيف البشري والمادي لحوادث السيارات في المملكة، منها ما هو متعلق بفعالية الأنظمة والإجراءات والجزاءات المرورية المطبقة حالياً ومدى فاعليتها وتحقيقها للأهداف المرجوة ومنها ما هو متصل برجل المرور، والدور المتوقع منه في ظل أهداف ومهام عمله ومسؤولياته، ومنها ما هو متصل بمستوى الوعي لدى السائق في كل ما يتعلق بالمركبة وسلامة الآخرين ووسائل السلامة واحترام التعليمات والإرشادات المرورية وواجبات القيادة المثالية على الطرقات.
ولا ريب ان تحقيق أهداف وغايات أجهزة المرور بالمستوى الذي يطمح إليه وينشده المواطن والمسؤول، يعتمد بعد توفيق الله سبحانه وتعالى على نوعية العاملين في أجهزة المرور من حيث التأهيل والقدرة على العطاء والتطوير وتقدير المسؤولية وتفهم التعليمات المرورية بدقة وتطبيقها على المواطن والوافد والكبير والصغير وأيضا ان يكون رجل المرور قدوة في تصرفاته أثناء القيادة والتعامل مع الآخرين, وبفضل الله يوجد لدى أجهزة الأمن العام من الكفاءات المتميزة القادرة على العطاء المثمر، ولعل رفع مستوى العاملين في الميدان من منسوبي المرور وأمن الطرق والدوريات جدير بالاهتمام، من خلال تصميم البرامج التدريبية المناسبة وفق الاحتياج الفعلي وإتاحة الفرصة لهم للانخراط في هذه البرامج التدريبية، هذا إلى جانب أهمية قياس وتقويم الأداء للوقوف على مستوى الإنجاز، وكذلك وضع نظام للحوافز لتكريم المتميز في أدائه، وأيضا معاقبة المقصر في واجباته, إن رجل المرور مطالب بأن يكون أكثر فاعلية ومشاركة في تطبيق الأنظمة المرورية بكل حزم وان يحرص العاملون في الميدان على توثيق ما يرونه من أوجه القصور في النظام ورفعه للقيادات المرورية والأجهزة المعنية بالتطوير لمعالجته.
وغير ذلك من توفر وسائل السلامة عند إنشاء الطرقات والتقاطعات والأنفاق ومناسبة مواقع الإشارات الضوئية ومدى تصميمها وفق المعايير الدولية المتعارف عليها في مجال سلامة هذه الطرقات مروريا ومدى شموليتها على الخدمات التي يحتاجها عابر هذه الطرقات يعد أمرا في غاية الأهمية, وتحديد ما يحتاجه رجل المرور من التكنولوجيا الحديثة وتوظيفها في مجال ضبط المخالفين الذين لا يحترمون التعليمات المرورية من تجاوز سرعة وقطع إشارة ومن رصد للحركة المرورية على مدار الأربع والعشرين ساعة وتحديد الاختناقات المرورية.
لا شك أن للأنظمة والإجراءات المرورية الجيدة وما يصاحبها من تفاعل لرجل المرور وتواجده من حيث الزمان والمكان الأثر الإيجابي بمشيئة الله على خفض نسبة وقوع الحوادث، وعلى تنظيم حركة السير بكل يسر وسهولة, ومن مهام رجل المرور رفع مستوى الوعي لدى السائقين والمواطنين وأهمية اتباع أنظمة وتعليمات المرور ومنها على سبيل المثال: تحديد السرعة المسموح بها على الطرقات، والكيفية المثلى للاستخدام الأنسب للطريق وفق المسارات المتاحة وكيفية تعامل قائد المركبة في حالة وقوع خلل فني في مركبته وتحديد المكان المناسب للوقوف الاضطراري، وربط حزام الأمان،وأفضلية العبور والتجاوزات وغير ذلك من القواعد والتعليمات التي تنظم وتضبط الحركة المرورية وترفع من معدلات السلامة, إن وجود أنظمة وإجراءات مرورية لا يمكن ان تؤتي ثمارها وتحقق الأهداف المرجوة في ظل غياب تطبيق آلية دقيقة للمتابعة والتقييم الشامل من قبل الأجهزة المعنية، لتحديد مواطن الضعف في الأنظمة والإجراءات، وكذلك مواطن القوة للاسترشاد بها وتعزيزها, وبكل أسف نجد كثيرا من الأنظمة والخطط والمشاريع التطورية الإدارية يغيب عنها في كثير من الأحيان تلازم آلية التنفيذ العملية وكذلك عملية التقويم المستمر، لتحديد وتقويم نقاط القوة والضعف، وهذا أدى إلى اتساع الهوة بين محتوى النظام وواقع التطبيق الفعلي.
ما هي العقوبة التي يمكن ان تردع السائق غير المبالي بالتعليمات المرورية وغير المكترث بمشاعر الآخرين بما يسببه من فواجع مؤلمة وهدر في أغلى ثروة يحتاجها وطننا،ثروة إنسان هذا الوطن الكريم، علاوة على الأضرار الاقتصادية والاجتماعية؟ صحيح ان النظام حدد عقوبات على المخالفين، لكن واقع الحال لا يعمل بها إلا في حالات محدودة والتركيز فقط على الجانب المادي المتحصل عليه من جراء هذه المخالفات، وهنا تبدو لنا العقوبة غير رادعة لهذه الفئة المتهورة غير المبالية وغير المحترمة لتعليمات القيادة الصحيحة، علاوة على ما تسقطه الواسطة من عقوبات كإطلاق سراح المخالف بعد توقيفه بساعة أو أكثر قليلاً مما يشجع هذه الفئة لارتكاب مخالفات أخرى ولهذا ينطبق المثل القائل: من أمن العقاب أساء الأدب , فلو أن هؤلاء المتهورين واللامبالين بأنظمة وإرشادات المرور اتيحت لهم الفرصة بالإقامة في أحد البلدان الأخرى المتميزة بحزم ومتابعة رجل المرور لالتزموا بحذافير أنظمة وقواعد المرور في ذلك البلد ولم يحيدوا عنها البتة، وهذا ما يجعلنا نقف ونتساءل هل المشكلة في النظام نفسه؟ أم الجهات المعنية بالتنفيذ من أفراد وضباط؟ أم في المجتمع؟! وهذا يقودنا إلى تساؤل آخر ألا يمكن ان يكون هناك حملة تثقيفية توعوية للضباط والأفراد لتعريفهم بما هو مطلوب منهم على غرار الحملة الموجهة للمواطن والمقيم؟.
لا أود في هذا المقال الدخول في تفاصيل مدى فاعلية الأنظمة والقواعد والإجراءات المرورية المطبقة في هذا البلد الطيب، ونحن على يقين تام أن الجهة المختصة تبذل جهوداً كبيرة في سبيل تطوير وتفعيل هذه الأنظمة, وما يهمني في هذا العجالة هو التركيز على موضوع إعادة النظر في توعية وتأهيل الأفراد والضباط العاملين في أجهزة المرور والشرطة وأمن الطرق لتحمل المسؤولية الملقاة على عاتقهم وتفهم الدور المطلوب منهم وغرس الولاء والإخلاص في العمل والحرص على تطبيق النظام وكل ذلك من أجل سلامة أفراد هذا المجتمع بما في ذلك سلامة أبناء رجال المرور, ولهذا تبرز الحاجة الماسة إلى وقف النزيف البشري والمادي الناتج عن المخالفات المرورية الخطيرة وتوظيف الإمكانات المتاحة للعمل على الحد من انتشار السلوكيات غير المقبولة من قبل السائقين وممن يعملون على كسر الأنظمة, وكذلك يتم وضع آلية دقيقة للمتابعة والتطبيق ووضع القواعد والجزاءات الرادعة لمن يعمل على كسر الأنظمة المرورية من قبل العاملين من ضباط وأفراد وأيضاً للمخالفين من السائقين, وفي حالة تكرار المخالفات يتم إما سحب رخصة القيادة بشكل مؤقت أو نهائي إلى الإيقاف أو السجن أو طلب المغادرة من البلاد للمخالفين الأجانب، وفي المقابل ربما كان من المناسب التفكير في تكريم السائق المثالي الذي أمضى مدة من الزمن بدون أي مخالفة مرورية، لما لذلك من مردود إيجابي على زيادة الوعي بمبادئ السلامة والقيادة المثالية، وإيجاد نوع من التنافس بين السائقين لجعل سجلاتهم المرورية خالية من المخالفات وهذا ينعكس إيجابا على سلامة الجميع وربما يعطي السائق المثالي بعض المزايا الأخرى في حالة تجديد الرخصة أو استمارة السيارة.
هذا وبالله التوفيق،،،
|
|
|
|
|