| الريـاضيـة
قال أجدادنا العرب قديماً:
رب عالم مرغوب عنه، وجاهل مستمتع منه !!
تذكرت ما قاله الأجداد,, بعد أن شاهدت على الشاشة الفضائية نموذجاً للعقلية الأمية عندما تتصرف، عندما تتعامل مع الحدث، عندما تتنطع وتتداخل في اختصاصات الغير، وعندما لا تدري ان كل شيء قد تطور وتغير,.
الذي حدث على الشاشة، تمثل في تصرف قد ولى زمنه وزمانه ومبرره، عندما قام أمين اتحاد الكرة بـ جر لاعب المنتخب الشلهوب من أمام المذيع أثناء اجراء مقابلة قصيرة معه على الهواء مباشرة,, من ملعب بيروت آسيا 2000,, وبطريقة تذكرك بـ وكيل المدرسة من عينة أيام زمان المتسلح بعصا وأساليب التعامل الكتاتيبي الذي انفرط زمانه ومكانه,، جر الأمين بيده ال ورع ,.
وبطريقة يا الله,, قدامي ,,, ! .
الشلهوب لاعب ونجم منتخب ,, بنظر وتعامل منظومة العلم الرياضي الحديث,, وليس ورع بعرف وعقلية كل الحاملين لشهادات المعاهد التكميلية وخريجي كشافة الأيام الخوالي.
ولأنه كذلك,, ظن الدهام بعقلية التقليدي ان ما يفعله صح ,, لكونه ما زال يعيش بعقلية نزعة الوصاية ,, فتعامل مع لاعب محترف,, بطريقة الوصي ، وبأسلوب ما أظنه معمولا به لدى الآخرين,.
فالشلهوب وأي لاعب في المنتخب في حقبة الزمن الألفي الجديد,, يختلف في الزمان والمكان والصفة والحقوق والاستقلالية,, والنضوج عن أي لاعب هاوي ,, أيام زمان.
فاللاعب المحترف له صفته واعتباريته التي لا تعطي أحداً الحق في التدخل أو التداخل مع قراراته ورغباته,, التي هي حق مكتسب له وتحترمه كافة العقول المتحضرة ممارسة وقيمة.
ما لم يعه ويدركه صاحب العقلية التقليدية ان منظومة الرياضة السعودية الحديثة لم تعد في مرحلة الحضانة بل باتت في مرحلة الرشد والنضوج بفضل ملحمة التنمية السعودية الناجحة، حتى باتت إحدى أنجح التجارب التنموية المعاصرة والحديثة أفقياً ورأسياً.
ومرحلة الرشد تعني في جانبها الرياضي وفيما يتعلق باللاعب تحديداً اعطاء الثقة وتدعيمها لدى العنصر الرياضي فهو أي اللاعب الذي يعيش في زمن الرياضة السعودية الرشيدة يعرف ما يضره، وما ينفعه، ولعل الأخذ بالاحتراف يكسب الثقة مداً مطلقاً، بل لعل فلسفة الاحتراف تكمن في هذه النقطة المركزية.
لم تع العقلية التقليدية أن تصرفها الأحمق اسلوباً ومبرراً فيه ضرر على اللاعب وتجن على حقوقه وتطاول على شخصيته الاعتبارية والتسبب في احراجه أمام المشاهد,, حيث ظهر كما لو أنه ماعز تجر دون أن تدري أو تريد,, أو تقبل!
في زمن منظومة الرياضة الحديثة، وحركة الرياضة السعودية الراشدة تعطي الثقة باللاعب الذي صار محترفاً وتشرف في أن يكون لاعب منتخب,, من خلال التعامل الحضاري والعلمي القويم ,,، فلو أن الشلهوب وأي لاعب طلب منه مثلاً عدم الحديث للإعلام,, وفعل عكس ذلك,, فإن التصرف الحضاري والعلمي والحقوقي لا يبيح فعل ما فعلته عقلية الدهام أمام الشاشة وعلى الهواء مباشرة,,
بل إن التعامل الحضاري العلمي في تعامله مع ما حدث للشلهوب يفرض الانتظار حتى انتهاء اللاعب من مقابلته التلفزيونية وهو خيار ولا يحق لأحد اقتحام لحظاته ,, ثم يطلب منه ما يريده ويحاسبه على ما قام به أو ما قاله أو ما لم يقله,.
أدرك أنا شخصياً أن الشلهوب وهو الحاصل على الشهادة الثانوية,, وليس الكفاءة! يملك من المعرفة العلمية مع الأسف أكثر مما لدى أمين اتحاده الكروي (!) وانه أي الشلهوب كلاعب محترف يدرك ويعرف ما يمكن أن يقوم به، فهو رجل راشد ولاعب راشد يدرك ويعرف ما يمكن أن يقوم به، ويفرق ما بين المسموح به والممنوع عنه، وإذا ما كان قد طلب من اللاعبين عدم الحديث للإعلام,, من عدمه.
ولو نظرت إلى تداعيات ما فعله التصرف الأخرق من زاوية مدى انعكاس مثل هذا التصرف الذي شاهدته الملايين على الهواء مباشرة في كافة الأقطار العربية، فإنه مع الأسف كان بمثابة التشويه لصورة المسؤول الرياضي السعودي عند الآخرين، الذي قد يوهم من لا يعرف حقيقة نضوج وراشدية وعقلية التنمية السعودية من أننا قوم نمارس أنماطا مستهجنة حضارياً وانتفى زمانها ومبررها في تعامليتنا مع الكوادر واللاعبين,, ونحن غير ذلك حقيقة وواقعاً وتعاملاً.
إذا أردنا أن نفتش عن أسباب ما حدث في بيروت للكرة السعودية من اكتشاف متأخر للأخطاء التي أفقدت الكرة السعودية لقبها، وكادت أن تفقدها توازنها,, وهيبتها,, لولا تدخل القيادة الرياضية في الوقت المناسب واحتواؤها للأمور في اللحظة الأخيرة.
أقول، ان أردنا أن نكتشف موقع الخلل، فما علينا إلا النظر إلى موقع واحد,, ان صلح صلحت أمور الكرة وأوضاعها، وإن تخلف تلخبطت وتخلخلت الأوضاع,, أقصد: أمانة اتحاد الكرة وأجهزتها,, الضعيفة,, المحدودة القدرة تنظيماً وكوادر,, والمفرغة من الكوادر والخبرات العلمية والمؤهلة والمتخصصة في علوم الادارة والمحاسبة والاحصاء وعلوم الرياضة الاكاديمية هناك 65 تخصصا أكاديميا رياضيا!! .
أمانة اتحاد الكرة لا تمتلك الأجهزة المتخصصة التي تحتاجها منظومة أي جهاز يتعامل مع كرة القدم الحديثة، والتي من المفترض ان يشغلها متخصصون أكاديميون وتواجد خبرات مؤهلة ومعدة اعداداً علمياً في شؤون الكرة فنياً وادارياً تشغل كراسي ومناصب وادارات أمانة اتحاد الكرة وأجهزتها التنفيذية بديلاً من مجموعة فاقدي الشرط العلمي الذي تستوجبه سنة التطور الحضاري الحديث! .
لمن قد يشك فيما أقوله، ما عليه للتأكد من حقيقة ذلك,, على الواقع ,, ما عليه إلا أن يضع مقارنة ما بين ما يتواجد في أمانة اتحاد الكرة من أجهزة وكوادر وآليات تنتسب إلى الإدارة العلمية الحديثة كما درستها لنا الجامعة,, وليس غير ,, وما بين ما يتواجد لدى اتحاد الكرة الياباني .
الذي سيفعل المقارنة المعيارية,, سيفجع كثيراً,, وهو ما سأفجع به المتابع الكروي في مقالة قادمة ستتجول في ردهات اتحاد الكرة الياباني,, ذي ال 5000 ناد!!
آن الأوان إلى احداث غربلة جذرية في أجهزة اتحاد الكرة التنفيذية، معيارها التخصص العلمي، بالذات وقد باتت بلادنا وأنديتها يتوافر لها ولله الحمد الكثير,, الكثير من الكوادر المؤهلة اكاديمياً في كافة العلوم الادارية وفروعها والعلوم الرياضية ونشاطاتها بل ان بعضها قد لا يجد وظيفة! فمن يمكن إلحاقهم بدورات اعدادية تجعل منهم ذخيرة تشكل منها كافة طواقم أجهزة اتحاد الكرة التنفيذية,, بديلاً مما ظل الدهام يكومه لنا طوال عقود مضت من الزمن من حملة الكفاءة والدبلومات التي ,, تجاوزها الزمن ولم تعد قادرة ولا مقتدرة على مواكبة متطلبات المرحلة الجديدة.
هذه التأسيسية الجديدة لأجهزة اتحاد الكرة القادم تفرضها معادلات الحاضر الرياضي الحالي، حيث السبق والبروز في ميدان التنافس الكروي العولمي تحتاج مجاراته والتزاحم التنافسي فيه إلى تواجد العلمية الإدارية كوادر وأنظمة وآليات وتقنيات تحتاجها أسس التخطيط العلمي الصحيح والراصد لمستجدات وجديد تطور العمل الرياضي في حقبة جديدة من عمر البشرية,, ومن أجل ترتيب مسيرة وانجاز وتحقيق طموح الكرة السعودية الحديثة,, الجديدة.
كل عشم جماهير الكرة السعودية مصوب بصره وأمله ناحية القيادة الرياضية الواعية لمتطلبات المرحلة الجديدة التي نعيش بدايات خطواتها مع بدايات قرن جديد لا ينفع فيه إلا العلم,, والمتعلمون المتخصصون.
في بيروت، اكتشفنا معدن الكرة السعودية، أقصد,, امكانيات اللاعب السعودي المحترف، الذي أثبت انه يملك مخزوناً وافراً من تقدير المسؤولية وقلب الطاولة في وجه الحدث المعاكس.
واكتشفنا ان المنتخب السعودي في بيروت لو قدر ان كان له جهاز اداري منتم إلى منظومة الرياضة العلمية الحديثة وممتلك لشروط الاداري المتخصص والمؤهل لاستطاع ان يؤكد زعامته على الكرة الآسيوية.
واكشفنا أيضاً وأيضاً أن التخلف الذي تعيشه أمانة اتحاد الكرة كاد ان يصرع الكرة السعودية وهيبتها لكونها تفتقد لادوات وآليات الرصد والمتابعة والتقييم وعاجزة عن توفيره أو حتى التعامل معه,, وبطريقة فاقد الشيء لا يعطيه .
لولا تدخل القيادة الرياضية المحنكة,, لدفعت كرة آسيا الرشيقة ثمن تواضع أجهزة تعيش في زمن ما قبل التنمية السعودية الحديثة,, طور الله حالها وأحوالها.
سأكتفي بما قاله الأمير فيصل بن عبدالله العقلية الرياضية الناضجة في مقالة حكيمة كتبها في الزميلة الرياضية يقول فيها: يجب ان نتساءل لماذا أو كيف ومن السبب في ايصالنا إلى هذه المواقف التي نعلق فيها الاخفاق على المدرب العالمي الذي اخترناه .
ويدعو الأمير في مقالته إلى اختيار اتحاد الكرة لمجموعة مسؤولة ومتخصصة من داخل البلاد ومن جهات أجنبية بتمثيل متساو مع مسؤولين من الرئاسة للنظر بأمانة ودقة بوضع المنتخب وبناء استراتيجية واضحة ومستقبلية على ضوء تجاربنا الماضية وخصوصاً ان أمامنا كأس العالم 2002 .
لعل أول خطوة لتحقيق هذا الرأي وغيره من آراء عديدة ومتعددة تصب في خدمة الكرة السعودية,, بل وأحوج ما تحتاجه والذي لا مفر منه,, ان تتوافر لدى كرتنا منظومة ادارية وعلمية تمتلك قدرات وامكانيات التعامل مع بناء الاستراتيجيات التي ان لم تكن متوافرة لاية منظومة كروية,,
قل عليها السلام ,,, !.
هل تمتلك أجهزة اتحاد الكرة التنفيذية كوادر مؤهلة في مختلف العلوم ذات العلاقة باللعبة الرياضية تستطيع التعامل مع استراتيجيات تطوير الكرة الحديثة وملاحقة تجددها العولمي؟!
يا سمو الأمير,, فكل معين أمانة الاتحاد الادارية مجموعة من حملة الكفاءة,, فيما لا يتواجد أمثال سعود الحمالي والدكتور عبدالرحمن القحطاني ونايف مرزوق ود, صالح العميل وفيصل البدين ود, عبدالعزيز المصطفى وغيرهم بالعشرات,, من رياضيين يحملون الشهادات العلمية في مختلف العلوم الأكاديمية التي تحتاجها ادارة وتخطيط ومتابعة وتنظيم أية لعبة رياضية في زمن الألفية الثالثة.
بالفعل,, ما سر عدم تواجد الكوادر المؤهلة تأهيلاً اكاديمياً من اللاعبين والرياضيين وما أكثرهم,, وما أكثرهم في أجهزة أمانة اتحادنا ,,,!؟
كذلك,, هل سمعتم، هل حضرتم، هل شاركتم في حوار أو ندوة أو طاولة نقاش أقامتها أمانة اتحاد الكرة لتداول شؤون وشجون الكرة السعودية واتاحة الفرصة لمطارحة ومناقشة وتبادل الآراء والمرئيات للجميع,, وأمام الجميع,, واكتشاف ما يفيد,, وما قد يعين,, لماذا لم يحدث مثل ذلك,, أبداً ,,, ؟!
ليس المهم الآن ,, لماذا، بل الأهم: إلى متى؟!
يقول الدكتور علي الغامدي عضو اللجنة العلمية بالاتحاد السعودي للتربية البدنية والرياضية في مقالة في غاية الأهمية كتبها في الزميلة الوطن إن هناك حربا ضروسا خفية يشنها أصحاب المناصب باستمرار على المتخصصين الاكاديميين في شؤون الشباب وعلوم الرياضة ! علماً بأن هؤلاء المتخصصين قد قضوا جل حياتهم في الدراسة التخصصية والعمل في مراكز البحوث التابعة للجامعات والحكومة فتجد أصحاب المناصب يوصدون في وجهك كل باب ويسدون كل منفذ حتى لا تصل إلى الشخص القيادي فتطرح بين يديه بضاعتك فينفضحون بذلك وتظهر سوءاتهم!.
ويشير الدكتور الغامدي في مقالته إلى المسببات التي تعيق التطور الرياضي والتي منها إسداء الأمر لغير أهله من جيوش الموظفين في مؤسسات الرياضة والشباب ممن لا يحملون مؤهلات علمية أو فنية ذات علاقة بطبيعة العمل في مؤسسات الرياضة والشباب, كما انه لا توجد قواعد معلومات أو أي نوع من الحصر للكفاءات العلمية في مجالات البحث العلمي التخصصي والعلوم ذات العلاقة المباشرة بالعمل الشبابي والرياضي.
يظل الزميل القدير نبيه ساعاتي من الأقلام الرياضية المحترمة والممتلكة لمقومات الكاتب المفيد علمياً واخلاقياً واحد كوكبة الكتاب المستنيرين والمؤمنين برسالة الرياضة وقيمها، وليس من أولئك الذين يقذف بهم مدرج الكرة إلى دهاليز الصحافة كمشجعين يفتقدون للعلم وللعلمية فتحولوا بقدرة واحد أحد إلى كتاب وصحفيين يؤخرون ويعطلون أكثر مما يدعمون ويبنون.
يقول الزميل الساعاتي ما مفاده: لقد اخفق منتخبنا للناشئين ثم فشل منتخب الشباب,, كل هذه الشواهد والثوابت انما تؤكد ان منهجية الكرة السعودية تسير في اتجاه خاطئ يحتاج إلى تدخل عاجل لتدارك الموقف,, الأمر الذي يدفعني للجزم ان الهيكل الاداري باتحاد الكرة سيشهد تغييرات جذرية تمتد إلى الاسماء التي أمضت ثلاثة عقود قدمت خلالها عصارة جهدها ولم يعد لديها اضافة تتواكب مع المستقبل الذي يحمل في جنباته مخاطر العولمة وتحديات الخصخصة وهي سمات الألفية الثالثة التي نعيش أول أيامها والتي تتطلب اشراك الشباب الذين تلقوا من العلم قسطاً يجعلهم أكثر قدرة على تفعيل النهضة الرياضية العارمة التي تعيشها بلادنا الحبيبة ,
تركي ناصر السديري
|
|
|
|
|