|
| مقـالات
القوة والبطش والثروة والسيطرة نتائج منطقية يحصل عليها من يسعى نحوها ويقوم بمتطلباتها ولو بعد حين، أما العظمة فهي شيء آخر، أصعب منالاً وأشد منعة، تختار عشاقها حسب شرطها وليس حسب أماني الآخرين وادعائهم.
وكان لا بد لطالبها من أن يكون متميزاً ومنتمياً إلى عقيدة راسخة وقواعد أخلاقية وبصيرة نافذة.
ولا بد من لحظة نادرة أيضاً وموقع متميز واستعداد ذاتي لخرق المألوف, عندها يصمت الكون، وينصت الوجود استعداداً لكتابة هذا التاريخ المتألق والمتوهج، ولا يضير حينها تلك الثقوب السوداء ذات الهمة القاصرة التي تحاول أن تلتهم وتخفي ما تصنعه همم الرجال وعزائم المؤمنين، لأنها ليست قادرة على العطاء في مثل هذه الظروف.
هيهات هيهات، اختلفت المشارب وتباينت المذاهب، وشرّقت الأمة وغرّبوا، وشرفت وذلّوا وتسامت إلى العلياء في تواصل مع تاريخها وعقيدتها ولصقوا بالتراب مع الخونة والمرتزقة والشذاذ، يحسبون كل صيحة عليهم، شاهت الوجوه وسفهت الأحلام.
قلت هذا، لأنني أرى في بعض وسائل الإعلام تصريحاً وتلويحاً وتحريفاً وتشويهاً للمواقف الثابتة التي تقدمها هذه البلاد مع أن الأمة بحاجة لمن يجمع الكلمة ويوحّد الصف، ولكن الأسلوب الصهيوني القائم على التشويه الذي يستخدمه هؤلاء مع الثوابت والمواقف يأبى إلا أن يظهر في هذا الوقت شاهدين على أنفسهم بالإمبريالية والصهيونية والخيانة العظمى لأمة محمد.
وعندما اجتمع رؤساء وحكام العرب في مؤتمر القمة العربية الطارئة الذي عُقد مؤخراً، وحفل البيان الختامي بثلاثة قرارات:
1 إنشاء صندوق للقدس، وآخر لدعم الانتفاضة (اقتراح سعودي).
2 عدم استئناف أي نشاط رسمي وغير رسمي في المسار متعدد الأطراف.
3 آلية عقد مؤتمرات القمة العربية.
ضج المرتزقة والشذاذ من الاقتراح السعودي الشريف بحجة أن الفلسطينيين لا يريدون مالاً، يريدون فتح الحدود مع إسرائيل من أجل الجهاد كما يزعمون، وفي صفوفهم العلمانيون وغيرهم.
وأحب أن أذكر هؤلاء بأن الطفل المصري (أحمد شعراوي) وعمره 13 سنة قد قرر دون استئذان من أهله ان يسافر وحده إلى العريش، ومنها تسلل إلى رفح متجاوزاً بمحاولته الأسلاك الشائكة والحدود التي يحمّلوننا مسؤولية فتحها، وحاول أن يدخل الأرض المحتلة وينضم إلى أطفال الحجارة، هل سمعتم هذه القصة يا جبناء؟ يا من يعيش في لندن وباريس اللتين بينهما وبين القدس آلاف الكيلومترات ثم يسفه ويشوه مواقف العرب الشرفاء في هذه المنطقة الكامنة تحت بركان لا ندري متى ينفجر.
ويجب على الأمة جمعاء ان تدرك ان الاقتراح السعودي الذي قدمه ولي العهد حفظه الله هو القرار الوحيد الذي ألبس هذه القمة ثوب الايجابية، ولم يكتف بهذا، بل أعلن أن المملكة العربية السعودية تتبرع بجزء كبير للصندوقين.
وحمّل حفظه الله الولايات المتحدة مسؤولية ما يجري في فلسطين التي دعمت الصهاينة بكل ما تملك وما لا تملك، والتي نسيت وتناست كل المعاهدات والقرارات في سبيل مصلحة اليهود، ومن ذلك ان المشكلة التي فجّرت الانتفاضة تعود إلى حق المسلمين في المسجد الأقصى وحائط البراق، وهذه قد انتهت بموجب قرار دولي في سنة 1929م عندما حاول اليهود الاستيلاء على حائط البراق زاعمين أنه حائط المبكى، وهو ما بقي من هيكل سليمان، فاشتعلت في فلسطين ثورة عظيمة سميت بثورة البراق، وكانت فلسطين آنذاك تحت الانتداب البريطاني، فاضطرت إلى تشكيل لجنة تحقيق دولية (السويد وسويسرا وإندونيسيا) بمباركة من بريطانيا وعصبة الأمم آنذاك، واجتمعت اللجنة ودرست (61) وثيقة، واستمعت إلى (52) شاهداً، وكانت النتيجة:
1 تعود ملكية حائط البراق للحرم الشريف، الذي هو جزء من أملاك الوقف الإسلامي، وتعود إلى المسلمين أيضا ملكية الرصيف الكائن أمام الحائط وأمام المحلة المعروفة باسم حارة المغاربة.
2 أن أدوات العبادة التي وضعها اليهود بالقرب من الحائط لا تعطي اليهود أي حق في الحائط والرصيف المقابل له.
3 لليهود حرية الوصول إلى الحائط الغربي لإقامة التضرعات في جميع الأوقات مع مراعاة شروط حددها التقرير.
4 يمنع إحضار أي خيمة أو ستار أو مشابههما من الأدوات الى الحائط.
5 لا يسمح لليهود بنفخ البوق بالقرب من الجدار.
هذا ما نملكه للتاريخ,,,.
ولقد مرت عشر سنوات على بداية عملية السلام في مدريد عام 1991م، وسبع سنوات على اتفاق أوسلو، ولم نر أي تقدم في مبدأ الأرض مقابل السلام، بل فاجأنا باراك بعد القمة بوقف عملية السلام، وهدد بتحويل الأراضي المحتلة إلى بيروت ثانية، وأغلق مطار غزة وسد منافذ المدن الفلسطينية، وقصفت المروحيات والدبابات القرى والشباب الفلسطيني، ولم يكتف هؤلاء الصهاينة بما مضى، بل أقدم المستوطنون الإسرائيليون في خطوة استفزازية على تمزيق القرآن الكريم وكتابة شعارات تمس الدين الإسلامي والنبي (محمد) صلى الله عليه وسلم، بالقرب من مسجد في الخليل جنوب الصفة الغربية وذكرت وكالة فرانس برس أن عبارات السب والشتم كتبت بالعبرية على حائط بالقرب من مستوطنة إبراهام أفينو الاسرائيلية وتنعت النبي (محمد) صلى الله عليه وسلم بأوصاف مشينة وأن نجمة داود رسمت تحتها.
بأبي أنت وأمي يا رسول الله، كل ذلك يجري بمباركة من الولايات المتحدة الأمريكية (راعية السلام) التي حملها ولي العهد السعودي وحده من بين القادة مسؤولية ذلك.
بل أعلنت حالة تأهب قصوى باستخدام قواتها في المنطقة من أجل عيون إسرائيل، وهدد مندوبها في الأمم المتحدة، ريتشارد هو لبروك باستخدم الفيتو ضد أي قرار آخر لمجلس الأمن يدين إسرائيل كما عارض عقد جلسة الجمعية العامة الطارئة وادعى أنها غير مفيدة، لأنها تقوّض ما اسماه بعملية السلام في الشرق الأوسط.
وتناسى مجلس النواب الأمريكي عندما أصدر قراراً حمّل فيه الرئيس عرفات مسؤولية اندلاع العنف في الأراضي المحتلة أن الإرهابي (شارون) هو المسؤول عن كل ما جرى بسبب استفزازه للمصلين بثلاثة آلاف جندي دنسوا حرمة الأقصى الشريف.
ويجب أن يعرف الجميع أن السبب في دفاع الولايات المتحدة الأمريكية عن إسرائيل يعود بالدرجة الأولى إلى أن البروتستانت يؤمنون إيمانا مطلقا بالعهد القديم، ويؤمنون بعودة المسيح المنتظر باستيلاء اليهود على فلسطين وإعادة بناء الهيكل.
كما أن الرئيس الأمريكي يجب ان يكون بروتستانتياً يؤمن بهذه المعتقدات، ولذلك قتل الرئيس كنيدي، لأنه كاثوليكي، بل ألصقوا تهمة قتل كنيدي الأخ بالفلسطينيين (قضية سرحان بشارة سرحان) بالاضافة إلى سيطرة اليهود على مراكز القرار والإعلام والاقتصاد.
ويدل على ذلك أيضاً أن المطران هيلاريون كابوتشي (أرثوذكس) قد نفي من القدس، وقال قبل أيام في رسالة وجهها من منفاه إلى ابطال الحجارة وثوار المسجد الأقصى والشعب الفلسطيني: إنني كإنسان وكمطران للقدس فإن واجبي يحتم على ضميري أن أتحرك لمجابهة الذئب الكاسر الذي يفترس الشعب الفلسطيني بوحشية وإمعان قل نظيرهما وأضاف: إن الصهيونية العالمية حركة عنصرية نغصت عيشنا واغتصبت بالحرب وبالعنف والإرهاب أراضينا مؤكداً أن إسرائيل حركة عنصرية هي الشوكة المغروسة في خاصرتنا منذ قيامها عام 1948م , ولو كان بروتستانتياً لما قال هذا الكلام.
وأمام كل هذه الانتهاكات والدماء الزكية يخرج علينا تصريح جيك سيويرت المتحدث باسم البيت الأبيض يصف البيان الختامي للقمة العربية الذي أدان إسرائيل بأنه قاسٍ وغير مفيد، فسبحان الله هذه العين ألا ترى قسوة الصهاينة ودباباتهم ومروحياتهم التي قصفت الأحياء والقناصة الإسرائيلية التي اصطادت النساء والأطفال من أمثال محمد الدرة.
ثم حث المتحدث من جديد الإسرائيليين والفلسطينيين على إنهاء الاشتباكات، وتنفيذ الاتفاق الذي توسط فيه الرئيس كلينتون في قمة شرم الشيخ ويرمي إلى إنهاء الانتفاضة ووقف إطلاق النار.
أي نار يا فخامة الرئيس!!!
ومن جانب آخر حذّر مارتن انديك السفير الأمريكي لدى إسرائيل الفلسطينيين من إعلان دولتهم المستقلة من جانب واحد قائلاً إن ذلك من شأنه إشعال نار تجتاح الشرق الأوسط كله، وأضاف قائلاً إن حكومتي تتبنى دائماً الموقف المعارض للخطوات أحادية الجانب والمعارضة الواضحة والقوية للإعلان أحادي الجانب عن قيام دولة فلسطينية مستقلة، وكانت كلمته هذه هي الأولى له منذ استعادة تصريحه الأمني هذا الشهر، وليته سكت ولم يسمح له بالتصريح.
والخلاصة من حق ولي العهد السعودي الذي يشعر بدوره القيادي أن يقدم ذلك الاقتراح وأن يلوم الولايات المتحدة الأمريكية على ذلك النهج الذي لا يخدم السلام في الشرق الأوسط, كثيرون لا يقدرون دور السعودية في الدفاع عن قضايا الأمة حسداً من عند أنفسهم، وكثيرون لا يقدرون صدقية الثواب ومصداقية السلوك.
وكثيرون لا يقدرون الإيمان والحكمة، ويحبون الجنون والتصريحات النارية والدعوات الكاذبة، وينخدعون بشعارات الزيف والضلال، ونسوا أن هؤلاء الذين ينادون بالجهاد قد خرجوا من الدين الإسلامي ورب الكعبة.
السعودية : دين وعقيدة وثوابت وشعور بالواجب وانتماء فكري وأخلاقي، نقية كثوب الكعبة، شامخة كقمة إفرست التي تطل على كل المستنقعات في العالم.
السعودية : تعطي ولم تفكر ولن تفكر في مقابل ذلك، تتناسى كل ما يجري في سبيل مصلحة الامة وتقابل النكران بفضيلة التسامح.
وقفت انطلاقاً من دورها القيادي مع الشعوب العربية والإسلامية، وقفت مع العراق والكويت واليمن، والسودان ومصر والأردن وفلسطين ولبنان وسوريا والصومال وإريتريا ودول مجلس التعاون ودول الاتحاد المغاربي، بل تجاوزت الاقليمية إلى العالمية، وقفت مع افغانستان وباكستان والشيشان والبوسنة والهرسك، وكشمير والفلبين و,,,.
السعودية : لم تستأثر بالثروة مع أن ذلك حق لها، فأنشأت في جميع أنحاء العالم المستشفيات والمساجد وساعدت المراكز الإسلامية ودور الرعاية والمراكز التعليمية والجامعات واللجان الخيرية الإقليمية والعالمية.
السعودية: لم ترض بأي تطبيع مع إسرائيل، ولم تفتح مكاتب للصهيونية على أراضيها المقدسة، ولم تجر معاهدات أمنية ومناورات عسكرية مع إسرائيل، ولم يقم اي مسؤول فيها بزيارة الصهاينة ولم تسمح لهم بزيارتها.
السعودية : وميض لا ينساه الشرفاء ودماء الشهداء في هذه الأمة، ضغطت بقوتها الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية من أجل قضايا العرب والمسلمين قاطبة.
السعودية : لم تستخدم ثقلها الإقليمي والعالمي لتمارس الغرور والعنجهية على من حولها، ولو أنها آمنت بتلك الأساليب القذرة التي يستخدمها المرتزقة واللئام في سبيل تشويه ثوابتها ومواقفها لاستفادت من قوة إعلامها ومركزها العالمي، وقوة استخباراتها ومباحثها في الرد على تلك الادعاءات ولكنه الشرف والمجد والثقة يقف أمام هذا الأسلوب المتشنج.
تؤمن بأن تفعل ولا تقول، وغيرها يؤمن بأن يقول ولا يفعل باختصار.
السعودية : تحكمها ثوابت ملكية عربية منذ قرون وسياسة راسخة مستمدة من الكتاب والسنّة في حين أن كثيراً ممن يشوه مواقفها يحكم بأبناء الشوارع وأطفال الأنابيب والمجهولين.
السعودية : باذخة في المجد عفيفة الضمائر، نقية السرائر، قليلة العيب، مأمونة الغيب، اتخذت من العفاف شعاراً، والنزاهة دثاراً، والستر قريناً، والحق جُنة، والصدق سُنة، والورع سراجاً، والحلم منهاجاً، والرفق ظهيراً والصبر وزيراً.
السعودية: نزهَت نفسها عن الرداءة، وطوت بطنها عن الحرام، ونهت نفسها عن جميع الآثام، وترفعت عن انتهاك المحارم، تفجرت بالخير والنوال وتبجست بالعطاء والإفضال.
أولت الجميع خيراً، وكفتهم ضيراً، ومنحتهم رفداً، وأهدتهم براً، ودفعت عنهم شراً، ولكنهم قوم يجحدون، ويكفرون، وينكرون.
وخير ما يَذكُرني في هذا المقام قول الشاعر العنزي (شعبي)، لله أبوه:
نعطي ولا نأخذ فتافيت وألحاس ومنهاجنا بالمجد كل درى فيه صديقنا الوافي له القلب مجلاس وخصيمنا نلعن أبو جد ثاويه |
والله من وراء القصد.
|
|
|
|
|
