| متابعة
منذ أن أقدم الإرهابي أريال شارون على زيارته المشؤومة للحرم القدسي يوم 28 سبتمبر الماضي والشعب الفلسطيني في حالة انتفاض دائم، نعم لقد انتفض الشعب الفلسطيني غيرة على حرمة المسجد الاقصى، وصونا له من أن تدنسه أقدام الصهاينة النجسة, إلا أنه إذا كانت زيارة شارون هي السبب المباشر للانتفاضة الفلسطينية، فإنها لم تكن سوى القطرة التي أفاضت الكأس، فالشعب الفلسطيني كان في هدوء أشبه مايكون بهدوء النار تحت الرماد، وإنما كان يتحين الفرص لتفجير غضبه على الطغمة الصهيونية، وعلى حالة السلام الظالم الذي أقحم فيه دون أن يجني منه شيئا, لقد مل الشعب الفلسطيني الجولات المارثونية الطويلة للمحادثات، ومل الاتفاقيات التي لم تجلب حقوقا ولا سيادة ولا رخاء، بل لم تجلب أرضا، فالإسرائيليون منذ أن وقعوا على اتفاقيات أوسلوا وملحقاتها في ساحة البيت الابيض، ومنذ أن قتل رابين مهندس هذه الاتفاقيات، لم ينفذوا أي بند من بنودها وإنما ظلوا يتبعون طريق المراوغة والالتفاف بل والامتناع أحياناً وبصراحة عن تنفيذ أي اتفاق، فقد ماطل بيريز العمالي رغم نعته بأنه من الحمائم وامتنع نتنياهو اللكودي وهو من يعد من الصقور، وفاحش كلاهما في التنكر للاتفاقيات من خلال بناء المستوطنات غير الشرعية في الأرض الفلسطينية، وظلت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بسلك نفس الطريق، فكلما عاهد فريق منهم عهدا نبذه الفريق الآخر تمييعا لمسألة السلام ومراهنة على أن الوقت كفيل بوأد الصمود والمطالبة بالحقوق الشرعية متوهمين كل الوهم أنهم يستطيعون فرض الواقع الراهن ونسف كل الآمال العربية دون قراءة حصيفة منهم لمكونات الشخصية العربية خاصة عندما يطول الامر الوطن والمعتقدات والمقدسات، ومع تقدم الزمن وحلول استحقاقات المرحلة النهائية بادر الرئيس الامريكي بوصفه الراعي الأكبر للعملية السلمية إلى جمع الرئيس الفلسطيني مع الوزير الأول الإسرائيلي في مفاوضات غير مهيأ لها في منتجع كامب ديفيد، عرفت عند المحللين بكامب ديفد الثانية، وقد سعى الاسرائيليون والأمريكيون معهم إلى ترتيب نهاية غامضة لمسلسل السلام الفلسطيني الإسرائيلي، نهاية يكرس من خلالها الإسرائيليون قانونية احتلالهم للأرض العربية دون تقديم أدنى تنازل يحفظ للمفاوض الفلسطيني كرامته، فلاءات باراك التي رفعها قبل التوجه إلى كامب ديفيد لم تترك مجالاً للمناورة ولا للتنازل لدى الإسرائيلي فباراك قال لا للعودة إلى حدود 4 حزيران 67 ولا لعودة اللاجئين، ولا للسيادة الفلسطينية على الحدود الدولية، ولا لتفكيك المستوطنات، بعبارة واحدة لا للقبول بأي شيء بل نعم لأخذ كل شيء وتقنينه مقابل قبول إسرائيل بالسلام.
وعندما امتنع المفاوض الفلسطيني عن قبول هذا الطرح الظالم يدفعه إلى ذلك مايتحسسه من تململ الشارع الفلسطيني لم تجد إسرائيل من سبيل سوى التلويح بالقوة لإرغام الفلسطينيين على القبول بالأمر الواقع، فجاءت زيارة شارون للحرم القدسي التي تمت بمباركة وحماية الجيش الإسرائيلي بقيادة ايهود باراك, وهكذا خرج الشعب الفلسطيني عن طوق السلطة الفلسطينية وعن طوق الاتفاقيات المجحفة وأحيا انتفاضته في ثوب جديد أكثر قوة وشراسة، وحملها عنوانا قدسيا إلى أبعد الحدود عندما أطلق عليها اسم انتفاضة الأقصى، الأمر الذي أثار مشاعر المسلمين في كل مكان، مما أعاد إلى القضية الفلسطينية مكانتها في الصدارة عند الرأي العام الإسلامي الرسمي والشعبي وانصدمت إسرائيل بقوة الرد العربي والإسلامي، وأيقنت أن العرب والمسلمين ليسوا مجرد ظاهرة صوتية بل هم طاقات كبيرة قادرة على الفعل والتفاعل مع ما يمس قضاياهم المصيرية وأدركت أن قضية القدس وفلسطين ستظل قضيتهم الأولى مهما طال الزمن ومهما استبد المغتصب.
وهكذا إذن، انتفض العرب والمسلمون على طول الأرض الإسلامية وعرضها تأييداً لانتفاضة الاقصى، وقدم الفلسطينيون الشهداء بسخاء وانقلب السحر على الساحر وأصبحت إسرائيل في حيرة من أمرها، فآلتها الحربية لم تستطع أن تقضي على الانتفاضة وممارساتها اللاإنسانية أصبحت مكشوفة أمام العالم، وقد انحرج منها أصدقاؤها قبل أعدائها، والتحم الشارع الإسلامي والعربي مع قياداته في جو من الانسجام في التعبير عن الاستياء والسخط على ما يجري في الأرض الفلسطينية، وبادرت القيادات العربية إلى تجاوز خلافاتها واجتمعت في مؤتمر قمة طارىء دعت إليه مصر، وبرز الدور السعودي الفاعل والمتفاعل مع نبض الشارع الإسلامي إذ اتخذت المملكة الخطوات العملية اللازمة لدعم الانتفاضة ماديا ومعنويا، حيث استضافت الجرحى والمصابين من ثوار الحجارة وقدمت على لسان ولي عهدها الأمين صاحب السمو الملكي الامير عبدالله بن عبدالعزيز المقترح العملي الأوحد الذي تبنته القمة العربية والقاضي بإنشاء صندوقين بميزانية مقدارها مليار دولار لدعم الانتفاضة وأخذت على عاتقها إعالة ألف أسرة من أسر الضحايا ونظمت حملة للتضامن مع الشعب الفلسطيني استجابة لنداء خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز - حفظه الله - على نحو شارك فيه كل أفراد الشعب السعودي في جو منقطع النظير، والمملكة إذ أقدمت على ما أقدمت عليه، فإن ذلك لم يكن مزايدة ولا تزلفا ولكن كان إحساساً عميقاً بالمسؤولية وتمثلا لها ومشاركة تاريخية في حماية الشعب الفلسطيني وحفظا للمقدسات.
وقد مكنت الوقفة السعودية الشعب الفلسطيني من الإحساس بمعية إخوانه ولذا فلا غرو أن نرى العلم السعودي حاضرا في كل المسيرات والتظاهرات التي تشهدها الانتفاضة, إن الموقف السعودي العملي وما عبرت عنه السعودية من مواقف تصب كلها في صالح الشعب الفلسطيني وانتفاضته كان موضع اعجاب وتقدير من طرف الرأي العام الفلسطيني والعربي والإسلامي على حد سواء وقد شكل تحفيزاً معنويا للانتفاضة الفلسطينية ودفعا لها حتى يتمكن الشعب الفلسطيني من افتكاك حقوقه وتحقيق مصيره باستقلال أرضه كاملة بما في ذلك القدس مع ضمان عودة مهجريه وقيام دولته المستقلة ذات السيادة وما ذلك على الله بعسير.
* نائب المدير العام للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم
|
|
|
|
|