| أفاق اسلامية
القرآن كتاب الله، فيه نبأ من كان قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، هو الفصل، ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، هو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، هو الذي لا تزيغ به الأهواء ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء ولا يخلق عن كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه، هو الذي لم تنته الجن إذ سمعته حتى قالوا: إنا سمعنا قرآناً عجباً يهدي إلى الرشد فآمنا به من قال به صدق، ومن عمل به أجر، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم.
هذا الكتاب الذي سماه الله حبله المتين، وأمر المسلمين بالاعتصام به جميعاً ما عنيت به الأمة إلا كان في ذلك فلاحها وخيرها، وما أنزلته منزلته المستحقة من التعظيم والإجلال إلا رفعت معه الى تلك المنزلة وان مظاهر العناية بكتاب الله كثيرة، منها تحكيمه في شؤون حياة الأمة كلها، ونشره بين المسلمين وتيسير الحصول عليه وكذا حفظه وتجويده وإدراك معانيه، وتهيئة السبل المعينة على ذلك كله ومنها التشجيع وحفز التنافس على حفظه وتجويده وتفسيره.
وإذا تأملت كل ما ذكرته من مظاهر العناية بكتاب الله العزيز وجدتها مجتمعة بحمد الله في المملكة العربية السعودية فهو المحكّم في قضائها وسائر شؤون الحياة فيها، ولم يقم احد بنشره في العالم كما فعلت حكومة خادم الحرمين الشريفين حفظه الله حتى غدا الحصول على نسخة في أي بقعة من العالم سهلاً ميسوراً ويسرت حفظه وتجويده وتفسيره بإنشاء مدارس تحفيظ القرآن وحلقاته وكليات علوم القرآن، وشجعت على التنافس في إتقان حفظه وتجويده وتفسيره، ولم تكتف المملكة العربية السعودية بتشجيع مواطنيها على ذلك فحسب بل امتدت أياديها البيضاء الى المسلمين في كل اصقاع المعمورة، فشجعت المسابقات المحلية في كثير من مواطن المسلمين، واعتادت منذ سنوات على إقامة المسابقة الكبرى في مكة المكرمة التي يتنافس فيها أبرز المتقنين لكتاب الله من كل المسلمين، ومن هنا تبرز أهمية هذه المسابقة بأنها تجتمع الصفوة من المعتنين بحفظ القرآن الكريم وتجويده وتفسيره، فيتنافسون في مأدبة القرآن، ويا نعم التنافس وان اجتماع المتسابقين في جوار بيت الله العتيق هو جائزة من أعظم الجوائز لكل مشارك، يحصل عليها ببركة هذا الكتاب الكريم، كما ان التقاءه بإخوانه ذوي العناية بالقرآن العظيم يشجعه على الاستمرار في السير على هذا الطريق الخير، فتزداد عنايته واهتمامه بعلوم القرآن العظيم، ويحفزه على التأثير في مجتمعه وتشجيعهم على الإقبال على تلاوة القرآن وتجويده وحفظه ودراسة تفسيره.
وحين ننعم النظر في الدعم والرعاية اللذين توليهما المملكة العربية السعودية للقرآن الكريم وحفظته لا يخامرنا شك في انهما إنما يأتيان امتداداً لرسالة بلاد الحرمين الشريفين تجاه الإسلام والمسلمين، فهي موئل هذا الدين الحنيف، ومهوى أفئدة المسلمين، وما عنايتها بالمسابقة إلا قطرة من بحر جودها في خدمة دين الله وكتابه، وناتجا عن إدراك هذه البلاد ان رسالتها عالمية، وانها تشرف بذلك وتعتقد ان إعانة المولى جل جلاله لها على القيام بهذه الأعمال الجليلة لخدمة دينه إنما هو تكريم لها بهذا الشرف وحافظ لها به من كل سوء ومكروه ما دام خالصاً لوجه الله الكريم.
وأخيراً أقول: لعله من فرط اعتزاز حكومة خادم الحرمين الشريفين بهذه المسابقة المباركة ان اطلقت عليها تسمية جديدة هي مسابقة الملك عبدالعزيز لحفظ القرآن الكريم وتجويده وتفسيره ، وفي تلك التسمية وفاء للمؤسس رحمه الله الذي عرف هو شخصياً بحرصه على القرآن الكريم وحكمه في دولته الفتية التي أصبحت بعد سنين قليلة أعظم دولة خادمة لكتاب الله المجيد، فرحم الله الملك عبدالعزيز ومن سلف من ابنائه وحفظ الله خادم الحرمين الشريفين وإخوانه مستمكسين بالقرآن العظيم، ومعتصمين بكتاب الله الذي من اعتصم به نجا، ومن تركه هلك، اسأل الله تعالى ان يجعلنا جميعاً من أهل القرآن وان يجعله هادياً لنا ومرشداً حتى نلقاه على الحق المبين, وان يجعله شافعاً لنا يوم القيامة وان يدخلنا به الجنة بجوار رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم والحمد لله رب العالمين.
الأمين العام للمجلس الأعلى للشؤون الاسلامية
|
|
|
|
|