| محليــات
كنت أظن انه لم يعد في قلبي متسع لمزيد من الاحزان حتى فاجأتني الصحف بنبأ وفاة الأخ الكبير والصديق الاستاذ السيد عبدالله طاهر الدباغ,, وشعرت لحظتها بالأسى والالم لان علماً من أعلام الخدمة العامة قد غاب وصوتاً بارزاً في قاعات مجلس الشورى قد خفت.
عرفت السيد قبل ثلاثين عاما عندما زرت الجناح السعودي في معرض اوساكا باليابان وبرفقتي الزميلان عادل سلامة وعبدالله الدهش وكنا طلبة في مرحلة الدراسة الجامعية في الولايات المتحدة,, كان السيد مسؤولاً في الجناح السعودي وسألنا عن المدة التي ننوي قضاءها في اوساكا فأجبناه بانها يوم ونصف,, فضحك وقال ستمضونها في الطوابير، ثم بادر الى استدعاء احدى العاملات في الجناح واخبرها بان وفدا سعودياً رسمياً قد وصل وان اعضاء الوفد يرغبون في زيارة عدد من الاجنحة الهامة المختارة وطلب منها ان ترتب لنا برنامجاً يتم استقبالنا بموجبه في هذه الاجنحة وادخالنا من بوابة الرسميين، وفعلاً كان لنا ذلك وتمكنا في يوم ونصف من زيارة عدد من اجنحة المعرض كان يمكن ان يتطلب منا قضاء اسبوع للاطلاع عليه بالطرق العادية، وكانت هذه البادرة الصغيرة تجاه شباب لا يعرفهم السيد نموذجاً لروح المبادرة والجرأة وتخطي الحدود والقيود التي ميزت سيرته العملية والشخصية عبر مراحل حياته.
ثم مرت الأعوام وعدت الى لقائه بعد ان تولى الأمانة العامة لمجلس الغرف التجارية الصناعية السعودية وكنت آنذاك مديراً عاماً لشركة الوبكو في الدمام، وجمعت بيننا العديد من المناسبات والاجتماعات والندوات واللقاءات على مدى العشرين سنة الماضية، وكان خلالها يرحمه الله نموذجاً لنكران الذات والعمل المتفاني والاخلاص لقناعته وافكاره وتطلعاته، وكان طوال الثمانينيات ومطلع التسعينيات الميلادية وجها مشرقاً لمجتمع رجال الأعمال، يدافع عن قضاياه بحكمة ومنطق، ويمارس في محافله النقد الذاتي ساعياً الى الارتقاء بمستوى مشاركة قطاع الأعمال في القضايا العامة على الصعيدين الوطني والقومي.
وخلال تلك الفترة كان السيد وجهاً إعلامياً متميزاً، خاصة عندما كان يعبر عن وجهة النظر الوطنية في قنوات الإعلام الاجنبية، فلقد كان السيد يحظى بسيطرة بديعة على اللغة الانجليزية ويتمتع فيها ببلاغة وسلاسة فريدة، وكثيراً ما كان يتباهى بذلك بحق، وكان يشعر بفرحة بريئة إذا اشار الى تعبير لغوي او مصطلح سياسي لا اعرفه,, سخر السيد قدراته وحماسه ودرايته الواسعة بالعقلية الغربية والنظام السياسي الأمريكي على وجه الخصوص لإبراز المواقف الوطنية للمملكة العربية السعودية بصورة مشرقة في المحافل الاقتصادية والمؤتمرات العالمية.
ثم جاء تكريم السيد على اعلى المستويات الوطنية حينما حظي بالاختيار عضوا في مجلس الشورى ولعله شعر بعد ذلك بان الرداء الذي كان يرتديه في مجلس الغرف لم يعد يستوعب حجم طموحاته وانظاره، كما انه وجد ان الحوار في مجلس الشورى يختلف بطبيعة الحال في الاسلوب والمضمون والعمق عن غيره، إلا انه ظل يحافظ في كل الاحوال على نقائه وشقافيته وطيبته وصراحته التي كانت تتنافى احياناً مع مقتضيات الدبلوماسية التي كان دائماً يتوق إليها.
لقد سخر السيد حياته للخدمة العامة في القطاعين العام والخاص وحظي بالاعجاب في بعض الأحيان وبالاحترام في كثير من الأحيان وبالحب من كل من عرفه على حقيقته في كل الأحيان، ولعل قلبه الكبير قد تعب في النهاية من شعوره بانه لم ينل كل ما يستحق من التقدير والتكريم او ان قلبه قد عرف ان السيد لم يكن سيعرف كيف يتصرف اذا خفتت الاضواء من حوله، فآثر ان يرتاح ليحفظ بذلك صورة الرجل الذي قال كلمته ومضى.
لقد كان السيد رجلا متميزاً بحق,, وفي تقديري ان مجلس الشورى وان مجتمع الأعمال سوف يصبح اقل بريقا وحيوية بعد غياب السيد، ولعلي في هذه المناسبة اوجه الدعوة الى الاخ الزميل المهندس اسامة الكردي أمين عام مجلس الغرف التجارية الصناعية للعمل على استكمال تكريم السيد عبدالله الدباغ بعد رحيله وذلك باطلاق اسمه على قاعة الاجتماعات الرئيسية في مقر مجلس الغرف، فهذه القاعة طالما شهدت للسيد صولات وجولات في سبيل خدمة مجتمع الأعمال خاصة والوطن عامة.
رحم الله السيد عبدالله الكامل بن السيد محمد طاهر الدباغ، واسكنه فسيح جناته، وعزاؤنا لأنفسنا نحن الذين عرفناه حتى وان اختلفنا معه في المضمون احياناً وفي الاسلوب احياناً أخرى، وعزاؤنا لحرمه واخوانه وللوطن وإنا لله وإنا إليه لراجعون.
عبدالله يحيى المعلمي
|
|
|
|
|