| وَرّاق الجزيرة
أما الفيروز ابادي مؤلف هذه الكتب فيرتفع نسبه إلى أبي إسحاق الشيرازي إبراهيم بن علي الذي كان عَلمَاً في فقه الشافعية، وهو صاحب التنبيه والمهذَّب, وكانت وفاته سنة 476ه, وساق صاحب الضوء اللامع نسبه فقال: محمد بن يعقوب بن إبراهيم بن عمرّ بن أبي بكر بن أحمد بن محمود بن إدريس بن فضل الله الشيخ أبي إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف بن عبدالله .
ويذكر ابن حَجَر في إنباء الغمر أنَّ شيوخه كانوا يطعنون في رفع نسبه الى ابي إسحاق مستندين الى ان أبا إسحاق لم يعقب, وفي الضوء ان هذا القول مرجعه إلى الظن لا إلى اليقين, ويذكر ابن حجر أيضاً أن المجد بعد أن ولي القضاء باليمن ارتقى درجة فصار يدعي انتسابه إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ويقول: وزاد إلى أن قرأت بخطه لبعض نوابه في بعض كتبه: كتبه محمد الصديقي, ولم يكن مدفوعاً عن معرفة، إلا ان النفس تأبى قبول ذلك، وقد حاولت أن أقف على تمام نسب أبي إسحاق، وأن أتعرف حال نسبته إلى أبي بكر رضي الله عنه، فلم أهتد إلى مرجع في ذلك .
وأما نسبته الفيروز ابادي فهي نسبة إلى مدينة فيروزاباد ، وهي مدينة (جور) في جنوبي شيراز، وفي شمالي كارزين، وفي خاتمة تاج العروس ان فيروزاباد كانت مدينة أبيه وجده, ويرجح الأستاذ النجار أن تكون هذه النسبة أتته من قبل أبي إسحاق الذي كان من فيروز أباد، وطلب العلم في شيراز، واستقر به المقام في بغداد, ويقال في نسبته أيضاً الشيرازي، إذ تلقى العلم في مبدأ أمره في شيراز ونراه ينسب إلى كارزين التي كانت مسقط رأسه، وكان يحب الانتساب إلى الحرم المكي أسوة بالصاغاني، فكان يكتب: الملتجئ إلى حرم الله تعالى .
ولد مجد الدين الفيروزابادي في مدينة كارزين وقد اشار إلى ذلك في القاموس عند حديثه عن هذه المدينة قال وبه أي البلد ولدت وكانت ولادته في ربيع الآخر وقيل: في جمادى الآخرة سنة 729ه / 1329م ولا نعرف من أخبار أسرته إلا أن أباه كان من علماء اللغة والأدب في شيراز.
وقد توجه إلى حفظ القرآن فحفظه وهو ابن سبع سنين, وكان سريع الحفظ، واستمر له ذلك في حياته, وكان يقول: لا أنام حتى أحفظ مئتي سطر,
وكان ميالاً إلى اللغة منذ حداثة سنه، ولعل هذا كان بتوجيه من أبيه, واضطره طلب العلم إلى الرحلة فرحل إلى شيراز وهو على أبواب الثمانية، وهناك تلقى العلوم السائدة آنذاك من نحو وصرف ولغة وأدب وحديث، وكانت علومه نقلية، فلا نراه يتجه لعلوم المعقول كالمنطق والكلام, ثم يرحل بعد ذلك إلى بغداد فيأخذ عن علمائها المشهورين وطاف بلاد الشام ينهل من علمائها واستقر به المقام حيناً من الدهر في بيت المقدس وولي فيها عدة تداريس، وأصبح له تلامذة ومريدون، ولم يقنع بالقدس بل شد الرحال إلى القاهرة فالتقى علماءها وبقي فيها مدة، ثم دخل مكة قبل سنة 760ه فإذا صح كلام السخاوي أنه أقام عشر سنوات في القدس أي إلى سنة 765ه يكون قدومه مكة من بيت المقدس، ومعنى هذا ان رحلاته إلى مصر كانت متقطعة وداخلة في المدة التي أقامها في بيت المقدس، ثم قدم مكة بعد ذلك سنة 770 ه وأقام فيها خمس سنين أو ستا ثم رحل عنها، ثم يذكر صاحب العقد الثمين أنه عاد إلى مكة غير مرة بعد التسعين، ثم إنه كان بها مجاوراً سنة 782ه، ورحل من مكة إلى الطائف واشترى فيها بستاناً، ونردد مع الأستاذ النجار أن المجد كان يدرس في مدارس مكة، فقد لقبه الفاسي بشيخنا عدة مرات، وكانت رحالته وفادات على الملوك لا أجد كثير فائدة في الحديث عنها، وقد أتى عليها الأستاذان النجار والمصري في مقدمة كتابيهما، وبعد أن طوف المجد بالآفاق انتهى به المطاف في اليمن, فقد استدعاه صاحبها الأشرف إسماعيل بن العباس من آل رسول إلى زبيد في سنة 796ه وأكرمه إسماعيل هذا وولاه منصب قضاء الأقضية، وظل يزاول التدريس ولقي حظوة كبيرة عند السلطان وتزوج الأشرف ابنته وبقي عند هذا الأشرف في أعلى منزلة وله معه حكايات وحوادث مشهورة, وأدركه الموت في زبيد ليلة الثلاثاء في العشرين من شوال سنة 817ه.
وكان يحب ان يموت في مكة، ولكن الرياح تأتي بما لا تشتهي السفن، ومات وهو حديد البصر، مرهف السمع, وبموته انطوت صفحة من صفحات المفاخر العربية لأنه بعلمه الغزير كان مفخرة عصره، وقدوة لمن بعده، وعلى الرغم مما يعزى إليه من أمور لا تمس علمه فإنه يبقى المَعلَمة التي لا يستطيع النقد أن يقلل منها لأن علمه المنشور بين أيدينا هو عمدتنا في الحكم عليه, وكان واسع الاطلاع على كتب المتصوفة عارفاً بمصطلحاتهم، وهو عالم لغوي كبير ويكفي للدلالة على ذلك ان نذكر القاموس المحيط , وقد أحصينا له في مقدمة التحقيق بالاعتماد على مقدمتي البصائر، والبلغة، وعلى ما كتبه صاحب تاج العروس في ترجمته في أول المعجم، وعلى الكتب التي ترجمت له 64 كتاباً.
وجاء في تاج العروس : غبش 17 :287 288 وذكر شَمِرٌ الكلمات التي جاءت بالسين والشين وهي تسعة، وزاد الصاغاني ثماني عشرة كلمة أخرى فليراجع العباب في هذه المادة, وجاء في العباب (عن حاشية التاج) رقم (3).
قال شمر: جاء حروف كثيرة بالسين والشين في معنى واحد، قالوا للكلاب إذا خرقت فلم تدن للصيد: عرست وعَرِشت، وجاءنا بسراة إبله وشراتها، وجاحس عنه وجاحش عنه، وسدفة من الليل وشدفة منه،ورَوسم ورَوشم، وتسميت العاطس وتشميته، سناسن وشناشن لرؤوس العظام، وسوذق وشوذق للصقر، سمرت وشمرت, قال: وذلك لأن العرب لا تعرف الهجاء، فإذا قربت مخارج الحروف أدخلوها عليها وأبدلوها منها, وزاد الصاغاني مؤلف هذا الكتاب رحمه الله تعالى كلمات وهي: سباط وشباط، السطرنج والشطرنج، البرساء والبرشاء، الجعسوس والجعشوش، البرنساء والبرنشاء، وألحق الحس بالإس، والحش بالإش، والدنقسة والدنقشة، والرعوس والرعوش، والقدعوس، والقدعوش، والنخس والنخش، والنهس والنهش، والإرعاس والإرعاش.
|
|
|
|
|