| متابعة
في مساء هذا اليوم المبارك سيسدل الستار، ولو مؤقتاً على اجتماع طيب وايام من أسعد ايام العمر قضيناها في رحاب مكة المكرمة، وفي ظلال القرآن الكريم، ففي هذا اليوم سنشهد وداعاً على أمل اللقاء، وختاماً على أمل عود الافتتاح مرات ومرات في أعوام عديدة بإذن الله.
إنه اليوم الختامي للمسابقة المباركة مسابقة الملك عبدالعزيز لحفظ القرآن الكريم وتلاوته وتفسيره، والتي عشناها لحظات من العمر لا تنسى، ونحن نرى البراعم المؤمنة، وهي تجود بما حفظته من كتاب الله تعالى تحقيقاً للغاية التي ارتضاها الله سبحانه وتعالى لنا، بأن جعلنا حماة لهذا الدين العظيم، ودعاة مخلصين لإنقاذ البشرية من الضلال، والوصول بها إلى طريق الخير العميم والسعادة الدائمة في الدارين.
لقد رددت شعاب مكة المكرمة الصدى العطر للحناجر المؤمنة، وهي تعطي أفضل ما علمت، وتعلمت حول كتاب الله، وكان كل ما يتعلق بالأمر على القدر الكافي والوافي من التقدير والمكانة الرفيعة اللذين كانا حاضرين في كل لحظة وبكل أمر، فالمسابقة مادتها كتاب الله القرآن العظيم، وهل هناك مادة أعظم من ذلك؟ وهل هناك كتاب أشرف من ذلك الكتاب؟ وهل أروح من التسابق على فهم وتجويد وحفظ وتفسير كلام الله تعالى الذي نزل به جبريل عليه السلام على النبي العربي الأمين صلى الله عليه وسلم .
والمسابقة باسم من؟ إنها باسم المغفور له الإمام المجاهد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود المؤسس والموحد، والذي بجهوده وإيمانه بعد توفيق الله تم تأسيس هذه المملكة الغالية، وبناء هذا الصرح الشامخ، وبنفس الوقت تطبيق كتاب الله وشرع الله في هذه الأرض المباركة بالشكل الصحيح السليم، فكان مجتمعنا مجتمعاً إسلامياً مثالياً والحمد لله وقدوة لكل الشعوب والمجتمعات الإسلامية، لا بل داعية للمجتمعات الأخرى غير الإسلامية، عسى الله ان يهديها.
أما المكان فهو مكة المكرمة، ومكة لها في القلوب والعقول والنفوس من المكانة ما لها، فهي مهبط الوحي، ومنها انطلقت الدعوة الإسلامية ناشرة نورها في كل أرجاء المعمورة، وفيها ولد المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام وهي المدينة التي اعتبرها الله تعالى أم القرى، وهي التي تشرفت بأن تضم بين جوانبها أول بيت وضع للناس، إنه البيت الحرام الذي تعدل الصلاة فيه مائة ألف صلاة في غيره ما عدا المسجد النبوي الشريف والمسجد الأقصى، وهنا في مكة يتم أداء الفريضة الخامسة في الإسلام، ألا وهي فريضة الحج لمن استطاع إليه سبيلاً.
أما المتسابقون فهم نخبة خيرة طيبة اجتمعت للخير، وعلى الخير، وفي بلاد الخير، أتت تهفو بقلوبها شوقاً لهذه البقاع المباركة، وترنو بعقولها وأفئدتها لهذه الأرض المقدسة، وتحمل بكل جوارحها معاني الخير والحب والسمو والإنسانية المتمثلة بهذا الدين الحنيف، لقد أتت، والقرآن الكريم في داخلها ونصب عينيها، وهي تعلم علم اليقين انه الكتاب الذي أراد الله للبشر ان تكون سعادتهم فيه ومن خلاله، ولذلك اتقنوه فهماً وحفظاً وتجويداً وتلاوة وتفسيراً وقراءة، فكانوا نعم الحملة لخير كتاب.
لقد زاد عددهم عن المائتين بثلاثة، جاؤوا إلينا ضيوفاً وإخوة كراماً من 35 بلداً عربياً وإسلامياً، ومن 34 جمعية وهيئة ومركزاً إسلامياً، إنهم صفوة الشباب، وخيرة الأبناء، ونعم المثل وعماد المستقبل، تسابقوا في مسابقة توزعت على خمسة فروع كلها تفخر بمعانقتها لكتاب الله تعالى، والتسابق على خدمته وحفظه امتثالاً للعهد الإلهي فقط بحفظ هذا الكتاب المحكم التنزيل.
هؤلاء الحفظة الذين قدموا، وعشنا معهم أجمل اللحظات وأسعدها قدموا إلى بلاد الحرمين الشريفين واحتضنتهم حكومة المملكة ممثلة بوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد مُسخِّرة كافة الإمكانات، وقدمت التسهيلات والخدمات والحوافز المادية والمعنوية، والسهر على راحتهم طوال الأربع والعشرين ساعة، وحرصت الوزارة من خلال أبنائها الذين جندتهم لخدمة حفظة كتاب الله بالعمل على توفير كل ما من شأنه تقديم العون والمساعدة لأبناء الأمة قدر الاستطاعة وكل ذلك بدعم وتوجيه ومتابعة من لدن معالي وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ الذي كان معنا قلباً وقالباً، طوال الفترة، بل قبل ذلك من أجل الاستعداد والتجهيز داعماً وموجهاً ومعيناً بعد الله ومسهلاً كافة الأمور؛ لكي تحقق تلك المسابقة العظيمة أهدافها المباركة.
في هذا المساء سينال المتسابقون جوائزهم السخية التي رصدتها لهم حكومة خادم الحرمين الشريفين البالغة (888) ألف ريال، نعم في هذا اليوم المبارك سينالون بعضاً من ثمار جهودهم، وهم ونحن معهم نعلم حقيقة أن الثمار الحقيقية ستكون هناك بإذن الله في الآخرة في جنات النعيم، وحيث يكون الثواب الذي لا يمكن لبشر أن يتخيله أو يتصوره.
إن هذا التجمع المبارك الذي شهدناه لهو مثال حي وواقعي على التآلف والتآخي والاجتماع على الخير الذي ينادي به الإسلام، إنه مثال زاخر بالمعاني الرفيعة السامية التي ترقى بالإنسان بعيداً عن حياته المادية وصولاً للتسامي الروحي والإنساني.
لقد كانت مسابقة الملك عبدالعزيز لحفظ القرآن الكريم، وكان يرافقها برنامج زاخر، فهناك الثقافة والعلوم التي رافقتها ببرنامج متميز، وهناك اللقاءات العطرة مع العلماء الأفاضل والدعاة البارزين الذين قدموا علومهم ومعرفتهم لهؤلاء الأبناء والإخوة الطيبين؛ ليوصلوها بدورهم أمانة غالية إلى أهلهم وذويهم ومجتمعاتهم.
إن كل ما ذكرناه من إنجازات عظيمة وأحداث رائعة، إنما يأتي ضمن التوجه الكريم لمملكتنا الحبيبة، وعلى رأسها خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود، وصاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني حفظهما الله وحكومتهما الرشيدة.
ومعهم ومن حولهم شعب كريم معطاء، لقد كان القرآن وما يزال وسيبقى دستور هذه البلاد وقانونها ومنهجها الذي يرتضيه رب العباد، لقد هيأت القيادة كل السبل والوسائل لتكون العقيدة الصحيحة السمحاء هي الأصل والجذر والفروع في هذه البلاد، وكانت خدمة القرآن الكريم على رأس قائمة الأولويات والأهميات سواء هنا أو على اتساع مساحة العمورة.
أسدل الستار الآن، وها هو أمير منطقة مكة المكرمة بنفسه صاحب السمو الملكي الأمير عبدالمجيد بن عبدالعزيز آل سعود يحضر الحفل المبارك، ويوزع الجوائز والشهادات التقديرية على الفائزين، ويدعو لهم من قلبه لاحتفالات قادمة مباركة، أسدل الستار، ونحن على موعد للعودة، فقلوبنا معلقة بالهدف والمكان، بالمعنى والمضمون، بالأصل وبالشكل، قلوبنا فيك ومعك، أيها البلد الأمين، فوداعاً ليس بعده إلا اللقاء.
alomari 1420@ yahoo.com
|
|
|
|
|