| عزيزتـي الجزيرة
سعادة رئيس تحرير جريدة الجزيرة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
في العدد 10256 من هذه الجريدة وفي زاوية (البداوة والحضارة) وتحت عنوان تبادل المنافع كتب الدكتور سعد بن عبدالله بن صويان مقالة رائعة حول تلك الحياة القائمة بين عرب الصحراء والقاطنين المدن والهجر.
وقد وصف النشاط القائم حينذاك بين السكان بشكل جلي وواقع غير أن الدكتور وهو يدلي بتفاصيل المقايضة أشار إلى أن من بين تلك المبيعات (الدخان) فإذا كان المقصود هو مايسمى الآن بالسجائر فهذا لم نعهده في نجد كما لم يكن معروفاً في تلك الحقبة التي أعتقد أن الدكتور يعنيها بحديثه، لابيعاً ولاشراء إذ كان الناس في الماضي يكرهون مثل هذا العمل ويصفون متعاطيه بأوصاف التحقير وكان المدخنون أنفسهم يعتريهم الخجل ويتوارون عن الأنظار لدرجة أن المدخن لايلتقي بأحد إلا بعد أن يتأكد من زوال رائحة الدخان وبعد أن يضع على جسمه شيئاً من العطر وإن كان هذا الأخير حين يشمه بعض العارفين يفهمون منه أن الشخص شرب الدخان وبالتالي تفتر وتقصر عنه عبارات الترحيب والمجاملة.
وليت الدكتور أشار إلى البلد أو المنطقة التي كانت تبيع وتشتري في الدخان حتى يلم القارىء والمتابع (للزاوية) بتفاصيل مثل هذا الخبر الغريب بل المستنكر في الحياة السابقة بعد أن ورد ذكره بين جملة من المستلزمات الضرورية لحياة سكان الجزيرة والذي ربما يوحي وكأنه شيء عادي وغير مستنكر ولا مستكره لدى من سبقونا.
أيضاً ومن باب الإلمام بطبيعة حياة الآباء في الأزمنة الغابرة المقايضة بالتمور التي أشار إليها الدكتور من جملة منتوجات زراعية يحترفها الأهالي فالمعروف ان ماتجود به مزروعاتهم ولاسيما التمور غير مطروح للمقايضة عكس الحبوب والتي من انتاج السكان انفسهم إذ لا يخلو بلد من مزارعين لهذا النوع من الغذاء وبالتالي يتم تداول هذه السلعة فيما بين تجار القرية والقرى المجاورة لدرجة ان بعض تلك الحبوب توصف بمنطقتها كحب ضرمى، والقصيم أما التمور فيما ينتجه المزارعون منها في القرى والمدن ضمن محصولاتهم الأخرى يتم تخزينه لدى هؤلاء الفلاحين داخل عبوات كبيرة أو داخل حجر صغيرة (جصة) تعمل خصيصاً لتخزين التمور لكنه يبقى لملاكه فقط وليس للبيع وإن كان هناك فائض يرغبون في بيعه فيتم ذلك والتمر في رؤوس النخيل وهذا التداول عادة مايكون بين أصحاب البلدة وهم يشترونه لحاجتهم وليس للتكسب، أما التمور التي يحتويها السوق بكثرة وتجري فيها المقايضة مع البادية كما ذكر الدكتور فهي تجلب غالبا من الاحساء بواسطة الإبل لكونها الوسيلة المتوفرة في ذلك الزمان وهذه التمور اشتهرت بمسميات الشبيبي والهشيشي والرزيز وتكون داخل عبوات معمولة من خوص النخيل وأحياناً تكسى بكيس من الخيش.
هذا ما أردت التنبيه حوله وإن أطلت التفاصيل فعلى طريقة كاتبنا في وصفه بعض مظاهر الحياة كوصفه لطريقة اخراج الماء من البئر والتي لم يترك شيئاً حولها دون الافاضة في ذكره حتى يخيل للمتابع انه يشاهد تلك السواقي وتلك الغروب بما في داخلها من الماء تصب وسط اللزا ({) لتعود إلى داخل البئر ثانية وهكذا هي في إدبار واقبال مستمتعة بالأصوات الصادرة عن المحالة المندرج فوقها الرش والدراجة وحبلها المسمى السريح فإذا شرب الزرع وارتوى الناس وضعت الاشطان عن السواني لتعاود الكرة في يومها الثاني.
أرجو أن يكون في هذه المداخلة مايزيد تشويق القارىء للتعرف على الحياة التي عاشها الأجداد.
ونتطلع لأن يزيدنا الدكتور من هذه اللمحات بأسلوبه المميز وقدرته على التصوير.
كما نشكره على جهده واهتمامه في جمع ونشر هذا السفر الحافل والعابق بحياة الماضي والذي يكاد ينسى في خضم مانحن فيه اليوم من انشغال وانبهار بمظاهر الحياة والمستجدات العصرية.
({) أهلنا يسمون مكان صب الغروب (لزا) ولأن الإبل عند ورودها الماء تشرب من هذا المكان في حالة عدم وجود أحواض أخرى ربما يكون للتسمية ارتباط بهذا المسمى فقد ورد في لسان العرب: ولزّأتُ الابل تلزئة إذا أحسنت رعيتها وتلزأت رياً إذا امتلأت ريا.
عبدالله بن عبدالرحمن الغيهب |
|
|
|
|
|