| مقـالات
ما سمي الشعر شعراً الا لأنه يتميز عن النثر بالوزن والقافية لكن ما مر به الشعر العربي في هذا القرن وما امتهن به من محبي الشهرة ومدّعي الشعر,, أوجد ظاهرة استمرأها الكثيرون,, وكلهم لو دققت القول والمحاجة معهم,, لرأيت ثقافة خاوية وفهماً سقيماً وتسطحاً في العطاء,, ثم تواترت مسائل جديدة من جيل جديد,, وهو جيل الزبرقة والترزز على رأي زميلنا الكبير الأستاذ عبدالرحمن السماري، فأصبح كل كلام ذي جرس أو سجع حتى ولو كان تافهاً,, أصبح شعراً,, وضاع الشعر,, كما ضاع شعر بشار على باب الخليفة,, ولأن الشعر له تميز عن النثر,, فان الشاعر الحق هو الذي يهز سامعيه بما يقول,, ولذلك فإن القبائل العربية ترى في الشاعر عندما يولد فيها,, ترى فيه سيفاً بتاراً ينافح عنها وعن مبادئها وجذورها,, وليس من السهولة ان يولد شاعر كما يريد هذا الجيل الواهن, كما أن سرعة البديهة وحسن السليقة من ميزات الشاعر المتمكن ولذلك قال أحدهم:
اذا الشعر لم يهززك عند سماعه فليس خليقاً أن يقال له شعر |
ومن لطيف ما سُمع وما روي في مجال البداهة الشعرية وما يهز أيضا ويطرب ما قيل عن أبي نواس عندما دخل السوق يريد شراء أضحية,, فرأى أعرابياً,, معه شاة,, يتقدمها كبش,, فمرّ به أبو الحسن وقال:
أيا صاحب الشاة التي قد تسوقها بكم ذاكم الكبش الذي قد تقدما؟ |
فقال الأعرابي على الفور:
أبيعكه,, إن كنت ممن يريده ولم تك مزّاحاً بعشرين درهما |
فقال أبو نواس:
أجدت رعاك الله ردَّ جوابنا فأحسِن إلينا إن أردت التكرما |
فقال الأعرابي:
احط من العشرين خمساً فإنني أراك ظريفاً فاقبضته مسلّما |
فدفع إليه أبو الحسن خمسة عشر درهماً,, وساق الكبش وهو يساوي أكثر من ذلك,, لكن الظرف الأدبي وانسياق الشعر عفوياً هز وجدان الأعرابي,, فباعه بتلك القيمة.
وفي عصرنا,, يوجد أناس يجيدون الرد الشعري, وهذا في مجال الشعر الشعبي ولدى البعض من هؤلاء براعة في هذا المنحى, وكذلك في الشعر الفصيح كما جرى بين أحمد شوقي أمير الشعراء في عصره وحافظ إبراهيم,, فقد أراد شوقي مداعبة حافظ فقال:
وأودعت إنساناً وكلباً وديعة فضيّعها الانسان والكلب حافظ |
فردّ عليه حافظ:
يقولون إن الشوق نار وجنة فما بال شوقي أصبح اليوم باردا |
ولقد فقدت الساحة إبداعاً مثل هذا.
|
|
|