| عزيزتـي الجزيرة
عزيزتي الجزيرة
يظن بعض الآباء انه كلما دخل بيته عابس الوجه عاقد الجبين مقطب الحاجبين وكلما شاهده أطفاله سكتوا خوفا، ولاذوا صمتا وتواروا رُعبا فإن ذلك دليل قاطع على قوة شخصيته، وعلو مكانته، وصلابه شكيمته.
ونقول لهؤلاء : إن البيئة الاجتماعية التي يعيش فيها الطفل منذ ان يرى النور تشكله اجتماعيا وتحوله إلى شخصية اجتماعية متميزة.
ومن الخصائص البيئية الخالصة: (المعايير الاجتماعية، والقيم الأخلاقية، والتعاليم الدينية) ويمكن تنشئة الابناء عليها بسهولة ان اتسمت تصرفاتنا معهم بالرفق، وسلوكنا معهم باللين بعيداً عن الغضب، والعصبية، وعبوس الوجه، وتقطيب الحاجبين.
فالمعاملة مع الاطفال لابد ان تتسم بالرفق، واللين والهوادة، والصبر، والسكينة، حتى لا يصابون بعقد نفسية يصعب محوها او أمراض اجتماعية يصعب الشفاء منها فعن عائشة رضي الله عنها قالت ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه , رواه مسلم.
وعن جرير رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: مَن يُحرم الرفق يُحرم الخير رواه مسلم وكثيرة هي المواقف التي علمنا فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم الرحمة بالاطفال والرفق بهم فهو القائل: ليس منا مَن لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا رواه الترمذي.
وقد كان عليه الصلاة والسلام ارحم الناس بالاطفال حتى ابناء الكفار الذين يحاربهم فكان من وصاياه صلى الله عليه وسلم لقواده: اغزوا باسم الله,, ولا تقتلوا وليداً رواه مسلم.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ضربت غلاماً بالسوط فسمعت صوتا من خلفي، فإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: اعلم يا أبا مسعود أن الله أقدر عليك من هذا الغلام رواه مسلم.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ما رأيت أحدا كان أرحم الناس بالعيال من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كان إبراهيم مسترضعا له في عوالي المدينة فكان ينطلق ونحن معه فيدخل البيت وانه ليُدخن، وكان ظئره قينا أي حداداً فيأخذه فيُقبله، ثم يرجع فلما توفى إبراهيم قال رسول صلى الله عليه وسلم: إن إبراهيم ابني وانه مات في الثدي وإنه له لظئرين تكملان رضاعه في الجنة رواه مسلم والظئر هو زوج المرضعة، وتسمى المرضعة أيضا ظئراً .
من الاحاديث السابقة نستدل على ان الله سبحانه وتعالى إنما سكب في قلب نبيه الحلم والرفق وفي خُلقه الإيناس والبر، وفي طبعه السهولة والرفق، مما جعله اذكى عباد الله، وأوسعهم عاطفة، وأرحبهم صدراً.
ولقد كان لهذه التربية السامية اثرها العظيم فلأنت أشد القلوب قساوة (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك، فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الامر) آل عمران 159 .
والرحمة صفة المولى تباركت اسماؤه فرحمته شملت الوجود وعمت الملكوت ولذلك كان من صلاة الملائكة: (ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما، فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم) غافر 7 والله سبحانه وتعالى هو الرحمن الرحيم وقال في الحديث القدسي: (إن رحمتي تغلب غضبي).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عائشة إن الله رفيق يحب الرفق ويُعطي على الرفق مالا يعطي على العنف، ومالا يعطي على سواه رواه مسلم.
وروي عن أم الفضل زوجة العباس بن عبدالمطلب مرضعة الحسين رضي الله عنه قالت: أخذ مني رسول الله صلى الله عليه وسلم حُسيناً أيام رضاعه فحمله فأراق ماء على ثوبه، فأخذته بعنف حتى بكى فقال صلى الله عليه وسلم: مهلا يا أم الفضل: إن هذه الاراقة الماء يطهرها، فأي شيء يزيل هذا الغبار عن قلب الحسين؟ .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إن الأقرع بن حابس أبصر النبي صلى الله عليه وسلم يُقبّل الحسن فقال: إن لي عشرة من الولد ما قبلت واحداً منهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه مَن لا يرحم لا يُرحم رواه مسلم.
هذا وقد تأخذ الرحمة الحقة أحيانا طابع القسوة بغرض التأديب والتربية والتعليم دون ان تكون طابعا مميزاً للوالدين أو المربين في تعاملهم مع الاطفال.
قال الشاعر :
فقسا ليزد جروا ومَن يك راحماً فليقس أحياناً على من يرحم |
إن القسوة التي استنكرها الإسلام - جفاف في النفس لا يرتبط بمنطق، إنها نزوة تتشبع من الإساءة والإيذاء.
ولقد حذر كثيرون من علماء النفس والتربية من مغبة هذه القسوة في التعامل مع الاطفال لما لها من آثار نفسية سيئة لانها تشعره بأنه غير محبوب، وغير مرغوب فيه، يعاني من الجوع العاطفي ويصبح سيئ التوافق مضطرباً نفسياً.
ولقد قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه: مَن لانت حكمته وجبت محبته .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ان رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أوصني: قال لا تغضب فردد مراراً قال: لا تغضب إن الغضب الدائم للأبوين أو لأحدهما يؤدي إلى اضطراب المحيط العائلي وتفشي المنازعات بين الوالدين يحرم الطفل من الاستقرار والشعور بالأمن والطمأنينة فيفقد الثقة بالنفس.
فكلما كانت العلاقة الزوجية علاقة معنوية روحية يتوفر فيها الاشباع الجسدي، والطمأنينة النفسية ويتحقق معها المودة والوفاء والتكافل والتراحم انعكس ذلك خيراً على الابناء وساهم في تنشئة الابناء تنشئة سليمة صالحة ذلك ان التجارب اثبتت ان الطفل الذي يعيش بين ابويه في هذا الجو الاسري المفعم بالحنان والمتسم بالتراحم يكون اقوى جسماً وأقوى عاطفة من غيره الذي لا ينعم بمثل ذلك لأن ما ينبعث من الوالدين من رحمة ومحبة فياضة وحرص على الولد ومستقبله، وما يبادلهما الولد به من محبة بريئة كل هذا يجعله يتأثر بهما ويحاول ادماج نفسه مع نفسيهما فتتهذب بذلك غرائزه من غير تعب عصبي ولا إرهاق نفسي,إن إشاعة الجو العاطفي في محيط الاسرة يكون (بالابتسامة)، فالضحك (المعتدل) بلسم للهموم، ومرهم للاحزان، له قوة عجيبة في فرح الروح، وكان صلى الله عليه وسلم يضحك أحياناً حتى تبدو نواجذه، ولكنه ضحك بلا إسراف فإن كثرة الضحك تميت القلب,ولقد كان صلى الله عليه وسلم يبتسم لأهل بيته وللناس جميعا.
فعن عبدالله بن الحارث انه قال: ما رأيت أحداً كان أكثر تبسُّماً من رسول صلى الله عليه وسلم رواه أحمد والترمذي.
لقد كان هذا شأنه مع الناس ومع أهله وحض على ان يبتسم المسلم في وجه أخيه المسلم وجعل هذا التبسم صدقة يُثاب عليها فقال: تبسمك في وجه أخيك صدقة رواه الترمذي.
ان الاسرة التي ينشأ اولادها على رؤية التبسم على وجوه ابائهم وأمهاتهم أسرة تنشىء ابناءها بعيداً عن إضعاف شخصياتهم وقهر نفوسهم وذلها، ذلك ان الابتسامة تطرد الحزن والانفعال وتباعد بين صاحبها وبين الاكتئاب، وتضيء في نفسه مصابيح الامل، والآباء يستطيعون بالابتسامة الحانية حل اعقد المشكلات، فهي تزيد وجه المبتسم حسنا، وتشرح صدر من يقابله، وترى الابناء مقبلين عليه فيستطيع ان يوجههم للخير والصلاح، وان يقوم بدوره التربوي كأب عن طريق الدعابة المقرونة بالابتسام.
أما ما نراه من البعض من عبوس دائم، وتقطيب للوجه عندما يدخل البيت ويلقى زوجته وأولاده ويظل عابسا حتى ان أحداً من أفراد الاسرة لم يره ضاحكاً قط وإذا علم الاولاد بدخوله البيت غاضت الاصوات وساد الدار صمت عميق فلا تسمع إلا همساً وإذا كان هؤلاء العابسون القساة يتظاهرون بالدين فإن سلوكهم منفر من الدين.
يقول الإمام ابن عيينة: والابتسامة والبشاشة مصيدة المودة والبر شيء هين، ووجه طليق، وكلام ليّن .
إن الابتسامة من اكبر الوسائل لجلب الود وكسب الآخرين,, فالابتسامة النابعة من القلب المُحب تتحطم أمامها كل وسائل الجذب التي يصطنعها الانسان من اجل تأليف القلوب وجذبها.
ولا يخفى على احد مقدار اثر البسمة الرائعة الحنون في نفس الطفل إنها تعمل الكثير، وتحقق الكثير، فهي توفر للطفل الشعور بالامن، والثقة، والانتماء، فالرفق المصحوب بالابتسامة يساعد على سد حاجة الابناء من الطمأنينة والامن، وشعوره بتقدير الآخرين له مما يُنشط عزيمته، ويشجعه على متابعة اعماله والتقدم فيها بنجاح.
وفي هذا الإطار ينبغي على الاب ان يجلس مع اولاده يحادثهم، ويلاطفهم، ويلاعبهم وأن يكون لديه الوقت الذي يمارس اللعب بنفسه فيه مع اطفاله - وألا يتركهم نهباً للألعاب الإلكترونية والكهربائية فهي مع اهمية دورها (الدينامي) في نمو وحركة وتفكير الطفل، إلا انها لا تؤدي ابداً الاثر الروحي والعاطفي والوجداني الذي يؤديه اللعب الاسري ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم اسوة حسنة.
روى الطبراني عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يمشي على أربع أي على رجليه ويديه، وعلى ظهره الحسن والحسين رضوان الله عليهما وهو يقول: نِعم الجمل جملكما ونِعم العدلان أنتما .
وروى الإمام أحمد ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصف عبدالله، وعبيدالله، وكثير بن عباس رضي الله عنهما ثم يقول: مَن سبق إلى كذا فله كذا وكذا قال: فيستبقون إلى صدره وظهره فيُقبلهم صلى الله عليه وسلم,إن القسوة مع الطفل تزيد مخاوفه وتجعله يكبت انفعالاته الأمر الذي يُهدد الصحة النفسية للطفل، ويؤدي إلى انحراف سلوكه.
وختاماً,, فإن التنشئة السليمة التي تتسم بالرفق واللين والابتسامة تساعد على بناء شخصية المواطن الصالح وتعمل على تعزيز قيمه وتمسكه بدينه كما انها تساعد في التوجيه، والارشاد، والتعليم.
كرم عبدالفتاح حجاب أخصائي اجتماعي
|
|
|
|
|