| مقـالات
الشاعر المهجري إيليا أبوماضي نصراني يهبط به بعض شعره إلى نتن الإلحاد، وهو يعيش في أعظم بلدان العالم حضارة، ويتفاعل مع حضارتها,, كما أنه ينفخ في بوق التقدمية، ولكن كلامه عن رسالة المرأة في قصيدته بنت سورية مصنف في قاموس الرجعية بالمفهوم العرفي لأبناإ النهضة الحديثة، لهذا أسوق هذا النص من القصيدة بتحليل فني ومحاكمة فكرية، ثم أعطف القول عن بقية القصيدة,, يقول إيليا.
كلما فكرتُ في حاضرنا عاقني اليأس عنِ المستقبلِ نحن في الجهل عبيد للهوا ومع العلم عبيد الدول نعشق الشمس ونخشى حرها ما صعدنا وهَي لما تنزل قد مشى العرب على هام السها ومشينا في الحضيض الأسفل |
قال أبو عبدالرحمن: السهولة تجري في هذه الأبيات بلا تكلف، فسوأُ حاضرنا جالب لليأس في المستقبل، مانع من التفكير فيه,, وفي البيت الثاني التقط واقع التناحر بين الأمة العربية بمفهوم قومي ، وأعظم عنصر فيه الهوا، وواقع النخبة المثقفة هذا هو واقع من يتسم بالعلم بمفهوم قومي ، فإذا هو تابع للأمم المتمدينة على النطاق السياسي، وعلى النطاق الاجتماعي بذوبان شخصية المثقف في روافده الخواجية,, وجاءت البراعة الفنية من براعة التلخيص لعناصر الواقع العربي العامة المتأنية عن لماحية، ثم المقابلة بين العبودية من الذات والعبودية من الخارج,, وفي الشطر الثالث وظَّف الشمس رمزاً لنور العلم، وحرها رمزاً لصعوبة وأعباإ التفوق، والصعود المنفي رمزاً لفشلنا، والنزول المثبت رمزاً لواقع العلم وأنه لا يكون إلا بالتعلم الصعود ,, والبيت الرابع عادي، وهو رمز لنتيجة البيت السابق.
ومن الناحية الفكرية فالعلم العربي بمسلميه وأقلياته غير المسلمة ، والعالم الإسلامي: لا يوصف بالتخلف والجهل إلا من جهة العجز عن الاكتشاف الكوني والاختراع الصناعي,, والمسلم لا يوصف بالجهل في تصوره للكون المنظور والمغيب، وللحياة والسلوك المتكيف مع الطبيعة وشرع خالقها,, إنما جهله وتخلفه بعجزه عن جعل فقهه الرباني واقعاً، وعجزه عن إعداد القوة التي يدافع بها عن نفسه وإرثه الرقعة العربية والإسلامية ، ويحمي بها الدعوة الحسنى لإسعاد البشرية في تصورها وسلوكها، وذلك لعجزه في المجال العلمي الدنيوي الاختراع، والاكتشاف ، وغرقِ بعضهم في المتعة المحرمة التي يُسوِّقها العالم الأقوى بكل إغراإ بمقابل الحُجَز والسدود المنيعة دون استفادة الشعوب المغلوبة من العلوم المحققة للقوة,, وتزمتِ بعضهم في الصدِّ عن المتع المباحة,, وبهذا التحديد نعرف أين نحن من العلم أو الجهل؟,, ثم ينتقل أبو ماضي إلى المرأة بقوله:
سَجَّل العارَ علينا مَعشَرٌ سجلوا المرأة بين الهَملِ فهي إما سلعةٌ حاملةٌ سِلَعاً أو آلة في معمل تتهاداها الموامي والربا فهي كالدينار بين الأنمل لا تبالي القيظَ يشوي حره لا ولا تحذر بَردَ الشَّمأل 1 ولها في كل باب وقفة كامرإ القيس حيالَ الطلل تتقي قول: اغربي خشيتها قولةَ القائل: ياهاذي ادخلي فهي كالعصفور واَفَا صادياً فرأى الصياد عند المنهل كامناً فانصاع يُدنيه الظما ثم يُقصيه اتَّقاأُ الأجل ولكم طافت به آملة وانثنت تقطع خيط الأمل ولكم مَدَّت إلى الرفد يداً خلقت في مثلها للقبل |
قال أبو عبدالرحمن: بعد قوله أو آلة في معمل حذفتُ بيتاً لم أعقل له سياقاً، ولم أفهم له معنى، وهو قوله:
أرسلوها تزرع الأرض خَطاً وتباري كلَّ بيتٍ مثلِ |
ولعل في البيت تحريفاً وضرورةً وخطأً في التشكيل، فيكون صوابه هكذا:
أرسلوها تذرع الأرض خُطاً وتباري كلَّ بيتٍ مَثُلِ |
فتكون تذرع بالذال لا بالزاي المعجمة، وخطا بضم الخاإ لا بفتحها,, ومَثُلِ كَسَرها ضرورة,, ومثل بمعنى بدا وظهر,, والبيت على كل حال ضعيف، وأبو ماضي لا يريد أن المرأة مهملة، لأنهم أشبعوها حرفة، وإنما يريد أنهم جعلوها كالحيوانات الهمل ، لأنها تكدح كدح الهمل، ولأنها شيأ من الأشياإ كالهمل,, والإمام أبو محمد بن حزم رحمه الله لا يوجب على المرأة خدمة الزوج، لأن ذلك ليس هو مقتضى العقد، وقد فرح بهذا دعاة التقدمية.
قال أبو عبدالرحمن: مقتضى العقد استباحة البضع، وسريانُ مفهومِ الزوجية,, ومفهوم الزوجية قائم على تقنينات شرعية ومروأة متعارف عليها بمقدار ما تكون لزوجها سكناً، وهذا لا يتعدى نطاق تهيئة الطعام والشراب والملابس والسكن وخدمة الولد غير القائم بنفسه,, وليس لها الخدمة بمفهوم أوباش العوام 2 بأن تزرع وتحصد وتحطب,, إلا أن ذلك إذا كان بالتراضي والتعاون، فذلك مثل إنفاق المرأة على زوجها إذا كان معسراً,, وهذه الحرفة إذا رضيت بها طوع اختيارها فذلك للشعور المكين بالشركة في المال والآلام والآمال,, وإذا تطوعت بما تستطيعه من متطلبات حرب مقدسة فهي حينئذ ذاتُ مكتملة الأهلية لا سلعة من السلع,, ولكن الكارثة وذلك خزي في العصر الحديث أن يقعد الرجل وتعمل هي، وأن يُفتح لها باب العمل خارج المنزل وتُضَيَّق الفرص أمام الرجال، لتكون آلة في المعمل، ولتكون درهماً متبادلاً,, وأما الوقفة أمام الباب بعد إتاحة الحرية بدواعيها المختلفة، وعصيان حواجز الشرع الذي هو تنزيل خالق المرأة فتلك هي القاصمة: فإما أن تكون غير ذات جمال أو ملاحة، فيقال لها: اغربي,, وإما أن تكون مغرية فَتُفتَرس كرامتها بعد الاستجابة لكلمة: يا هاذي ادخلي.
واغربي كلمةُ طردٍ تغيب فيه كغياب ما يغرب، وهي مرادفة ابعدي,, كان بشار دميماً، فقالت له امرأته: يا أبا معاذ: هل رأيت وجهك قط؟,, قال: لا,, قالت: لو رأيت وجهك لأتَزَزتَ عليه كما تَأتَزِرُ على اُستك!!,, فقال لها بشار: اغربي قبحك الله 3
وأما العفيفة بعد دواعي الحرية فهي في وجل من حريتها كوجل العصفور الظامِإِ أمام الصياد: يدنيه الظمأ، ويقصيه الخوف,, والبيت قبل الأخير حشو مفسد لشرحه باللمحة التي قبله,, والبيت الأخير يذكرني بهذا البيت لشاعر معاصر:
ويدٍ تُكَبَّلُ وهي مما يُفتَدَى ويدٍ تُقَبَّلُ وهي مما يُقطعُ |
ثم يقول إيليا بعد هذه الأعباإ:
ما بها؟,, لا كان شراً ما بها مالها من أمرها في خَبلِ؟ سائلوها أو سلوا عن حالها إن جهلتم كل طفلٍ مُحوِل في سبيل المال أو عُشَّاقِه تكدح المرأة كدح الإبل ما تراها وهي لا حول لها تحت عِبإٍ فادح كالجبل شُدَّتِ الأمراسُ في ساعدها من رأى الأمراس حول الجدول؟ |
قال أبو عبدالرحمن: المرأة نصف الإنسان الذي قال عنه خالقه سبحانه: يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه ، والكدح غاية الحياة، وهو شرف الإنسانية إلا أن كدح المرأة كدحان: كدح خلقت له، وهو أعباء المنزل,, وكدح تقدر عليه، وتقبله عن رضاً، لكونها شريكة منفعة، أو لكونها تؤدي واجب هَمٍّ جماعي.
وقد تضطر الأرملة للكدح من أجل لقمة العيش لها ولأيتامها، وهي على أجر بلا ريب، ولكنها إذا وصلت إلى هذا الحد في مجتمع موسر فذلك دليل على ضعف الوازع، وقلة الرحمة، والشح بالزكاة الواجبة والصدقة المستحبة.
وإذا كان الزوج موسراً قادراً على توفير الحشم والخدم عن سعة: فخير لها ثم له أن تكون زوجته نؤوم الضحا: تربي جسمها تربية صحية لزوجها، وتربي عقلها ونفسيتها لتربية ولدها، وتشارك زوجها في مشاعره وأفكاره.
وأما ما لا يجوز لها من الكدح فهو أن تُحوج إلى مزاحمة الرجل في حرفته، وأن تُعنت بما ليس في طبيعتها من عمل دائم، وليس مناسبة مُأقته كالمشاركة في بعض لوازم الحرب.
والبيتان الأولان حشو إلا الشطر الأخير فيهما، لأن ذلك الطفل الذي بلغ الحول نادى بشعوره وبواقع حاله بوظيفة البيت التي تركتها أمه إذ غادرت المنزل,, وهكذا بقية الأبيات فهي عادية من الناحية الفنية سوى الصورة في آخر بيت، فهي في تصريفها للسواقي وإذا قال العوام في نجد: فلان يروس,, فالمراد به من يُوجِّه مياه السواقي بفتح جدول وقفل آخر بصفة السانية التي تسني بالأمراس من المصب إلى المحب,, والمراد بالمحب أقصى المنحاة التحتي,, وإلى لقاإ إن شاء الله.
1 ترد بالاَ يُبالي متعديه، ولازمة,, قال الزبيدي في تاج العروس 19/218 قولهم: ما أَباليه أي ما اكترثت له,, قال شيخنا: وقد صححوا أنه يتعدى بالباإ أيضاً كما قال البدر الدماميني في حواشي المغني ا ه,, أي يقال: ما باليتُ به,, أي لم أكترث به، وبهما روي الحديث وتبقى حُثالةُ لا يباليهم الله بالةً ,, وفي راية لا يبالي بهم بالةً ولكن صرح الزمخشري في الأساس: أن الأولى أفصح، وفسر المبالاة هنا بعدم الاكتراث، ومر له في الثاإ تفسيره بعدم المبالاة,, والأكثر في استعمالها لازمين للنفي,, والمعنى: لا يرفع لهم قدراً، ولا يُقيم لهم وزناً.
وجاأ في الحديث: هاأُلاإ في اللجنة ولا أبالي وهاأُلاإ في النار ولا أبالي,, وحكى الأزهري عن جماعة من العلماإ أن معناه لا أكره,, قال الزمخشري: وقيل لا أُباليه: قلب لا أُبَاوِلُه من البال أي لا أخطِره ببالي ولا ألقي إليه بالاً.
2 مما أرويه عن أحد الأوباش في أيام الجهل والفقر: أن فلاحاً يتزوج أكثر من واحدة من أجل الخدمة، فإذا حصد الزرع وصرم النخل طلقهن، فلما اشترطت عليه إحداهن أن لا يطلقها: حلف لها أن لا يفرق بينهما إلا المقبرة كناية عن الموت ، فلما انتهت حرفته أخذ بها الى طريق المقبرة وأمرها أن تتياسر، وتيامن هو، فلما جاوزا المقبرة قال: هذا فراق بيني وبينك!!.
3 البصائر والذخائر للتوحيدي 2/85.
|
|
|
|
|