| مدارات شعبية
ليست بداية لسيرة شخصية ولا نواح على ماضي، وإنما هي رغبة دفينة في ان ابوح برجعيتي,, وبأنني إنسان قديم.
(الفوطة),.
أبنية طينية,, مشبع طينها من الخارج بالتبن,, وداخلها مطلي (بالجص) الابيض,, أتذكر جيدا أننا كنا نقضم هذا الطلاء بأسناننا ونحن اطفال.
ولدت هناك,, في الفوطة,, وفي الدور العلوي
تقول أمي رحمها الله: ان العديد من الامهات فارقن الحياة أثناء الوضع في السنة التي ولدت فيها,, وأنها كانت قلقة,, ولكن ولادتي كانت يسيرة.
وعيت على أشياء,.
واشياء كنت أعتقد انني وعيت عليها,, ولكن التواريخ تثبت استحالة ذلك.
اعتقدت انني أذكر جيدا الملك عبدالعزيز !
وقد توفي رحمه الله وعمري اربع سنوات,, ولكن يبدو انني كنت اتخيل هذا الرجل الكبير بسبب وجوده بيننا بعد وفاته.
ووعيت على نفسي,,
وأنا طفل يتعثر في كلامه,, وعلى ملامحه شيء من البلادة والخجل.
كان أبو سعد
يشتري ما يلزم البيت من مواد غذائية,, وصويلحة تطهو طعامنا، وبجانب القرب الضخمة التي يوضع فيها الماء ليبرد، كانت سلامة تغسل شعري بالسدر وتدهن وجهي بالفازلين لتخفف من الشقوق الصغيرة التي يتركها البرد والجفاف على جلدي.
ومازلت أتحسس
اثر كي عتيق في عنقي من الخلف، لا أذكر حادثة الكي ولا سببها، كان عمري سنة أو أقل,, ويبدو انني كنت مريضا ليضعوا ذلك المعدن الملتهب على لحمي.
في ربيع معشب
هاجمتنا آلاف الأسراب من الحشرات، لم يكن الامر عاديا,, بل كان سريعا، وما زلت اتخيل الساحة الواسعة داخل منزلنا وقد تحولت إلى بساط أسود من الحشرات, كانوا يحشون فتحات الأبواب السفلية بالخيش كي لا تلج أمواج الحشرات داخل الغرف.
كنا في سلام
مع الظلام والشمس الحارقة والجن والغبار!
وكنا قد بدأنا
نكتشف البنسلين كمضاد حيوي وحيد يشفي كل شيء!
وكنا نموت
من أمراض تعد على الأصابع.
وكانت القصائد
قد أخذت تغفل الغزال والجمل وتتحدث عن العرية وستائرها المخملية التي خلفها النواعس السود .
وكانت كل قصيدة
تعرف في من قيلت دون ان يغضب أحد.
وكم تمنيت
ان اكبر وأحب وأكتب قصيدة جميلة في الحبيبة.
(كبرت وكتبت قصائد كثيرة ومازلت اصر ان قصائدي لم تكتب لأحد!)
كنت أسمع
الكبار يناقشون اشياء كثيرة، ويتطرقون للسياسة، ولا يخفون حماسهم لكل حركة تحررية تحدث في العالم العربي وفرحهم بها.
كنا نحس
ان كل من قال: أنا عربي، هو منا، إلى ان صدمنا ان هناك عربا,, وعربا!
مازلت أتذكر حماسي
منقطع النظير عندما حدث العدوان الثلاثي على مصر بعد تأميم قناة السويس، وكيف كنت اسمع الاخبار والاناشيد الحماسية من المذياع الذي في غرفة صالح العنبر ,, ثم أذهب لأقص كل ما سمعته على العجائز أو أمهاتي اللواتي يرفقن والدتي رحمها الله وهن يجلس في ظلال البيت في الصباح، وكان لدي عادة غير جيدة حين ينشغلن عن حديثي في أمر آخر، وهي انني أضع اصبعي على ذقن من تواليني منهن وأجذب وجهها ناحيتي كي اكمل موضوعي الذي لا ينتهي، هذه مرحلة ما بعد البلادة والتعثير في الكلام .
كنت أراها ولا أراها,.
لبعد المسافة، كان بين بيتنا وبيتهم أرض فضاء، وكانت تقف في الشباك أحيانا، وأمر صدفة فألمحها,, في السابعة عشرة من عمري كتبت:
لا والذي سواك ما ريد ملواك ما خبر نفس قد تمنت قدوحا أغلى حياتي من ثواني بها القاك لولاك ما تسوى حياتي كدرها وجنيا خلت من صافي الود وياك ياعل يكشف شمنها مع قمرها |
|
|
|
|
|